سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الهجرة والمهاجرون من منظور اوروبي - محمد بشاري رئيس الفيديرالية الوطنية لمسلمي فرنسا : الاسلام اصبح مسألة وطنية فرنسية وعدد الناخبين يقدر بمليوني ناخب الحلقة 5
رأى رئيس "الفيدرالية الوطنية لمسلمي فرنسا" محمد بشاري أن الاسلام في فرنسا أمر واقع وأن قضية الجالية العربية ليست قضية خارجية، إنما قضية وطنية ينبغي التعامل معها من هذا المنطلق. وانتقد الحذر الذي تبديه الأحزاب الفرنسية في إدراج مرشحين من أصل عربي على لوائحها الانتخابية، وتذرعها بأن هذا الأمر قد يُستغّل إنتخابيا من قبل اليمين المتطرّف، علما بأن المشاركة السياسية أفضل سبيل للإندماج. وأكدّ أن للهجرة العربية خصوصية دينية ولغوية وثقافية تحول دون امكانية صهرها وتذويبها في المجتمع الفرنسي. وطالب باستمرارية على صعيد السياسات الحكومية المتّبعة حيال المسلمين الفرنسيين وعدم قلبها رأسا على عقب مع كل تغيير وزاري. وأقرّ بشاري بوجود عائق موضوعي أمام تنظيم الاسلام في فرنسا، مردّه الى افتقار المنظمات الاسلامية لرؤية واحدة شاملة وموضوعية. وتأسست الفيدرالية الوطنية سنة 1985 وتضم في عضويتها 600 منظمة عاملة في مختلف المناطق الفرنسية. وقدّم بشاري لمحة عن تاريخ الهجرة العربية والمسلمة الى فرنسا بالقول ان ظهور الإسلام على التراب الفرنسي يعود الى فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى عندما شيّد الماريشال ليوتيه والملك سلطان مولاي يوسف مسجد باريس سنة 1926، فكان ذلك بمثابة بادرة عرفان رسمية وديبلوماسية لدور الجنود العرب الذين قاتلوا الى جانب القوات الفرنسية خلال الحرب العالمية. وقال ان الهجرة الفعلية لم تبدأ سوى غداة الحرب العالمية الثانية عندما اضطرّت فرنسا لأن تستقدم اليد العاملة من مستعمراتها في منطقة المغرب العربي ومستعمراتها الافريقية ومنها تحديداً السنغال، وتبعها ما يسمّى بمرحلة الاستقلال في هذه البلدان في الستينات التي تزامنت مع هجرة مكثفّة الى منطقة المناجم الواقعة شمال فرنسا ومنطقة الجنوب الزراعية والتجمعات الصناعية القريبة من المدن الكبرى. وأشار الى أن المرحلة تخللتها أيضا هجرة بعض الأدمغة العربية وتأسيس جمعيات مثل جمعية رابطة الطلاب الاسلاميين في فرنسا سنة 1964، التي ضمّت أشخاصاً مثل "حميدالله مالك بن نبي" و"حسن عبدالله الترابي". وتابع أنه ابتداء من سنة 1974 وبعد اصدار فرنسا لقوانين تقيّد هجرة اليد العاملة، توقفت الهجرة العمالية بشكلها الكثيف وظهرت هجرة أخرى عبر ما يسمّى بالتجمع العائلي، ثم تبعتها هجرة الطلاب، مما أدّى الى تعايش بين هجرة اليد العاملة ثم هجرة الأدمغة وبعدها هجرة الطلاب. ورأى بشاري أن فوز اليسار الفرنسي سنة 1981 بالرئاسة شكّل محطة مهمة بالنسبة الى جالية المهاجرين، نتيجة القرار الذي اتخذّه الرئيس الراحل فرانسوا ميتران بتعديل الوضعية القانونية لحوالي 130 ألفاً ممن يسمّون بالأجانب غير الشرعيين وغالبيتهم من منطقة المغرب العربي. المحطة الثانية، تمثلت برأيه بصدور قانون في شهر تشرين الاول اكتوبر 1982 يسمح للأجانب بإنشاء جمعيات بعد أن كان يحظّر عليهم ذلك في السابق. وكانت مثل هذه الجمعيات تواجه عراقيل كثيرة لدى تأسيسها. فكان الناشطون من العرب يعملون من خلال جمعيات فرنسية