اذا كانت كرة القدم هي اللعبة الشعبية الاولى في البرتغال، فإن رياضة السيارات وتحديداً الراليات تأتي في المرتبة الثانية في لائحة اهتمام البرتغاليين الرياضية. ويمثل رالي البرتغال الدولي، الذي يعد واحداً من اكثر جولات بطولة العالم صعوبة وتعقيداً واثارة، محطة رئيسية في اجندة ابناء هذا البلد الاوروبي الصغير. والدليل ان قرية "بالتار" التي تبعد نحو 35 كيلومتراً عن بورتو والبالغ عدد سكانها نحو 40 الف نسمة، خرجت عن بكرة ابيها لتتابع احداث المرحلة الافتتاحية الاستعراضية الخاصة بالنسخة الثالثة والثلاثين من هذا الرالي العتيد. المشهد كان مهيباً، ولم يكن هناك موضع لقدم حول الحلبة التي اجريت عليها هذه المرحلة، وبحّت اصوات الحضور تشجيعاً على طريقة ملاعب كرة القدم تماماً حيث تعالت الصيحات والآهات مع كل "حركة" رالية حلوة. اكثر من 100 متسابق "استعرضوا" امام هذا الحشد الجماهيري الكبير، كان من بينهم عربي واحد هو عبدالله باخشب سائق مارلبورو ضمن فريق تويوتا السعودي. وقرر باخشب 31 عاماً المشاركة في رالي البرتغال، الجولة الرابعة من بطولة العالم، للمرة الثالثة على التوالي على سبيل التحدي بعدما لازمه سوء الحظ وعدم التوفيق في المرتين السابقتين. لكن الرياح لم تأت بما يشتهيه باخشب ومحبوه وأصر "النحس" على ملازمته في هذا العام ايضاً فانحرفت سيارته عن المسار الصعب وخرج من المرحلة الثانية. واختار السائق السعودي 7 جولات للمشاركة فيها ضمن مسابقة كأس الفرق هي السويد حل ثانياً وحصل على 6 نقاط، والبرتغالواسبانيا واليونان وفنلندا والصين وايطاليا. ومسيرة باخشب مع الراليات فيها الحلو وفيها المر، وغلب على بعض فواصلها الابداع وسيطر على البعض الآخر الروتين وعدم التوفيق: "مسيرتي بدأت تحديداً عام 1991، وشهدت فواصل كثيرة ومتنوعة. حققت انجازات كبيرة في اوقات كثيرة، واصبت بخيبة الامل في اوقات اخرى. الجيد ان الانجازات تظل محفورة في سجلات التاريخ والذاكرة، والخيبات سرعان ما يمحوها الزمن… والذكريات الجيدة يحلو للمرء تجسيدها من جديد الى ان تأتي ذكريات احلى لتحل محلها". البداية والمسيرة ولنسترجع معاً شريط الذاكرة مع باخشب… عشق البطل السعودي رياضة السيارات واقتنص فرصته من بين مجموعة من الشباب السعودي شاركوا في مدرسة مارلبورو للهواة في جدة عام 1990، فلفت الانظاروبهر المشرفين على هذه المدرسة، فتوقعوا له مستقبلاً لامعاً: "استفدت كثيراً من انضمامي الى هذه المدرسة فهي كانت المنبر الذي انطلقت منه، وهي لا تزال تنظم دورات سنوية وينطلق منها ابطال جدد نحو مشاركات شرق اوسطية وعالمية". بدايته الحقيقية مع المنافسات كانت في عام 1992 بعدما انضم اليه الملاح الايرلندي بوبي ويليس وتحديداً في رالي قطر الدولي، بيد ان اول فوز له تحقق في رالي دبي من العام ذاته ضمن الفئة "ن". وكان باخشب على موعد مع الالقاب الكبرى في عام 1993 حيث حصد باكورة القابه من هذا النوع عندما فاز ببطولة الشرق الاوسط ضمن الفئة"ن" مؤكداً جدارته، ثم دافع سائق مارلبورو عن لقبه في عام 1994 بعد ان فاز في قطر والاردن وعمان ودبي. وفي عام 1995، ارتقى باخشب الى الفئة "أ" وتأقلم سريعاً مع سيارته الجديدة وأحرز لقب الشرق الاوسط في اول مشاركة له ضمن هذه الفئة مؤكداً انه من طينة الابطال النادرين. ومع انجازاته المستمرة، قدمت مجموعة عبداللطيف جميل الوكيل الحصري لسيارات تويوتا في السعودية دعمها لباخشب، فكان الامر بمثابة نقطة تحول بارزة في مسيرته. ولم تقف طموحات باخشب عند حدود بطولة الشرق الاوسط، بل تخطتها الى المشاركة في بطولة العالم. وخاض مسابقة كأس الاتحاد الدولي للفرق التي نظمت للمرة الاولى عام 1998 ضمن فريق تويوتا السعودي على متن سيارة من طراز "تويوتا سيليكا جي تي 4"، وكان عند حسن ظن الجميع حيث حقق فوزه العالمي الاول في رالي كورسيكا ثم حل ثانياً في فنلندا قبل ان يفوز مجدداً في استرالياوبريطانيا منهياً تجربته الاولى عالمياً في المركز الثاني. وواصل باخشب تألقه في بطولة العالم 99 على متن سيارة من طراز "تويوتا كورولا WRC"، فحل ثانياً في اليونان وسان ريمو وثالثاً في اسبانيا وانهى البطولة في المركز الخامس. وفي هذا العام، شارك باخشب في رالي السويد الشهر الماضي. وعلى رغم ان السباق اقيم على طرقات مغطاة بالجليد بيد انه حافظ على ثبات ادائه منذ لحظة الانطلاق الى المرحلة الاخيرة وحل ثانياً. آراء رأى باخشب ان افضل السائقين الذين عرفهم العالم كان البرازيلي ايرتون سينا سائق سيارات فورمولا واحد السابق، وانه من الصعب ان يصل سائق آخر الى مستواه. وابدى اعجابه بسائق فيراري الحالي البرازيلي روبنز باريكيللو، وتوقع ان يتوج بطلاً للعالم قريباً. لا بد ان يتحول ابطال الشرق الاوسط الى المشاركة في بطولة العالم لتوسيع القاعدة العربية والشرق الأوسطية في السباقات العالمية، وترك الفرصة امام جيل الشباب لتحقيق انتصارات تدفع بهم الى عالم الشهرة والاضواء فيجدوا الدعم اللازم لمواصلة مسيرتهم. من دون دعم الشركات والمؤسسات المهمة للسائقين تصبح المشاركة مستحيلة نظراً للتكاليف العالية جداً التي تتطلبها ممارسة هذه الرياضة. الفارق كبير في كل شيء بيني وبين السائقين البارزين عالمياً امثال ماكينن وكانكوفن فنلندا واوريول فرنسا وبارنز وماكري بريطانيا وساينز اسبانيا، لكنيبقى الامل قائماً دائماً في الاقتراب من مستوياتهم اكثر واكثر من خلال المشاركة المستمرة واكتساب المزيد من الخبرات.