السياحة: نسبة إشغال الفنادق في الرياض تجاوزت 95% بالتزامن مع إجازة منتصف العام الدراسي    "دار وإعمار" تختتم مشاركتها في "سيتي سكيب جلوبال" بتوقيعها اتفاقياتٍ تمويليةٍ وسط إقبالٍ واسعٍ على جناحها    نمو سجلات الشركات 68% خلال 20 شهراً منذ سريان نظام الشركات الجديد    "ثبات للتطوير العقاري" تختتم مشاركتها الناجحة في "سيتي سكيب 2024" بتحقيق مبيعاتٍ نوعيةٍ وتوقيع اتفاقياتٍ مع بنوكٍ رائدة    عودة أكثر من ربع مليون طالب وطالبة في بدء الفصل الدراسي الثاني    وزير الرياضة يشهد ختام منافسات الجولة النهائية للجياد العربية (GCAT)    "المواصفات السعودية" تنظم غدًا المؤتمر الوطني التاسع للجودة    "الأرصاد"سماء صحو إلى غائمة على جازان وعسير والباحة ومكة والمدينة    المكسيكي «زوردو» يوحّد ألقاب الملاكمة للوزن الثقيل المتوسط لWBO وWBA    «الطاقة»: السعودية تؤكد دعمها لمستقبل «المستدامة»    نفاد تذاكر مواجهة إندونيسيا والسعودية    منتخب هولندا يهزم المجر برباعية ويلحق بالمتأهلين لدور الثمانية في دوري أمم أوروبا    شمال غزة يستقبل القوافل الإغاثية السعودية    اللجنة المشتركة تشيد بتقدم «فيلا الحجر» والشراكة مع جامعة «بانتيون سوربون»    اليوم بدء الفصل الدراسي الثاني.. على الطريق 3 إجازات    20,124 مخالفاً في 7 أيام وإحالة 13,354 إلى بعثاتهم الدبلوماسية    «إعلان جدة» لمقاومة الميكروبات: ترجمة الإرادة الدولية إلى خطوات قابلة للتنفيذ    5 فوائد صحية للزنجبيل    مهرجان الزهور أيقونة الجمال والبيئة في قلب القصيم    المتشدقون المتفيهقون    الإستشراق والنص الشرعي    بيني وبين زوجي قاب قوسين أو أدنى    أهم باب للسعادة والتوفيق    أغرب القوانين اليابانية    اختلاف التقييم في الأنظمة التعليمية    «مزحة برزحة».. هل تورط ترمب ب«إيلون ماسك» ؟    «واتساب»يتيح حفظ مسودات الرسائل    عروض ترفيهية    وزير الدفاع ونظيره البريطاني يستعرضان الشراكة الإستراتيجية    البيان المشترك الصادر عن الاجتماع الثاني للجنة الوزارية السعودية- الفرنسية بشأن العُلا    محافظ محايل يتفقد المستشفى العام بالمحافظة    14% نموا في أعداد الحاويات الصادرة بالموانئ    أشبال الأخضر يجتازون الكويت في البطولة العربية الثانية    إطلاق النسخة الرابعة من «تحدي الإلقاء للأطفال»    السخرية    المؤتمر العالمي الثالث للموهبة.. عقول مبدعة بلا حدود    ضمن منافسات الجولة ال11.. طرح تذاكر مباراة النصر والقادسية "دورياً"    منتخبنا فوق الجميع    أمن واستقرار المنطقة مرهون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة    اكتشاف تاريخ البراكين على القمر    الابتسام يتغلّب على النصر ويتصدّر دوري ممتاز الطائرة    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    رحلة قراءة خاصة براعي غنم 2/2    الحكمة السعودية الصينية تحول الصراع إلى سلام    حكم بسجن فتوح لاعب الزمالك عاما واحدا في قضية القتل الخطأ    ابنتي التي غيّبها الموت..    ألوان الأرصفة ودلالاتها    وطنٌ ينهمر فينا    المرتزق ليس له محل من الإعراب    خطيب المسجد الحرام: احذروا أن تقع ألسنتكم في القيل والقال    أمير تبوك يطمئن على صحة الضيوفي    ختام مسابقة القرآن والسنة في غانا    المؤتمر الوزاري لمقاومة مضادات الميكروبات يتعهد بتحقيق أهدافه    الزفير يكشف سرطان الرئة    أمير الباحة يكلف " العضيلة" محافظاً لمحافظة الحجرة    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رد على أربعة ردود: لا خيار إلا السلام بين سورية واسرائيل
نشر في الحياة يوم 21 - 03 - 2000

نشرت "الحياة" ردودا على مقالي المنشور في عددها في 9 شباط فبراير، لثلاثة من المثقفين السوريين المعروفين بالاضافة الى قارئ عربي لا أعرف جنسيته من مكة المكرمة. وأجدني مضطراً الى التعقيب على بعض الأفكار أو الملاحظات التي وردت في السجال. وبداية أنا سعيد لأنني استطعت تحريض ثلاثة من الكتّاب السوريين المعروفين، ومعهم قارئ من السعودية، على "الخروج من الشرنقة" على حد تعبير محمود سلامة" أي أن يتحدثوا في قضية السلام، وهذا ما قصدت اليه بالدرجة الأولى. والقاسم المشترك بين الردود الأربعة هو العداء الواضح للسلام العادل والشامل، بل لعملية المفاوضات برمتها. وساهم في ذلك حتى من أظهر نفسه بأنه يدافع عن الموقف الرسمي، وتحدث الينا بلغة فوقية وسلطوية، وأعني به السيد محمود سلامة.
