اتخذت الحكومة الاسرائيلية في الخامس من الشهر الجاري قراراً جاء فيه: "ستنتشر قوات الدفاع الاسرائيلية على الحدود مع لبنان بحلول تموز يوليو 2000 وستضمن من هناك أمن مدن وقرى الشمال". بعد أيام على ذلك القرار أكد الرئيس اللبناني أميل لحود ان بلده لن يقدم أي ضمانات أمنية الى اسرائيل، وتساءل: "ماذا سيجبر اسرائيل على ايجاد حل للمشكلة الفلسطينية اذا كنا سنحافظ على أمن الحدود بعد انسحاب يتم خارج سلام شامل وعادل؟" علينا أن نلاحظ أن الرئيس لحود وضع تصريحه في سياق المشكلة الفلسطينية كما تتمثل في لبنان. وكانت بيروت الى هذا الوقت رفضت، في مجال الرد على "تهديد" اسرائيل بالانسحاب من طرف واحد، المشاركة في أي ترتيبات أمنية في غياب نهاية ناجحة للمفاوضات في المسار السوري - اللبناني - الاسرائيلي. ورغم بقاء التنسيق مع سورية عنصراً جوهريا في الديبلوماسية اللبنانية فقد اختار الرئيس لحود أن يستغل القرار الاسرائيلي ليطرح السؤال: "كيف يمكننا ضمان تلك ا لحدود بوجود المخيمات الفلسطينية التي تضم عشرات الألوف من اللاجئين المسلحين المطالبين بحق العودة؟". انه سؤال في مكانه تماماً على رغم أن القرار الاسرائيلي لم يطالب بضمانات. الرئيس اميل لحود ليس المسؤول الوحيد الذي يشير الى عدم جدوى الترتيبات الأمنية اذا بقيت مخيمات اللاجئين، التي لا تبعد سوى أميال قليلة عن الحدود، خارج عملية السلام. وكان مسؤول القوات الدولية في لبنان يونيفيل تيمور غوكسيل قال قبل شهور: "اذا وضعنا جانباً البعد الانساني للقضية، فإن ترك 350 ألف لاجىء فلسطيني غاضب هنا في لبنان لن يساهم في أمن اسرائيل". وعقّب الصحافي الاسرائيلي دانيال سوبلمان في "هآرتس" على ذلك بالقول أن "رأي غوسيكل يلقى التأييد من خبراء اسرائيل الأمنيين الذين اصدروا تحذيرات مشابهة في الماضي". لكن هناك مشاكل عملية تجب مواجهتها على المدى القريب، وهي تتطلب الاهتمام الفوري فيما يتم البحث في سبل التخفيف عن المعاناة الانسانية والقلق السياسي الناتجين عن وجود اللاجئين الفلسطينيين في لبنان: - هل هناك تضارب بين "ضمانات" تقدم الى اسرائيل ومسؤوليات لبنان تجاه الأممالمتحدة؟ ان لبنان هو المستفيد المفترض من قراري مجلس الأمن 425 و426، الداعيين الى انسحاب اسرائيل ونشر القوات الدولية في لبنان. لكن اذا التزمت اسرائيل من طرف واحد الانسحاب الكامل غير المشروط، كيف يمكن ل"يونيفيل" القيام بعملها من دون تعاون من لبنان؟ المهمة الأولى ل "يونيفيل" هي التأكد من انسحاب اسرائيل، وهو ما قد لا يتطلب تعاون لبنان. لكن المهمة الثانية، وهي استعادة السلام والأمن الدوليين، تعني تأمين الحدود ومنع أعمال العنف عبرها، قد تتطلب التعاون. ذلك انها قد تشمل استخدام القوة ضد مواطنين لبنانيين أو غيرهم يعملون في أرض لبنان، ولا بد في هذه الحال من مشاركة لبنانية كاملة. المهمة الثالثة هي مساعدة حكومة لبنان على اعادة سلطتها على الجنوب، وهي بلا معنى تماماً من دون تعاون لبناني كامل. - هل هناك تضارب بين "ضمانات" لاسرائيل ومسؤوليات وضعها لبنان على عاتقه؟ يلزم اتفاق الطائف الذي عقد في تشرين الأول اكتوبر 1989 لبنان بما يأتي: أولاً، تنفيذ القرار 425، ثانياً، التزام هدنة 1949، ثالثاً، نشر الجيش اللبناني "على الحدود المعترف بها دولياً". واذا أمكن القول أن مهمة الجيش اللبناني وقتها ستكون الدفاع عن البلاد وصد الغارات من الجانب الاسرائيلي، فان اتفاق الطائف يركز بوضوح أيضاً على "عودة القانون والنظام الى منطقة الحدود". هل يعني تعبير "عودة القانون والنظام" هنا بذل الجهد المخلص والدقيق للسيطرة على الحدود ومناطقها بما يمنع انتهاك السلام والأمن الدوليين؟ باختصار، ليس هناك في الفقرات المتعلقة ب"تحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي" في اتفاق الطائف ما يقول بأن وجود الفلسطينيين في لبنان يشكل مانعاً من نشر جيش لبنان جنباً الى جنب مع "قوات حفظ السلام الدولية في جنوبلبنان" بعد انسحاب اسرائيلي. - اذا لم تنسحب اسرائيل بشكل احادي الجانب من جنوبلبنان وانما جاء انسحابها بعد التوقيع على معاهدتي سلام مع سورية ولبنان، ألن تستمر ممانعة الرئيس لحود في اعطاء "ضمانات أمنية" اذا لم يكن هناك حل لمشكلة الفلسطينيين؟ بل ماذا ستكون قيمة أي ضمانات اذا لم تتناول عملية السلام قضية مخيمات اللاجئين في لبنان؟ لهذا، وعلى رغم أن الرئيس لحود طرح قضية الضمانات والبعد الفلسطيني في سياق انسحاب اسرائيلي احادي الجانب، فإن لهذه القضية من الناحية الفعلية أثرها على السياق العام لعلمية السلام. هل يمكن لبنان، حتى مع مساعدة من سورية بعد انسحاب اسرائيلي من الجولان، أن يمنع اعمال العنف عبر الحدود اذا لم يتم تناول القضية الفلسطينية؟ النقطة الأخيرة هي جوهر الموضوع، وعلى عملية السلام في الشرق الأوسط ان تركز بإصرار على قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. المسألة بالتأكيد ليست التأثير المحتمل لهؤلاء اللاجئين على فاعلية الضمانات الأمنية في حال انسحاب اسرائيلي احادي الجانب. كما انها ليست حتى مسألة ضمانات أمنية بالمعنى التقني المحدود. انها ببساطة كالآتي: كيف يستطيع لبنان واسرائيل مجرد التفكير في سلام ثنائي بينهما وضمان أمن حدودهما على المدى البعيد من دون البدء منذ الآن بتخطيط جاد يهدف الى ازالة مخيمات اللاجئين واعطاء سكانها خيارات وفرصاً في حياة آمنة ومنتجة داخل المنطقة أو حتى في انحاء العالم؟ اذا انسحبت اسرائىل من جانب واحد ودون شروط وفي شكل كامل فإن مشكلة الفلسطينيين قد تعطي حكومة لبنان ذريعة، على المدى القريب، لتجنب مسؤولياتها حسب اتفاق الطائف وأيضاً تجاه الأممالمتحدة. مع ذلك فقد أسدى الرئيس لحود خدمة كبيرة لبلده ولعملية السلام عندما سلط الضوء على عدم جدوى "الضمانات الأمنية" وخلوها من المعنى على المدى البعيد بالنسبة الى حدود لا تبعد سوى أميال قليلة عن المخيمات الفلسطينية، التي يسيطر عليها اليأس والفقر ولا يزورها الأمل، اذا زار اصلاً، الا نادراً. * باحث في مؤسسة "ارميتاج اسوسييتس"، فرجينيا، الولاياتالمتحدة. متخصص في الملف اللبناني.