كان من الطبيعي ان يعم الغضب والاستياء اوساط الجالية العربية في فرنسا نتيجة الموقف الذي اعلنه رئيس الحكومة الفرنسي ليونيل جوسبان اثناء زيارته لاسرائيل. لكن ردّة الفعل هذه لم يكن مردها فقط لما عكسه موقف جوسبان من خرق للتوازن الذي يطغى على السياسة الفرنسية حيال الشرق الاوسط، ومن انحياز الى جانب اسرائيل. فالى الصدمة التي اثارها هذا الانحياز ساد الجالية العربية التي يقدّر عددها بنحو 4 ملايين شعور بالتجاهل والانكار وبعدم ابداء جوسبان أي اعتبار لدورها ووزنها على الساحة الفرنسية. وتوالت في اوساط الجالية المواقف الداعية الى ضرورة استخلاص العبر وتحميل الحزب الاشتراكي مسؤولية اقوال رئيس الحكومة ومسؤولية استعدائه لعرب فرنسا واستفزازه لهم. هذا الجو عكسته بوضوح الاذاعات الخاصة بالجالية العربية التي تبث في فرنسا والتي خصصت العديد من البرامج لمناقشة موقف جوسبان الذي وصف نشاط "حزب الله" في جنوبلبنان بأنه "ارهابي". وتخلّل أحد هذه النقاشات التي بثتها "اذاعة الشمس" التي تغطي مدناً فرنسية عدة منها باريس ومرسيليا، مداخلات لمثقفين ومستمعين من اصل عربي أجمعت على ضرورة عدم التغاضي عن خطورة هذا الموقف، ومعاقبة جوسبان وحزبه انتخابياً. ودعا احد الذين تحدّثوا في البرنامج الى ضرورة تفاهم عرب فرنسا على ان "من يسيء الى القضايا الكبرى خصوصاً قضايا المقاومة والتحرير ومن يسيء عمداً الى العرب في حقوقهم يجب ان يلقّن درساً". ورأى أن الدرس الوحيد الذي يفرض نفسه في هذا المجال هو "المقاطعة الانتخابية" وتوظيف الحجم الانتخابي للعرب في فرنسا في هذا الاطار. وطالب متحدّث آخر الاذاعات العربية العاملة في فرنسا بتعبئة قدراتها وإمكاناتها، وتوجيه دعوة الى الجالية العربية "لضرب الحزب الاشتراكي في الانتخابات المقبلة بعدما كشف هذا الحزب عن وجهه الحقيقي"، متمنياً "الا يفوز جوسبان مستقبلاً لا في انتخابات الرئاسة ولا في أي انتخابات اخرى ليدرك وزن الجالية العربية في فرنسا". وذهب أحد المتحدثين الى حدّ الدعوة الى معاقبة اليسار الفرنسي بمختلف احزابه، اذ قال: "كنّا نؤيد دائماً المرشحين الاشتراكيين والشيوعيين وأنصار البيئة الخضر، ومع الأسف علينا من الآن وصاعداً ان نبيّن له أننا نفهم معنى الانتخابات بحجب أصواتنا عنهم". هذه الأصداء الناقمة والداعية الى ضرورة توظيف الاصوات الإنتخابية العربية بما يخدم مواقف الجالية ومصالحها عكستها ايضاً نقاشات بثتها اذاعات اخرى مثل "راديو بور" و"راديو ميديتيرانيه". ورأى مدير اذاعة "الشمس" عبدالمجيد دبوسي، ان الاستنفار المناهض لجوسبان والاشتراكيين عموماً في اوساط الجالية العربية يندرج في امتداد بوادر القطيعة التي برزت بينهما في عهد الرئيس الراحل فرانسوا ميتران خلال حرب الخليج. وبعتبر العديد من الهيئات الخاصة بالجالية العربية، ومنها "الفيديرالية الوطنية لمسلمي فرنسا"، ان الدعوات الى المقاطعة الانتخابية التي انطلقت عفوياً احتجاجاً على موقف جوسبان ينبغي ان تؤخذ على محمل الجد، بعيداً عن أي استخفاف بخيبة الامل التي اثارتها. وأشارت مصادر "الفيديرالية" الى ان اصوات الاقليات، خصوصاً العربية، يمكنها من ترجيح كفة هذا المرشّح او ذاك وهذا الحزب او ذاك في اي انتخابات علماً بأن الرئيس جاك شيراك يحكم فرنسا بفضل نسبة 7,2 في المئة من الأصوات تقدّم بها على جوسبان الذي نافسه على منصب الرئاسة عام 1995. وكان معهد "سي اس آي" للاستطلاعات أشار الى ان الجالية العربية صوتّت بنسبة 51 في المئة لمصلحة الحزب الاشتراكي و31 في المئة للحزب الشيوعي و12 في المئة لانصار البيئة فيما صوتت نسبة 5 في المئة لحزبي اليمين "التجمع من اجل الجمهورية" و"الاتحاد من اجل الديمقراطية"، و 1 في المئة للجبهة الوطنية اليمين المتطرف.