أول الردود كان رد الشاعر عادل محمود. وهو يتذرع بداية بأن ادلاء المثقفين السوريين برأيهم بصراحة في موضوع السلام "سوف يزج بالعشرات في مأزق معروف"، وبالتالي فهو قد اعتبر دعوتي "غير بريئة"، كما اعتبر أن المثقف السوري لا يعرف شيئاً يسمى الرأي! واعتبر عادل محمود أن ذكري لكاتبين كمثالين على شجاعة ابداء الرأي حتى وإن كانا معارضين بقوة لعملية السلام، هو ضرب من الغش! وهو يبرر هذا "الغش" بأن عدد "الحياة" الذي كتب فيه إدوارد سعيد قد منع، وأن ميشيل كيلو كتب في "النهار" وهي ممنوعة أصلاً. وأقول للكاتب: صحيح أن العدد المذكور من "الحياة" قد منع وأن "النهار" ممنوعة من الدخول، لكن الصحيح أيضاً أن رسالتيهما قد وصلت، وإلا كيف تسنى لك أن تقرأهما؟! وأن تقرأ مقالتي في "الحياة" على رغم أن عدد 9 شباط قد منع بدوره؟! وكيف تسنى لي، أن أقرأ ردك وقد نشر في عدد ممنوع بدوره؟! الأفضل بدلاً من أن تتهمني بالغش أن تبحث عن أسباب المنع لدى العقل الرقابي السوري!
انصافاً للحقيقة أقول ان عددي "الحياة" المذكورين لم يمنعا بسبب مقالتي أو مقالتك بل لأسباب أخرى. وانصافاً للحقيقة أيضاً أن أحداً من سورية لم يرد على مقالة إدوارد سعيد ولم يتعرض أحد لميشيل كيلو بسبب مقالته في "النهار". وها أنت تقول ما تريد ايصاله للقارئ، وتقول الكثير بين السطور، ولعلك شجعت الآخرين على المساهمة في السجال، ولا أحسب أن أحداً سيعترض عليك.
