في خطوة لم يسبق لها مثيل، رحّلت سلطات الاحتلال الاسرائيلي تسعة شبان فلسطينيين مقدسيين، بينهم اثنان من مرافقي مسؤول ملف القدس في منظمة التحرير الفلسطينية فيصل الحسيني، الى مدينة ايلات على الساحل الجنوبي بسبب رفعهم علمي فلسطينوالفاتيكان في القدس أول من أمس استعداداً لزيارة البابا الى مدينتهم. وقالت مصادر في مقر الحسيني "بيت الشرق" أن الشرطة الاسرائيلية أبلغت المحامي جواد بولس قرارها "ابعاد" الشبان التسعة حتى انتهاء زيارة البابا للاراضي المقدسة. وفي المقابل، احجمت اسرائيل عن اعتقال اعضاء في منظمة "هذه ارضنا" اليهودية المتطرفة التي تكن العداء للمسيحية على رغم تأديتهم "صلاة اللعنة" على البابا في احدى المقابر في مدينة صفد. واكتفت اجهزة الامن الاسرائيلية بوضع أحد أعضاء هذه المنظمة، وهو عضو في حركة "كاخ" العنصرية ويدعى ايتمار بن جفور، "في الاقامة الجبرية" في منزله. وقللت هذه الاجهزة من خطورة اقامة مثل هذه الصلاة المعروفة في الدين اليهودي مع انها "ابتهال لموت البابا" مشابهه للصلاة التي قام بها متطرفون يهود ضد رئيس وزرائهم الاسبق اسحق رابين قبل أن يقتل على يد أحدهم. وبدأت امس لعبة "شد الحبال" التي سترافق زيارة البابا يوحنا بولس الثاني التاريخية الى الاراضي المقدسة منذ اللحظات الاولى التي حطت فيها مروحيته على جبل سكوبس في القدسالشرقية. اذ اصرّت اسرائيل على وجود رئيس البلدية الاسرائيلي ايهود اولمرت في استقبال الطائرة لحظة هبوطها على الجبل الذي يقع في الجزء المحتل عام 1967 من المدينة المقدسة. وفي المقابل، وافقت السلطات الاسرائيلية على طلب بابوي "باختصار" مراسم الاستقبال على الجبل وقصرها على تسلمه هدية عبارة عن نسخة اثرية من الكتاب المقدس وكتاب آخر يحوي صوراً لطقوس دينية في القدس. ومع وصول البابا الى القدس هطلت امطار غزيرة فخشي منظمو جولة البابا ان يسوء الطقس اكثر ليؤثر في برنامجه. وتوجه البابا مباشرة الى مقر "القاصد الرسولي" في حي الصوانة في القدس حيث سيقيم خلال زيارته التي ستستمر ستة أيام وتشمل الحج الى بيت لحم والناصرة وجبل التطويبات في طبريا بالاضافة الى مدينة القدس. وأكدت مصادر مطلعة ل "الحياة" أن البابا رفض بشكل قاطع عرضاً اسرائيلياً باستضافته في أفخر فنادق القدس، وأنه اصر على الاقامة في مقر سفير الفاتيكان حرصاً منه على عدم المساس بموقف الفاتيكان التاريخي من المدينة المقدسة في ظل الاحتلال الاسرائيلي لها. ولم تخف اسرائيل قلقها من دلالات الزيارة البابوية لمدينة القدس، تحديداً للحرم القدسي الشريف، والتجول في أزقة البلدة القديمة "التي حاولت اسرائيل أن تحولها الى غيتو يهودي" وكأنها مدينة مقدسة لليهود وحدهم، وفقاً لتعبير أحد الكتاب الاسرائيليين. ولكن "المعادلة" في نظر اسرائيل تكمن في الزيارة التي سيقوم بها البابا لمتحف "الكارثة والبطولة" الذي يرمز الى ما تعرض له اليهود على يد النازية في المانيا خلال الحرب العالمية الثانية وزيارة الحائط المبكى. وتستمر زيارة المتحف ثلاث ساعات يتوقع الاسرائيليون خلالها أن يقدم البابا اعتذاراً واضحاً لليهود باسم الكنيسة على "الهولوكوست" المحرقة وتسميتها بالاسم، وهو ما لم يفعله خلال طلبه الصفح من الشعوب التي مست بها الكنيسة واتباعها خلال القرنين الماضيين. وعلى هذا الصعيد، أعلن مفتي القدس والديار المقدسة الشيخ عكرمة صبري أن الوفد الفلسطيني الذي سيكون في استقبال البابا داخل الحرم القدسي "لن يشمل شخصيات سياسية حتى لا يساء تفسيرها". وتشمل الهيئة الاسلامية العليا في عضويتها "شخصيات سياسية" مثل مسؤول ملف القدس فيصل الحسيني. ويسود الاسرائيليين انطباع بأن اسرائيل "لم تكن تملك خياراً" بشأن قبول الزيارة أو رفضها في هذه المرحلة من التاريخ، ولهذا ستبذل كل جهد لاستثمار هذه الزيارة "لمحو المعتقدات الخاطئة التي يحملها المسيحيون عن اليهود" كما اشار العديد من المعلقين الاسرائيليين في الايام الاخيرة. ولدى وصوله الى مطار بن غوريون في تل ابيب ا ف ب كرر البابا في كلمة امام الرئيس الاسرائيلي عازر ويزمان ما قاله اول من امس في الاردن: "نعي جميعاً الحاجة الملحة الى السلام والعدل ليس فقط لاسرائيل بل للمنطقة بأسرها". واضاف: "ليكن السلام هبة الله للارض التي اختارها"، مشيراً الى ان "الرأي العام العالمي يتتبع عن كثب عملية السلام التي تعني كل شعوب المنطقة، في البحث المضني عن سلام عادل ودائم للجميع". واعتبر البابا ان على المسيحيين واليهود ان "يجهدوا على الدوام لاظهار الوجه الحقيقي لليهود واليهودية وللمسيحيين والمسيحية على كل المستويات: التصرفات والتعليم والاتصال". وشدد على ان "رحلتي هي اشادة بتقاليد الديانات الثلاث التي تتعايش على هذه الارض". وتابع: "اطلب من الرب ان تساهم زيارتي في تعزيز الحوار بين الديانات الذي يدفع اليهود والمسيحيين والمسلمين الى ان يجدوا في ايمانهم الخاص ... الحوافز والمثابرة للعمل من اجل السلام والعدل اللذين لا تنعم بهما شعوب الارض المقدسة التي تطالب بهما بقوة". واشار الى ان "الكثير من الامور تغير في العلاقات بين الكرسي الرسولي ودولة اسرائيل منذ زيارة سلفه البابا بولس السادس في 1964"، مشدداً في هذا الاطار على ان "اقامة العلاقات الديبلوماسية بيننا في 1994 كرس الجهود الهادفة الى بدء حقبة الحوار حول مسائل ذات اهتمام مشترك تتعلق بالحرية الدينية والعلاقات بين الكنيسة والدولة وبشكل عام بين المسيحيين واليهود".