اقالت رئاسة النادي الافريقي الطاقم الفني الذي يضم المدرب فوزي البنزرتي ومساعده الطويهري، وعرضت اللاعبين محرز بن علي ونبيل الكوكي ونجم الفريق والابن المدلل فوزي الرويسي "للبيع" لاي جهة تدفع الثمن المناسب. وجاءت هذه السلسلة من القرارات عشية "الهزيمة النكراء" لأبناء باب الجديد امام منافسهم التقليدي الترجي التونسي برباعية نظيفة، وبعد اسبوعين من فشل النادي في نهائي كأس الكؤوس الافريقية على ارضه امام افريكا سبور العاجي. هذه الاجراءات التأديبية كانت منتظرة، بعد الأداء الهزيل لنادي تونس الثاني وفشله على جميع الواجهات محلياً وعربياً وافريقياً. وهذا الفشل لم يتمظهر في نتائج كرة القدم فحسب بل تجاوزه ليشمل انشطة النادي الاخرى في كرتي اليد والطائرة، حيث كان النادي منافساً تقليدياً على القابهما، ليبحث اليوم على مراكز تحفظ ماء الوجه. ولفهم طبيعة هذه الاجراءات الشاملة والسريعة في توقيتها، وجب التذكير بأن طبيعة الرهانات في كرة القدم التونسية، مهما حاولت التطلع الى آفاق واسعة عربياً وقارياً، تبقى في محورها محلية. فهزيمة للافريقي امام الترجي، هي بمثابة خسارة بطولة الدوري او كأس رئيس الجمهورية، بل هي أدهى وأمرّ، وتصبح المصيبة مضاعفة لو تمثلت في رباعية نظيفة. ففي المخيلة الشعبية الرياضية فان تمرير كرة بين ارجل لاعب مشهور او ما يصطلح عليه في تونس "بالعظمة" هي فضيحة في حجم الهزيمة للنادي، وخسارة برباعية من دون هدف الشرف ترتقي الى مصاف النكسة التي لا يمكن نسيانها بسهولة، بل تصبح محفورة في اذهان الجماهير، وتذكر بها احباء المنافس في كل مناسبة امعاناً في "تقزيمه". ويعتقد بعض "عقلاء" النادي بأن هذه الاجراءات وإن احدثت "الرّجّة" النفسية المطلوبة داخل اوساط جماهير الافريقي المحبطة، فإنها لا تعدو ان تكون احد الادوات الموروثة من دوري الهواية ولا ترتقي الى آليات الاحتراف، بل انهم يذهبون الى اكثر من ذلك معتبرين ان الرئاسة التي كانت مستهدفة في رأسها اثر مباراة "الدربي" قامت بهذه الاجراءات حفاظاً على بقائها في رأس الهرم لا اكثر ولا اقل. ويقدم هؤلاء نموذجين في ادارة الازمة داخل الاندية التونسية، وقد تمت بهدوء ومن دون تسرع وبأقل الخسائر: فالترجي التونسي وبالرغم من خسارته تاج كأس ابطال افريقيا، حرص رئيسه سليم شيبوب على الاحاطة النفسية باللاعبين، مذكراً بعراقة النادي وامجاده، وان الهزيمة والانتصار هما وجها العملة في كرة القدم، واقدم على تحوير جزئي بفصله نهائياً اللاعب النيجيري اديث اغواييه، وبدأ في دعم رصيده البشري بانتدابه لاعباً شاباً من النادي البنزرتي هو محمد الضوافي، وتم كل ذلك في هدوء وبعيداً عن الضجة وجلد الذات. ولعل المثال الاكثر اثارة للاعجاب، هو ما اقدمت عليه رئاسة النجم الساحلي من عملية تحديث بهدوء ولياقة وكذلك بإيرادات مالية معتبرة. فإثر النتائج السلبية للنادي في الموسم الماضي، اصر رئيس النادي السيد عثمان جنيح ان يبقي على المدرب الفرنسي فرنانديز الى نهاية الدوري، قائلاً: "لا للاقالة تحت الضغط"، وفي الوقت ذاته وبحرص وعناية كبيرين دفع "ديناصورات" النادي امثال رياض الجلاصي ومنير بوقديدة الى الاحتراف في النادي الافريقي ونادي مانهايم الالماني على التوالي، وفرط في فاروق الطرابلسي وعماد بن يونس للافريقي والنادي الصفاقسي، وانتدب مقابل ذلك كل من اللاعب الليبي طارق التايب وخيرة شبان تونس امثال زياد الجزيري ورضا الهمامي بالاضافة الى الرصيد البشري لابناء النجم الساحلي، ثم في نهاية المطاف الذي تواصل اكثر من سنة انتدب اطاراً فنياً جديداً تمثل في لطفي البنزرتي، ليكون النجم الساحلي النادي الأكثر إحترافاً بعد الترجي ويحتل وصافة الدوري وتوج بكأس الاتحاد الافريقي. ولعل المقارنة بين ادارة الازمة في الاندية التونسية تبرز بوضوح الفارق بين العمل المبني على استشراف المستقبل والنظرة الآنية التي وإن تحدث الرّجّة فإنها تطيل في عمر الازمة فقط وتحيلها الى الالفية القادمة.