من السخرية ان تقف اسرائيل اليوم موقف من يملي شروطه في أي جولة مفاوضات، وهي التي كانت قبل حرب الخليج الأخيرة تعتبر ان جلوس العرب على طاولة المفاوضات مطلباً ومكسباً في حد ذاته، ومن السخرية ان تضرب وتهدد في غياب موقف عربي رادع. أعطت حرب الخليج الثانية اسرائيل ما تنعم به اليوم، فهي كانت سبباً مباشراً لمحادثات أوسلو، ومشاريع الصفقات الانفرادية التي اخرجت أطفال الحجارة من معادلة الصراع. وأطفال الحجارة الذين شكلوا أحزاباً من دون قائد وهزموا اسطورة الجيش الاسرائيلي وشكلوا لاحقاً نموذجاً نضالياً مبتكراً لم يعرفه العالم من قبل. واسرائيل التي خرجت من الانتفاضة سعت جاهدة للالتفاف من مأزقها فجاءت حرب الخليج فرصة تاريخية لبعثرة الاجماع العربي وتفكيك قراره ووحدته، وخلق المزيد من الانقسامات والحساسيات العربية. غير ان التعنت الاسرائيلي ونزعة الهيمنة والسيطرة وطبيعة المشروع الصهيوني التوسعي لم تترك مجالاً لوصول المنطقة الى حال الاستقرار، لأن محادثات السلام التي جرت وتتابعت فصولها، لم تكن من الناحية الفنية سوى اتفاقات استسلام لاسرائيل التي أصرّت على منطق الغطرسة والغرور فأعادت المنطقة الى دوامة العنف. لذلك وجدت نفسها مرة اخرى في مواجهة الفخ الذي صنعته بنفسها في جنوبلبنان وهي تتخبط اليوم في الشراك التي نصبتها بنفسها في ضوء هزيمة جيشها في مواجهة المقاومة الوطنية اللبنانية ممثلة في "حزب الله"، وهي اليوم تتصرف بروح الغطرسة نفسها، وتهدد بحرق لبنان وإبادة شعبه أمام مرأى ومسمع الديموقراطية الغربية التي تبارك وتساند، وهي التي تقر مبدأ حريات الشعوب وحقها في مكافحة محتليها .... اسرائيل في جنوبلبنان في مأزق حرج، كيف تنسحب من دون اظهار الهزيمة وكيف يمكنها اقتلاع روح المقاومة الوطنية التي بذرها حزب الله. دبي - عبدالله محمد الملا