يتبارى الافريقي التونسي والمصري البورسعيدي الأحد المقبل في نطاق الترشح لنهائي كأس الاندية الافريقية ابطال الكؤوس في كرة القدم. والمباراة لن تكون مجرد صفحة أخرى في سجال التنافس التونسي - المصري على عرش القارة، لأن رهاناتها تخضع أساساً لمعطيات محلية. فهزيمة الافريقي تعني بالضرورة مغادرته الموسم بلا حمص، اي من دون أي لقب محلي أو قاري، ما يفتح الباب نحو أزمة خطيرة ستطيح برؤوس عدة وتخلف فراغات، بداية من المدرب ووصولاً إلى سدة الرئاسة، وبينهما خيبة أمل جديدة ومرارة في طعم العلقم لجماهير عانت الويلات منذ موسمين. وقد أسهم انسحاب النادي الصفاقسي من سباق كأس الاتحاد الافريقي، التي فاز بها في الموسم الماضي، في ابعاد مدربه البرازيلي دوس سانتوس سليفا وحل محله المدرب الشاب خالد بن يحيى، ومع ذلك فإن نتائج الموسم في الدوري الحالي التي اسفرت عن مغادرته السباق باكراً إعادت لاعبه اسكندر السويح إلى حجمه الطبيعي. هو لاعب مبدع وفنان، لكنه ليس فوق الجميع... ومنذ تعيين بن يحيى مدرباً لم يلعب اسكندر أي مباراة كاملة، بل ان رئيس النادي فتح النار عليه قائلاً: "لم يعد لنا لاعب اسمه السويح في كفة وبقية اللاعبين في كفة"! ويبدو ان إقالة المدرب وتحجيم دورالسويح وبقية "عصابة الأربعة"، كما يقال في صفاقس، وهم السويح والطرابلسي والفقي والحارس البدوي، لم تقنع أحباء النادي ففُتح حوار عريض في الصحافة المحلية يدعو إلى تغيير رأس الهرم، رئيس النادي لطفي عبدالناظر، وهو رجل أعمال معروف. ويطرح تساؤلان مهمان: هل أن تسيير مجموعة اقتصادية استثمارية ناجحة محلياً وخارجياً، يعني بالضرورة النجاح في تسيير نادٍ لكرة القدم يمتد تاريخه لأكثر من سبعين سنة؟وكيف يمكن لرئيس نادٍ لم يلعب الكرة يوماً في شبابه ان يترأس نادي عاصمة تونس الاقتصادية؟ والحقيقة ان هذه الأزمة التي يعرفها الناديان الافريقي والصفاقسي تدفع الى أسئلة أخرى حارقة، ولن تكون اجوبتها في مستوى سهولة العموميات. فالنادي الافريقي، الذي يحتفل هذا العام بعيده الثمانين، يعتبر أحد أعمدة كرة القدم التونسية، وأنجب لاعبين أفذاذاً امثال عتوقة حارس القرن في تونس والطاهر الشايبي وغميض، وأحرز كؤوساً عدة من بطولات محلية وعربية وقارية، لذلك يتغنى أحبائه به ويهتفون: "الافريقي يا مدرسة لعب وفن وهندسة". والنادي التونسي، الذي تأسس منذ 1928 ثم عُرف بالنادي الصفاقسي في ما بعد، يعتبر كذلك مدرسة في اللعب الاستعراضي والأخلاق الرياضية، ومن صفاقسي نبع حمادي العقربي وذويب واسكندر السويح آخر العنقود... لكن الزمن تغير وأصبح مبدأ الواقعية يعمل غير عابيء بثقل التاريخ. ويبدو ان هذ المبدأ هو أحد الأسباب الرئيسية في أزمة الناديين. فالترجي التونسي فهم تغييرات الواقع منذ بداية التسعينات وأقدم على جملة من الاجراءات سمحت له بإنجاز المطلوب ما بين مرحلة الهواية ومتطلبات الاحتراف عبر مركب رياضي وفندقي وخدماتي من أرقى طراز، وإدارة عصرية تفهم لغة العصر من الحاسوب إلى الهاتف النقال لكل لاعب إلى رئيس للنادي يعرف من أين "تؤكل الكتف"، كما وصفه اسطورة كرة القدم التونسية طارق ذياب، يفرض الاحترام والانضباط ويطمح إلى العالمية عبر شبكة علاقات واسعة قارياً وعربياً، في حين ان نادي مدينة صفاقس، وهي المركز المالي والاقتصادي لتونس، لم يملك بعد مركباً لائقاً في الألفية المقبلة، والنادي الافريقي الذي تخرج منه الأبطال لم يفتتح بعد نادي اليافعين، في حين ان الترجي دخل في دورات جديدة لليافعين، بل بدأ في عملية "تصديرهم". وإذا كان ما تقدم يعبر عن الوجه الهيكلي للأزمة، فإن جوانبها تتجاوزه إلى طريقة لعب الناديين ومخزونهما الاستراتيجي من اللاعبين. فالصفاقسي لا يزال مفتوناً بأدائه المفتوح ولعبه الاستعراضي الفرجوي الباحث عن نشوة الجماهير في عصر الاحتراف والنجاعة... ويبدو ان المدرب بن يحيى فهم جيداً هذه الاشكالية وبدأ معه مسيرة الألف يوم من أجل اللعب والنجاعة وروح الانتصار. أما النادي الافريقي، فإن أزمته على الميدان تكمن في تركة عصر الهواية واعتماده على توازنات عائلية في لاعبيه أكثر من الكفاءة. فمنذ عادل السليمي واخوته وفوزي الرويسي وأشقائه لم يستطع الافريقي التخلص من توازنات "العائلة" ليصنع نادياً محترفاً البقاء فيه للأفضل، بل أن "الأزمة" الرئاسية فيه تستمد جذورها من غياب رئيس خارج العائلة.... عائلات تونس "العريقة" أمثال الأصرم والمستيري وعباس والحرش الحالي السيد بالامين... في حين ان الصفاقسي ومنذ عبدالعزيز بن عبدالله الذي عرف كيف يجمع بين فهم لعبة المال وكرة القدم، فإن التوازن المطلوب فُقد في رئاستي جمال العارم، وأخيراً لطفي عبدالناظر. ولإن فهم الترجي التونسي طبيعة مرحلة الاحتراف في جميع أوجهها تقريباً، فإن النجم الساحلي امتلك المقومات الأساسية لنجاحها عبر فرض الانضباط ودعو عقلية الاحتراف لدى اللاعبين، وعبر رئيسه عثمان جنيح الذي يمتلك رصيداً محترماً كلاعب في النادي ومنتخب تونس سابقاً، وكذلك الموارد المالية الكافية. والأهم من ذلك أصر على عملية الاصلاح، ولم يتأثر بعواطف الجماهير، وتحمل سخطها، وقدر قيمة الزمن في تحقيق التحولات، وبدأ يكسب الرهان بموقعه المتميز اليوم في الدوري ورهاناته القارية ومخزونه البشري المهم، في حين ان الصفاقسي والافريقي، لم يعدلا بعد ساعتيهما، والاحتراف لا يرحم المتأخرين.