يتهمني محمود بممالأة السلطة ويصف دعوتي المثقفين السوريين الى ابداء رأيهم بأنه ضرب من "الانتهازية". وأقول له: اذا كان من حقك أن تعارض عملية السلام فلماذا لا يكون من حقي أن أؤيد بقوة عملية السلام... السلام العادل والدائم؟! لعلك تعرف أو ينبغي أن تعرف أنني لم أمالئ السلطة يوما، ولست ممن يقفون بباب الحكام. وطوال عملي الوظيفي أكثر من ربع قرن لم أستفد يوماً من ايفاد، أو مهمة، أو منصب أو تعويض. وأنا لم أدع الى تأييد أو عدم تأييد موقف سورية الواضح من قضية السلام، بل طالبت بأن يدلي المثقفون السوريون برأيهم، سلباً أو ايجاباً، لأن هذا واجبهم أولاً، ولأن المواقف المعارضة تقوي موقف المفاوض السوري، ولا أجد عيباً في ذلك وهو يخوض معركة ليِّ ذراع، وترفع عن المثقفين السوريين صفة "صمت القبور". اذا كنت أدعو المثقفين الى ابداء رأيهم في قضية جوهرية تتعلق بمستقبلنا وأجيالنا فليس ذلك من باب "استخدام صوت المثقف في لحظة الاستحقاق والسياسة"، فالسلطة لديها أبواقها ولديها اعلامها، بل من باب حقنا في ممارسة حرية الرأي وواجبنا. ومن الخطأ أن نُعلّق سلبيتنا على مشجب السلطة. فهناك هامش من الحرية نستطيع أن نكتب من خلاله. فمن يتخذ مواقف سلبية ويلزم الصمت هو من يُغيّب نفسه. أيدت السلام يوم كان معظم المثقفين السوريين يعارضون السلام. أما المؤيدون القلة فلاذوا بصمت عجيب! ويعرف السيد محمود أن طردي من اتحاد الكتّاب لم يكن تمثيلية، ولم يكن الخلاف بيني وبين عقلة عرسان تراشقاً بالمدفعية المائية كما يقول، بل كان خلافاً في الرأي وصل حد التوجه الى القضاء عندما تجاوز الخلاف الى لغة الاتهامات. وكنت أربأ بك أن تستخدم عبارات من مثل ان الذين يؤيدون السلام "كومبارس للسياسي أو أصحاب مصالح مرجوة أو منتظرة" أو مثل "هل بدأ حجز المقاعد في الدرجة الأولى من القطار الثقافي أو الاداري أو السياسي؟". كان حرياً بك أن تسأل عني قبل أن تُرجف بما لا تعرف. وأطمئنك بأنني لا أطمع الى مكان في القطار حتى في "الترسو". أما المثقف الآخر سلامة فقد آثر لغة استعراض العضلات على لغة الحوار العقلاني. وآثر أن يحدثنا بلغة سلطوية وفوقية وكأنه يلقي علينا محاضرة.
كتب سلامة في رده في "الحياة" في الأول من آذار مارس الجاري: "... تنظر سورية الى المفاوضات والتسوية بوصفها فعلاً من أفعال السيادة، وبالتالي ليس من حق أحد على الاطلاق الزامها بتوقيع أي اتفاق ينتقص من مفهوم السيادة". هذا الكلام بديهي ومعروف، ولا يوجد في سورية من لا يؤيد ذلك، لكن الكاتب يضيف: "وانطلاقاً من ذلك فإن سقف ما يمكن أن يقدمه المفاوض السوري هو انهاء حالة الحرب فقط". هذا القول غير صحيح. انه اجتهاد من الكاتب لا يؤيده الواقع. فسورية واسرائيل تتفاوضان من أجل اتفاق سلام على طريقة المعاهدة المصرية - الاسرائيلية، أو المعاهدة الاردنية - الاسرائيلية وليس من أجل اتفاق انهاء حالة الحرب فقط. ويعرف الكاتب جيداً أن المفاوضين أمضوا وقتاً طويلاً جداً في دراسة الترتيبات الأمنية وقطعوا أشواطاً فيها. ويعرف الكاتب أنه في الدورة الأخيرة لمفاوضات شيباردزتاون تم الاتفاق بين الجانبين على تشكيل أربع لجان خاصة بالمياه، والأمن، ورسم الحدود، والتطبيع. وأحسب أن المفاوضات حول المياه سوف تكون حول مياه الجولان لا مياه المحيط الأطلسي، والترتيبات الأمنية ستكون على حدودنا وحدودهم وليس على حدود نيكاراغوا!