ولكن ابتداء من 1982، بات بوسع الجالية التحرّك من خلال جمعيات ومؤسسات خاصة بها. وتابع أن هذه الايجابية بالتعامل، لم تكن قادرة على حل اشكالية التكّيف والاندماج المترتبة عن ظهور ما يسمّى بالجيل الثاني، فإذا كانت فرنسا فتحت ذراعيها للجيل الأول، فهي تناست انه سيؤدي الى نشوء جيل ثان وثالث ورابع. وتوقف بشاري عند "مسيرة الشباب" "La marche des Beurs" من الجيل الثاني سنة 1983، التي طالبت بأن يكون لأبناء المهاجرين حقوق مماثلة لسواهم من المواطنين الفرنسيين، وبأن تكون لهم مشاركة سياسية، وبأن يكون هناك موقف فرنسي مناهض لظهور وتطور العنصرية من خلال أحزاب ومؤسسات مثل حزب "الجبهة الوطنية الفرنسية" وسواها من حركات عنصرية حقودة. وقال ان هذه المسيرة جعلت الاحزاب السياسية الفرنسية تدرك للمرة الاولى وجود مواطنين فرنسيين يحملون اسماء محمد وفاطمة وعائشة وسواهم. وتابع أن تحولات طرأت على الجالية عند الثمانينات ودفعتها الى التجمّع حول مؤسسات وجمعيات دينية بدلا من المقاهي وستكون تلك حقبة إنشاء المساجد، فقبلها كانت المساجد الموجودة في فرنسا تعد على الاصابع. ومضى يقول ان الظاهرة الدينية لعبت دورا كبيرا في تأطير الجالية التي تأثّرت الى حد بعيد بالاحداث في العالم المسلم ومنها الانتفاضة في فلسطين وقضية سلمان رشدي وأحداث الجزائر. وقال ان مجمل هذه التطورات جعلت الجالية تطرح اسئلة على نفسها وعلى الآخرين حول الهوية والانتماء الثقافة والواجبات والحقوق، وكانت الاحزاب الفرنسية ترد على هذا بوعود كثيرة وتشدّد على مسألة الاندماج. ولكنه تساءل كيف يمكن الحديث عن الاندماج في حين ان موقف الاحزاب من المشاركة السياسية لأبناء الجالية المسلمة حذر وضعيف، فحتى اليوم ليس هناك نائب برلماني واحد أو عضو في مجلس الشيوخ من أصل عربي، علما بأن مثل هذا الأمر ممكن. أضاف أن عدد الناخبين من أصل عربي يقدّر رسميا بحوالي مليوني ناخب، ونسبة مشاركتهم في الانتخابات مماثلة لنسبة مشاركة الفرنسيين عموما، وفي كل مدينة يزيد عدد سكانها عن مئة ألف نسمة، فإن المواطن الفرنسي من أصل عربي هو الذي يرجح كفة هذا المرشّح أو ذاك، وللمسلمين اذن دور مهم جدا في التأثير السياسي. ورأى بشاري انه عندما يحكم الرئيس جاك شيراك فرنسا بفارق لا يتجاوز 7ر2 في المئة من الأصوات بالمقارنة مع عدد مؤيدي رئيس حكومته الاشتراكي ليونيل جوسبان يتبيّن أن للجالية العربية قدراً في التأثير على أي عملية انتخابية بما فيها انتخابات الرئاسة. وعبّر عن أسفه لكون الجالية العربية لا تزال في مرحلة التأثير ولم تبادر بعد الى المشاركة في صناعة القرار السياسي، مؤكدا ان العائق على هذا الصعيد مرده الى العراقيل التي تضعها الاحزاب الفرنسية أمام وجود مرشحين من أصول عربية على لوائحها. وأوضح أن الكل يتذرّع بأن وجود مرشحين اسماؤهم محمد وفاطمة وعائشة قد يستغّل انتخابيا من قبل اليمين المتطرّف، الذي أصبح شبحا يلوحون به حيالنا، علما بأن اليمين المتطرّف تمكن من إنجاح مرشحين من أصل عربي على لوائحه في انتخابات المجالس الاقليمية، أحدهم في باريس وهو فريد سماحي والثاني في جنوبفرنسا وهو سيّد أحمد اليحياوي. وأقرّ بشاري بأن هناك مشكلة حضارية تطرحها الهجرة من العالم العربي، مردّها الى التضارب القائم بين الجنوب والشمال وبين الاسلام