بعد غياب أكثر من 100 يوم شهدت ملاعب تونس أمس عودة منافسات الدوري في اول موسم في عهد الاحتراف وذلك بعدما خاض المنتخب كأس افريقيا وحل رابعاً. والواقع ان أحداً لا يستطيع ان يعرف بدقة متى بدأ هذا الدوري ومتى يتوقف وما هي اسباب ذلك؟ وربما يعرف بعض الراسخين في اتحاد الكرة وحدهم. والمهم ان الجميع يتفقون على أن هذه العودة ذا طبيعة اجرائية تنظيمية فقط باعتبار ان الحياة غادرت ملاعب تونس بعدما هجرت الجماهير مدرجاتها، وان لذة اللعب ونكهة المنافسة فقدتا من سمائها بعد سيطرة شبه تامة لثنائي الاحتراف الترجي التونسي والنجم الساحلي. هذا الدوري المحترف، كان استثنائيا بكل معنى الكلمة. فبعد بداية مشجعة في نهاية اغسطس الماضي توقف ليفسح المجال للاندية الكبرى الترجي والافريقي والصفاقسي والساحلي لخوض النهائيات الافريقية، وبعد شهرين من البطالة عاد التوانسة بقيادة النجم الساحلي بكأس الاتحاد الافريقي اليتيمة، ثم توقف الدوري في محطة كأس امم افريقيا وعودة بمرتبة رابعة لا تعني تقريباً اي شيء في زمن الاحتراف والعولمة حيث لا امتياز الا للفائز، لتطرح الاسئلة: هل ان هذه المشاركات تعنى بالضرورة توقف الآلة المحلية عن العمل؟ ثم ما هي مبررات هذا التوقف المتواصل مقارنة بما يحدث في الأندية والمنتخبات العربية والأوروبية والتي تلعب على اكثر من واجهة ويستمر فيها عطاء الدوري المحلي الذي يعتبر صورتها نحو العالم ومحورها الداخلي ومغذيها لكسب الالقاب والتتويجات؟ ويبدو ان الخاسر الوحيد في هذه الآلية التونسية الفريدة هي جماهير الكرة التي حرمت من المتعة يوم الاحد، والمسؤولين على موازنات الاندية الذين سيعلنون "افلاسهم" قريباً بغياب الايرادات وكذلك المشرفين على "الرهان الرياضي" حيث ولى زمن المليون دينار من الارباح في نهاية كل اسبوع. وبين توقف وعودة مرت مياه كثيرة في حياة الاندية. فاذا كان الترجي التونسي والنجم الساحلي اللذين يمثلان العمود الفقري لمنتخب تونس بتواجد 80$ من رصيده البشري من هذا الثنائي لم يعرفا الراحة، فإن اندية النادي الافريقي والصفاقسي والبنزرتي، الكبيرة بدورها، استغلت هذا الراحة المطلوة لاعادة ترتيب البيت. فقد دقت الهزيمة التاريخية للافريقي بخماسية امام الترجي التونسي في 18 كانون الاول ديسمبر الاجراس لدى العائلة الافريقية لتبدأ مرحلة صعبة ومهمة في تاريخ النادي الثاني في تونس، وعصفت هذه الهزيمة ببارقة الامل الاخيرة لدى جماهيره واعقبتها رحيل المدرب فوزي البنزرتي ونهاية مرحلة العائلات في حياة النادي بمغادرة آخر العنقود لعائلة الرويسي فوزي نحو نادي "فورت" الالماني من الدرجة الثانية وبالتالي نهاية سيطرة آل الرويسي والسليمي على مقدرات باب الجديد. وبعد تسلم طوني بيتشنيك الادارة الفنية، أقدم على مغامرة حقيقية لانقاذ سمعة وتاريخ ناد عريق، وبدأ رحلة صعبة من الإعداد النفسي والبدني وإيجاد جيل جديد لرد الاعتبار لعل من أبرزهم الحارس خالد فاضل والشاب كريم السديري، المهندس الجديد للعبة الافارقة. وعقدت هيئة حكماء الافريقي والمتكونة من العائلات الكبرى في تونس المحبة لباب الجديد أمثال بوصبيع والمستيري وبن عمار وعباس بالاضافة الى الرئيس الشريف بالأمين لقاءات مطولة عدة، لم تعرفها منذ عهد طويل، اسفرت عن إيمانها ببداية الانفصال التدريجي بين "العائلة" و"المؤسسة" حين أسندت المهام الحيوية في النادي الى جيل الشباب من رجال الأعمال وكبار المسؤولين في الادارة التونسية لقيادة النادي في عهد الاحتراف واعلنت عن افتتاح "مركز متكامل وحديث لتكوين اليافعين" وسلمت ادارة نزل النادي من فئة 5 نجوم لشركة عالمية متخصصة لتبدأ بذلك أولى بشائر عهد جديد في النادي، يقطع مع العائلات لاعبين ومسؤولين، ولتفتح باب الجديد على أبواب الاحتراف. وإن استفاد الافارقة من اخطائهم، فإن الصفاقسية لا يزالون مصرين على عادات قديمة من زمن الهواية... فإذا كان المدرب الشاب خالد بن يحيى يقوم بعمل جدي ذا نسق تصاعدي وراهن على الشبيبة الجديدة امثال انيس بوجلبان وكريم دلهوم وزياد التريكي واشرف بن جديدة، فإن ديناصورات صفاقس من رؤساء النادي السابقين مصرين على قتل هذا التوجه في المهد رافعين راية اسكندر السويح العاطل عن العمل كقميص عثمان ومستغلين نفوذهم المالي والمعنوي لايقاف هذا النفس التجديدي والالتحاق بقطار الاحتراف. واثر بدايته المتعثرة في أول الموسم، حاول النادي البنزرتي وصيف بطل الدوري الماضي، ملاحقة الزمن عبر مشاركته في كأس الرابطة وهي كأس مستحدثة تعويضية في غياب الدوري. واذ تمكن المدرب عمر الذيب من اعادة النادي الى محيطه الجغرافي عبر سلسلة من المباريات المهمة مع أندية المحافظة ما سيدعم الرصيد البشري والجماهيري لنادي مدينة الجلاء، فإن "بيع" محمد الضوافي أبرز لاعب في بنزرت حالياً الى الترجي التونسي بدعوى تنمية الايرادات يعيدنا الى نقطة بداية من حيث سيطرة الاستقطاب الثنائي، حيث هناك في تونس الترجي التونسي والنجم الساحلي ثم البقية وبينهما المسافة الفاصلة بين الهواية والاحتراف