كنت أتمنى على الكاتب أن يكون أكثر واقعية وأقل عنجهية. فالحديث بلغة الستينات والتي أَوردَتنا المهالك لم يعد مقبولا، بل بات ممجوجا لا يسمعه أحد. لقد أساء الكاتب الى الموقف التفاوضي السوري من حيث أراد أن يعززه. فهو يقول: "والواجب الوطني يدفعنا للتعاطي مع قضية السلام كمن يتجرع كأساً من السم". وأسأله: من يجبرك على تجرع كأس السم؟ لمَ لا تجاهر برأيك وتقول إنك ترفض السلام لأنك لا تريد تجرعه؟ وأخيراً يرى الكاتب أنه كان يتوقع مني أن أدعو الى فرق عمل متخصصة لتساند موقف المفاوض السوري اعلامياً بحيث يكون قادراً على مواجهة الاعلام المضاد. ويضيف أنه كان حرياً بي أن أدعو الى حوار بين المثقفين السوريين بدلاً من الانخراط في حوار مع المثقفين الاسرائيليين. وأقول، وأنا لست ضد دعوته من حيث المبدأ، إن مخاطبة الاعلام المضاد لا تكون بلغة الستينات، ولا بالعنتريات، بل بلغة مطلع القرن الحادي والعشرين. لقد ذكرت مراراً أن الاعلام السوري الرتيب لا يستطيع أن يواكب الموقف التفاوضي السوري المتقدم. واذا كانت الدعوة الآن في سورية نحو الاصلاح فأتمنى أن يشمل ذلك، أول ما يشمل ،الاعلام. أما الدعوة الى الحوار فأحسب أن مقالي في "الحياة" كان دعوة اليه. وما سجالنا اليوم الا حوار كنت أتمنى أن يكون ضمن القواعد اللائقة لا بلغة الاتهامات. التفت الى القارئ الكريم الطاهر ابراهيم من مكة المكرمة وأقول إن معظم النقاط التي أثرتَها قد تناولتُها في ثنايا ردودي. فحول فكرة أن المواطن السوري لا يستطيع أن يعبر عن رأيه من خلال الاعلام الرسمي أقول انك تستطيع أن تعبر عن رأيك من خلال الاعلام العربي المنفتح. وها أنت قد فعلت في "الحياة". وأحسب أن "الحياة" أوسع انتشاراً بكثير من أية صحيفة سورية. فمن يريد أن يعبر عن رأيه لا يعدم الوسيلة. أما عن رأيي فقد سبق لي أن عبرت عنه بصراحة، وسأكون صريحاً أكثر فأقول إن السلام في الظروف الراهنة لا يمكن أن يتم الا تحت المظلة الاميركية. فالولايات المتحدة القوة الوحيدة القادرة على اقناع اسرائيل بان المصالح الاميركية ومصالح اسرائيل نفسها تقتضي استكمال عملية السلام. وبصراحة أكثر، السياسي يفكر بمنطق واقعي وعملي لا بلغة المشاعر، حتى وإن كانت مشاعر وطنية صادقة، كما تفعل أنت. وها أنت تفيض بك المشاعر وتتساءل: "وهل الدول العربية تعتبر مُزاوِدة اذا نادت بتحرير الأرض بالحرب اذا لم يتسن ذلك بالمفاوضات؟". وأقول لك: نعم مزاودة! ولا يوجد بلد عربي واحد يريد أو يمكن أن يحارب. الحرب لا تعني، إلا مزيداً من الكوارث والهزائم. تعني تدمير بلادنا على طريقة صدام. نعم السلام خيارنا الاستراتيجي، وأنا لا أقول ذلك من منطلق المصلحة العليا للبلاد فحسب، بل من احساسي بنبض الشارع ايضاً. فالشارع يتطلع بمزيج من التفاؤل والأمل الى مزيد من الانفتاح الاقتصادي والسياسي والاعلامي، والى مزيد من فرص العمل ووسائل العيش الكريم. أما عن "صراع الوجود لا صراع الحدود"، وعن شعار "التوازن الاستراتيجي"، فأقول وأعرف أن كلامي قد لا يروق للحالمين، إن الطرح الأول كان شعار الستينات والسبعينات، وأما الثاني فكان شعار الثمانينات. ومنذ مدريد 1991 سقط الشعاران وأصبح هناك مرجعية واحدة باتت تعرف بمرجعية مدريد وهي القراران 242 و338 الصادران عن الأمم المتحدة، وكذلك مبدأ: "الأرض مقابل السلام". فمنذ طرح السيء الذكر أحمد سعيد شعار "أمجاد يا عرب أمجاد" في بداية الستينات، ونحن لا نعرف الا الهزائم! أما آن الأوان يا صاحبي أن نفكر بطريقة واقعية في بداية القرن الحادي والعشرين؟!