والغرب. وقال هناك في الغرب تخّوف عام من الاسلام نتيجة أخطاء المسلمين في العالم العربي مثل الحرب في الجزائر وما ارتكب في دول عدّة من أعمال باسم الاسلام في حين ان الاسلام بريء منها. أضاف أن المسألة الثانية هي أن الجاليات الاخرى استطاعت ان تنصهر وتذوب تماما في المجتمع الفرنسي، أما الجالية المسلمة المكوّنة من حوالي مليون و200 ألف جزائري ومليون مغربي وحوالي 600 ألف تونسي، هي جالية متأصّلة لها دين ولغة وحضارة ولا يمكن لها أن تنصهر وتذوب. وأكدّ بشاري أن ما يطمح اليه أبناء هذه الجالية هو العيش كفرنسيين يعرفون ويحترمون حقوقهم وواجباتهم ويعملون من أجل رقّي المجتمع الذي ينتمون اليه ولكن في الوقت نفسه الحفاظ على قيمهم الاسلامية وثقافتهم العربية أيضا. واستعرض بشاري مختلف المساعي الرسمية التي بذلت لحل قضية مسلمي فرنسا، فقال ان كل الحكومات الفرنسية وكل الوزراء الذين توالوا على وزارة الداخلية أرادوا أن يفعلوا شيئا لهؤلاء المسلمين، فالكل يذكر ما قام به الوزير السابق بيار جوكس الذي اعتمد أساسا جيّدا تمثّل بإنشاء مجلس "كوربف" للتشاور حول أوضاع الاسلام، وشكّل تولي بول كيلس بدوره لوزارة الداخلية نوعا من الاستمرارية له. لكنه أضاف أنه مع وصول شارل باسكوا الى وزارة الداخلية واعتماده على مسجد باريس وعلى خط واحد ضمن الجالية وتأسيسه "للمجلس التمثيلي لمسلمي فرنسا" الذي تمثّل فيه البعض واستبعد عنه البعض الآخر، تسبّب بمشاكل كثيرة. ومضى يقول، ثم جاء وزير الداخلية جان لوي دوبريه الذي اختار التعاون مع الرموز العلمانية ضمن الجالية وحاول ان ينظّم الاسلام من خلال شخصي أحمد دحماني وخديجة خليل اللذين ترأسا المجلس الاعلى لمسلمي فرنسا، ففشل، ويأتي اليوم الوزير الحالي جان بيارشوفنمان حاملا مشروعاً وتوجهاً خاصاً به للتعامل مع القضية. وعبّر بشاري عن اعتقاده بأن حل مشكلة الاسلام غير ممكن عبر تعدّد الصيغ التي تُعتمد ثم تُلقى جانبا بمجرّد حصول تغيير حكومي في البلاد. وقال ان هناك أيضا عاملاً موضوعياً يعرقل هذا الحلّ ومردّه الى أن الهيئات الاسلامية الموجودة حاليا في فرنسا غير مهيئة للقيام بعملية تنظيم وتفتقر لأي تصوّر كامل وشامل وموضوعي لهذه القضية، مما يحمل على الاعتقاد بأن الحل يتطلّب انتظار أبناء الجيل الثالث. في غضون ذلك، أكدّ أن على الدولة الفرنسية اعتماد نصوص قانونية تضع الاسلام على قدم المساواة مثله مثل الديانات الاخرى، لأن الاسلام لم يعد قضية خارجية وإما قضية وطنية فرنسية، وحصر التعامل معه من زاوية أمنية، ليس بالأمر الممكن. وتساءل لماذا لا تكون هناك نصوص قانونية تعاقب رؤساء البلديات الذين يرفضون التراخيص الخاصة ببناء المساجد، ولماذا لا تكون هناك نصوص تضمن حق المسلمين بالمدافن الاسلامية بدلا من ان تضطر غالبيتهم لترحيل موتاها الى دولها الاصلية، لأن في فرنسا مدفن اسلامي وحيد في بوبينيضاحية باريس يعود انشاؤه الى الحرب العالمية الاولى؟ ولماذا لا يكون هناك قانون يسمح بإنشاء مدرسة دينية اسلامية على غرار المدارس الدينية اليهودية البالغ عددها 180 مدرسة تموّل العديد منها من قبل الدولة الفرنسية؟ وأكدّ بشاري أنه بانتظار الحل الشامل لقضية المهاجرين بإمكان السلطات الاقدام على خطوات يشعر من خلالها أبناء الجالية بأن حقوقهم موضع احترام، وصون.