لم يكن عقد مؤتمرات القمة العربية كله خير كما يعتقد بعض الناس. لأنه كلما اتحد الساسة العرب وأصبحت كلمتهم واحدة وأمورهم "سمناً على عسل" ضاقت حرية الصحف والصحافيين في الحديث عن الهموم والمشاكل العربية، والتزمت الصحف الصمت المطبق حيال الشؤون المحلية، واستبدلت الحديث عن قضايا القرن الأفريقي وأميركا الجنوبية بالخلافات والمشاكل العربية. ووزارات الإعلام العربية تنشط بعد كل قمة يسودها الوفاق، في إرسال خطابات الأوامر للصحف تحذرها من مغبة الخوض في سياسة الدول الشقيقة التي تحقق الصفاء بينها. لذا اتسع هامش الحرية الصحافية في السنوات الأخيرة بعد توقف عقد مؤتمرات القمة. وصار باستطاعة الكاتب العربي أن يتناول أي موضوع في شأن عدد لا يستهان به من الدول العربية وهو مطمئن الى أنه لن يُحَاسب أو يوبخ أو يمنع من الكتابة. هذا الهاجس خطر لي بعدما تحول السلام مع العدو الاسرائيلي إلى سلوك عربي عام، من موريتانيا غرباً الى قطر والبحرين شرقاً، وبدأ يسير على طريقة المتوالية الهندسية، وصارت خطوته ب"خطوتين". ولم يعد مقتصراً على دول المواجهة سابقاً، التي كانت تسمى دول الطوق، وبحسب رأي المصريين "مافيش حد احسن من حد". أمام هذه الهرولة العارمة نحو حظيرة السلام بدأت أخاف أن يطبق على اسرائيل ما كان يطبق على الدول العربية بعد مؤتمرات القمة، فتصدر الأوامر بعدم سب سياسة اسرائيل بصفتها دولة في طريقها إلى أن تصبح حليفة وصديقة، وعضواً في "جامعة دول الشرق الأوسط" التي ستحل محل "جامعة الدول العربية"، التي انتهت صلاحيتها بفضل السلام. الأكيد أن هذه المشاعر التي خطرت لي من وساوس الشيطان الرجيم، فمن غير المعقول أن يفرض على الصحافيين والكُتّاب في العالم العربي عدم التعرض لإسرائيل وهي لا تزال تحتل أرضنا وتهدم بيوتنا، وتستبيح دماءنا.