أخيراً يأتي دور - حسب ترتيب الردود - الأديب والشاعر ممدوح عدوان "الحياة" 2 الجاري. ويتساءل الكاتب بداية "واذا كان لا يستطيع ان ينشر أو لم يحاول أن ينشر لأنه يعرف أنه لا يستطيع ذلك وهو يقصدني بالطبع، في الصحافة السورية فلا أدري كيف يتوقع النشر أولئك الذين يعترضون على مسيرة السلام من جذورها؟". وأقول اذا كان ممدوح مصيباً في القسم الأول من سؤاله فإنه وصل في استنتاجه الى نتيجة مغلوطة. فها هو يجد مجالاً رحباً في "الحياة" هو وغيره من أصحاب الردود، مع أنه يعترض على مسيرة السلام من جذورها كما يقول. وأنوّه بأنني لم أعتبر صمت المثقفين السوريين قبولاً، بل اعتبرته تقاعساً، وان ابداء الرأي، سلباً أو ايجاباً، يقوي موقف المفاوض السوري، أو ينفي عنا صفة عدم وجود رأي عام عندنا. ويتضح من خلال الردود التي نشرت ان غالبيتهم هم في الجانب المعارض. ولا صحة للقول إن الكاتب المعارض لا يجد منابر لابداء رأيه. فالمثقف الواعي الذي يحترم قلمه يستطيع أن يفرض نفسه على المنابر لا أن يستجديها. وهو بذلك يكتسب مصداقية أكبر. وأقول لعدوان: لا أنا ولا أنت ننتظر حتى يُؤخذ رأينا، أو يُطلب منا ابداء الرأي الذي هو من واجب المثقف قل كلمتك وامش من دون أن ينتظر طلباً من أحد. وأنت كمعارض شريف تستطيع أن تجد أكثر من منبر خارجي - وأنت اعترفت بذلك - وتعرف أن رسالتك ستصل الى الداخل والخارج.
أما عن رأيك في الاعلام السوري فأنا أوافقك الى حد كبير. وقد سبق لي أن انتقدت العقلية التي يدار بها الاعلام عندنا، وهو ما تعرضت له في مقالي في "النهار" قبل بضعة شهور تحت عنوان "الود المفقود بين الاعلام السوري والشفافية". كما قلت في سياق هذا الرد إن العقل الرقابي السوري قاصر. انه يتجرأ على الكلمة المكتوبة بالمصادرة والحذف في حين أن هذه الكلمة تصل الينا عبر الأثير والتلفزة، وكلاهما أوسع انتشاراً، أو عبر الانترنت أو الفاكس لمن يريد أن يحصل عليها. يقول ممدوح: "ومشكلة المثقف السوري... أنه اذا قال رأياً متفقاً مع السلطة فهو انتهازي ورخيص، وإن غامر وأعلن اعتراضه فهو مزايد وغوغائي". ولعل ممدوح قد أدرك انني وقعت في هذه المشكلة فعلاً حين يستعرض رد كل من عادل محمود ومحمود سلامة. فكلمة الحق، في ما يبدو، لا ترضي البائع ولا الشاري!
نصل أخيراً مع ممدوح الى بيت القصيد. فهو يقول: "أنا أفهم السلام لكنني ضد التطبيع. وهذا ليس فقط لأنني لا أريد أن أتعامل مع العدو التاريخي لكي نواجه عصراً جديداً، بل لأنني لا أعرف كيف أتعامل مع هذا العدو، فأنا لا أعرف كيف أتعامل مع القتلة". ويتابع بحماسة: "ان أية محاولة للتفاهم مع الأعداء تنطوي على نسيان دمي، وعلى منح الشرعية لكل القتل الذي مورس ضد شعبي طوال هذا القرن الذي مضى". ويتماهى عدوان في حماسته العاطفية فيقول: "أنا لا أصافح من لا يزال دمي على يديه حتى لو استعدت أرضي منه". ويتابع "ليست مشكلتي الأرض. أنا مشكلتي الحق... فلذلك أصر على أن فلسطين عربية... وفلسطين هي الحلم العربي الذي لا أريد ولا يحق التنازل عنه... وقد أُعلن في لحظة شجاعة شعرية ان من يفرط فيها أي فلسطين هو خائن للحلم العربي وللشرف الانساني". وأعترف بأنني لا أستطيع أن أجاريه في وجدانيته، حتى وإن كنت أتعاطف معه بالمشاعر. لكنه يتحدث بلغة العاطفة والشاعر. وأنا ككاتب سياسي لا أستطيع أن أفكر بهذه الطريقة لأنها لا تجدي. انها تدغدغ الأحلام وتجعلنا أمة تعيش في أحلامها، ومنها "الحلم العربي" الذي لم