يقول مسؤول لبناني رفيع معني بالوضع في جنوبلبنان من جوانبه السياسية والعسكرية والتفاوضية، ان الاعلان الاسرائيلي المستجد عن الاستعداد لتطبيق قرار مجلس الامن الدولي الرقم 425 مقترناً مع طلب الضمانات الامنية على الحدود، هدفه اختبار قدرة لبنان على الدفاع السياسي والعسكري عن الامن الاسرائيلي في ظل استمرار تعثر عملية السلام وبغض النظر عما يحصل على المسارات التفاوضية الاخرى. ويعتبر المسؤول نفسه ان منطق الامور يقول ان طرح اسرائيل الاستعداد للانسحاب من الجنوب، مع ضمانات امنية لها، هو محاولة من اجل التفاوض مع سورية على هذه الضمانات نظراً الى دورها الاقليمي في هذا الموضوع. لكن ما يفعله الاسرائيليون في اشتراطهم الضمانات لتطبيق القرار الدولي هو البحث عن ضمانات خارج اطار الثمن السوري لها، وصولاً الى استدراج لبنان الى تقديمها منفرداً في وقت يعتبر ان الضمانات تأتي من خلال عملية السلام. ومع ان كبار المسؤولين اللبنانيين ينفون ان يكون دار اي بحث مع الاسرائيليين على الانسحاب مع ضمانات وينكرون ان يكون الجانب الاسرائيلي حاول طرح الموضوع في اطار لجنة تفاهم نيسان أبريل المولجة بمراقبة وقف النار وعدم استهداف الاعمال العسكرية في الجنوب المحتل للمدنيين، تفيد معلومات "الحياة" ان اجتماعات اللجنة للبحث في الشكاوى المتبادلة في شأن خرق تفاهم نيسان، وهي المكان الوحيد الذي يلتقي فيه ممثلون للطرفين في حضور ممثلين لسورية وفرنسا وأميركا، كانت مسرحاً لتمريرات اسرائيلية بطريقة غير رسمية حاولت جس النبض في شأن الانسحاب مع ضمانات امنية لحدود اسرائيل. الا ان الجانب اللبناني كان واضحاً في جوابه عن تمريرات من هذا النوع: انسحبوا. والضمانات ليست بالوسائل الامنية بل بالموقف السياسي. وهذا لا يأتي الا في اطار السلام. ويقول المسؤول اللبناني الرفيع من دون ان يؤكد او ينفي الواقعة ان الطموح الدائم للاسرائيليين تحويل لجنة تفاهم نيسان الى راعية لبحث ترتيبات للانحراف بها عن مهمتها الاساسية. واذا كان هذا هو جوهر الموقف اللبناني رداً على اشتراط اسرائيل الترتيبات الامنية، يدرك المسؤولين اللبنانيين ان اسرائيل تسعى الى احراجهم اولاً امام جزء من الرأي العام الدولي وثانياً امام جزء من الرأي العام اللبناني وثالثاً امام جزء من الجنوبيين، بأن لبنان لا يتجاوب مع تنفيذ القرار الدولي وتسعى الى اظهاره انه يفعل ذلك لمصلحة سورية خشية فصل المسارين. الا ان المسؤولين اللبنانيين لا يبدون محرجين كثيراً حين يقاربون موقفهم من العرض الاسرائيلي استناداً الى اجماعهم على رفض تقديم الضمانات الامنية الى اسرائيل في اطار التفاوض. وهو اجماع لا يشمل رؤساء الجمهورية الياس الهراوي والمجلس النيابي نبيه بري والحكومة رفيق الحريري فقط بل يتعداه الى مواقف معلنة من الكثير من القوى السياسية، وخصوصاً قائد الجيش العماد إميل لحود الذي اعلن مراراً، في المدة الاخيرة، ان لا ضمانات امنية، في انتظار الحل الشامل. ويقول هؤلاء ان الانسحاب منفصل عن الضمانات نظراً الى ان البحث في الاخيرة هو منفذ اسرائيلي الى السلام. فلبنان لا يستطيع تقديم الضمانات منفرداً نظراً الى ان هناك مشاكل عالقة كثيرة بينه وبين اسرائيل منها موضوع اللاجئين الفلسطينيين. وهنا يصبح موضوع وحدة المسارين ضرورياً لأنها وحدة تتناول الحل الشامل لأزمة المنطقة. ويؤكد المسؤولون اللبنانيون ان "جرنا الى البحث في الضمانات يقود الى كمية من التفاصيل تعرفها اسرائيل وتتصرف بخبث في شأنها. فهل اذا بحثت الضمانات نقبل نحن باستمرار استباحة الطيران الاسرائيلي اجواءنا؟ وهل تتوقف اسرائيل عن القيام بالدوريات البحرية اليومية، خصوصاً اذا قام فريق ما بعمل عسكري ضدها، يشتبه في ان يكون تم من الحدود اللبنانية؟ ولا حلول جاهزة امنياً، لكل هذه التفاصيل من دون حلول سياسية. من هنا فإن سقف الطرح الاسرائيلي ليس امنياً كما يدعون. فعلى رغم اقتراح تل أبيب استقدام قوات فرنسية ليصبح امن اسرائيل مسؤولية دولية، فإن السقف الاسرائيلي سياسي - اعلامي - اقتصادي اذ تريد حكومة نتانياهو من التفاوض معنا على ضمانات، تقول انها امنية، تحقيق اختراق سياسي في المنطقة فتوجه رسالة الى العرب الذين تراجعوا عن التطبيع معها، بالعودة اليه في حال توصلها الى ضمانات للانسحاب من لبنان، وهذا ينطبق على الصعيدين الاعلامي والاقتصادي. لكن السقف السياسي لمطلب الضمانات سورية معنية به. فالاسرائيليون يحاولون في مناورتهم اغراء سورية بالقول: كنا نطالب بتنفيذ القرارات 425 و520 انسحاب كل القوات الاجنبية بما فيها السورية والآن ندعو الى تنفيذ الاول من دون ربطه بالثاني". وهذا في رأي مسؤول لبناني رفيع "خبث لأنه محاولة لاستدراج سورية الى اتفاق ظاهره الاستعداد الاسرائيلي للتسليم بنفوذها في لبنان ومقايضة الترتيبات الامنية في الجنوب به، في مقابل استمرار جمود عملية السلام". ويضيف المسؤول نفسه ان "الرئيس السوري حافظ الاسد، لن يقبل بمقايضة الترتيبات في الجنوب، على غرار اتفاق 17 أيار مايو، بالتسليم بنفوذ سورية في لبنان، لأن هذا يعني تسليماً منه بأن قضية الجولان لن تحل. وهو لن يقبل ذلك خصوصاً الآن، في ظل وجود بنيامين نتانياهو في الحكم، هو الذي يؤكد ان لا نية لاستئناف المفاوضات مع سورية على اساس مبدأ الانسحاب من الجولان". ويتابع ان "الثمن السوري الضمانات للانسحاب متعذر، لذلك تلجأ اسرائيل الى طرح مبادرتها مقرونة بضغوط على سورية. وعلى رغم المظاهر فإن الادارة الاميركية ترغب في مساعدة نتانياهو على ذلك. فما من موفد زار بيروت، أوروبي او أميركي الا طرح الموضوع على طريقته من وزيرة الخارجية الاميركية مادلين أولبرايت الى مساعدها لشؤون الشرق الاوسط مارتن أنديك الى مساعدة رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس دانيال بلاتكيه التي قامت في وجهها الضجة في بيروت، فأسئلتهم دارت على قدرة الجيش اللبناني على حفظ الامن في حال انسحبت اسرائيل اولاً وحول الحاجة الى بقاء القوات السورية بعد انسحاب اسرائيل ثانياً، بل ان بعض الموفدين الاميركيين يتعمق في طرح الاسئلة عن الشروط الاسرائيلية المعلنة المتعلقة بالترتيبات وجيش لبنانالجنوبي". ماذا عن الانسحابات من جانب واحد مثل "جزين أولاً"؟ يقول المسؤول اللبناني ان خياراً كهذا يطرحه الاسرائيلي لا ليرتد عليه مزيداً من الهدوء السياسي الذي ينشده بالانسحاب من الجنوب الذي بات مطلباً داخلياً، بل ليرتد على الداخل اللبناني. فهو يرمي هذه الافكار لتصبح كرة نار بين اللبنانيين. ويريد ان يصبح الانسحاب من جزين مطلباً مسيحياً فيثير ذلك التناقضات الداخلية. ومع الانتقادات من جانب المعارضة المسيحية للدولة لأنها لا تتلقف العروض بالانسحاب الاسرائيلي فإن معلومات مصادر متعددة تشير في هذا المجال الى الآتي: 1 - ان ديبلوماسياً اميركياً سأل البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير هل الدولة اللبنانية قادرة على حفظ الامن في حال انسحبت اسرائيل فكان رده: "الدولة تؤكد انها قادرة وهذا موضوع يفترض طرحه مع سورية ايضاً". وحين سأله عن مدى الحاجة الى استمرار وجود القوات السورية في حال نفذت اسرائيل الانسحاب فكان جوابه: "فلتنفذ اسرائيل ثم لكل حادث حديث". 2 - ان طرح الانسحاب من جزين خلّف الكثير من المعطيات. فوضع هذه البلدة، التي تتعرض بين الفينة والاخرى لخضات امنية، حساس جداً. وعلى رغم احتجاجات اهالي جزين على العمليات وتفجير العبوات على طرقها، الذي اصاب عدداً من ابنائها، فإن السفير السابق في واشنطن سيمون كرم الذي يدعو الى عدم ابقاء الوضع على حاله واخضاع اهالي البلدة لعمليات لا قدرة لهم على تحمل نتائجها، يؤكد، كما يقول "كلاماً واضحاً وصريحاً هو انه ليس لرغبة اسرائيل في استخدام جزين او المناورة بها او الانسحاب منها، اي تتمة في الداخل اللبناني او في جزين نفسها". ويضيف كرم ان "كلام البطريرك صفير عن التلازم بين المسارين اللبناني والسوري يعبر عن موقف اهل جزين وفاعلياتها السياسية...". ويقول العارفون بتفاصيل هذا الموقف ان موقف صفير هذا الذي اعلنه في الفاتيكان في الصيف الماضي جاء نتيجة محاولات من بعض الجهات لإقناعه بالضغط من اجل التفاوض مع اسرائيل على الانسحاب وان الفاتيكان وافقه على ما اعلنه في وجه هذه المحاولات. ثم ان مقربين من صفير نقلوا عنه قوله لموفدين فرنسيين وأميركيين "اذا كان الهدف من طرح القرار 425 استخدام الموقف اللبناني فنحن لسنا مستعدين بعد الآن لأن يتم استخدامنا من اجل طعن سورية".