يتحقق! أنا كاتب عملي وأول قاعدة تعلمتها: "فكّر بعقل بارد وقلب حار". وعندما أفكر بعقل بارد فهذا لا يلغي عواطفي الشخصية أو وجداني، لكني أتعامل مع السياسة، والسياسة فن الممكن، فن "البراغماتية" وهي لا تعني النفعية أو الذرائعية كما ترجمت خطأ الى العربية، أي فن التحرك ضمن الامكانات المتاحة وتحقيق ما يمكن تحقيقه. والامكانات المتاحة تعني أمورا عدة: موازين قوى، الاستفادة من ظروف متوفرة، حشد قوى صديقة أو متعاطفة، وأخيراً صلابة الموقف التفاوضي. وهذه العوامل يضعها المفاوض السوري جيداً في اعتباره ويتحرك في اطارها. وأرجو ألا يُفهم كلامي ممالأة اذا قلت: ان المفاوض السوري لم يفرط، وهو يجيد اللعبة التفاوضية. أما عن الأحقاد التاريخية فستتراجع تدريجاً مع الزمن خصوصاً اذا التزمت اسرائيل شروط السلام. لقد غزت المانيا فرنسا مرتين وقتلت وذبحت، ثم هُزمت. اليوم فرنسا وألمانيا حليفتان. قد نقول ليس لفرنسا أرض محتلة. حسناً لكن البلدين نسيا أحقادهما. ومثل آخر: اليابان. لم يتعرض بلد في العالم لمثل ما تعرض له. مدينتان كبيرتان أزيلتا، والقتلى بمئات الألوف. وفي كل عام يحتفل اليابانيون بتلك الذكرى المؤلمة. ولا تزال القوات الاميركية مرابطة في قواعد يابانية بالاستئجار. اليوم البلدان حليفان. لماذا؟! لأن القيادة السياسية في اليابان تعاطت مع السياسة لا مع العواطف. تركت العواطف للشعراء وراحت تتسلق معارج التقدم حتى غزت أسواق أميركا بقوة، بل العالم.
الأحقاد سوف تتراجع مع الزمن. فابنك ليس في مثل حماستك.. فهو لم يشهد النكبة ولا هزيمة حزيران يونيو. وحفيدك سيكون أقل حماسة من كليكما. انه منطق الزمن. لا يوجد في لغة الواقع والسياسة ما يسمى أحقاد دائمة، كما لا توجد عداءات أو صداقات دائمة، ولكن مصالح دائمة. أعرف أن كلامي قد لا يروق للكثيرين، بل ربما صدمهم. لكن صدمة الحقيقة أفضل من الاستغراق في حلم جميل كاذب. نعم لا يمكن أن ننسى، أو جيلنا على الأقل. ولكن لا يمكن أن نحارب الى الأبد من يتفوقون علينا ويساندهم الغرب كله. ان رغبتي في السلام نابعة أولاً من ايقاف حمامات الدم. فنحن الذين نُضرب ونُقتل ونُهزم ونُذلّ يومياً. ها هو لبنان يُضرب كل يوم وتُدمر بناه التحتية ومدنه وقراه. ماذا قدم له العرب غير بعض الدراهم والمراهم، وبعض الكلام؟! اذا كان السلام غير المتكافئ، كما يحلو لبعضهم أن يسميه، يوقف هذا الاذلال اليومي، يوقف العربدة الاسرائيلية فيكفي. وبدل أن نجد قوانا المشتتة في معارك خاسرة لنلتفت الى الداخل: الى معركة الاصلاح السياسي والاقتصادي. الى محاربة الفساد والمفسدين. الى معركة التحديث ومواكبة التقدم. فالعرب لن ينتظرونا طويلاً. ها هم يهرولون هنا وهناك. ان السلام يفرضه المنطق الواقعي مهما كان هذا الواقع مراً. وأقول أخيراً انه على رغم فجوة الخلاف الواسعة بيني وبين ممدوح، وعلى رغم جموحه العاطفي، فانني أفهم مشاعره وأقدرها. واعترف بأنني كدت استنكف عن الرد على الكاتبين الأولين بسبب بؤس لغة الحوار لديهما. الا أن رد ممدوح شجعني على أن أرد على الجميع. لقد سبق لي وله أن تناظرنا على صفحات مجلة "المجلة". وكان لكل منا موقف مختلف، ولكن ظل الاحترام قائماً. أقول لمن دعا الى حوار المثقفين السوريين أولاً: حسناً لنتحاور ولكن على طريقة الطرشان، لا على طريقة "الاتجاه المعاكس" الذي يمثل بؤس الحوار العربي.
* كاتب فلسطيني مقيم في دمشق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.