يعاني الميزان التجاري السوري من عجز بلغ 25 في المئة في الأعوام الثلاثة الماضية. ويتوقع الخبراء الاقتصاديون ان يتزايد هذا العجز فيما اذا غابت الصادرات النفطية التي تشكل مع المنتجات الزراعية نحو 90 في المئة من هيكل الصادرات السورية. وفي ظل الركود الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد والتخوف من الاستحقاقات الاقتصادية المقبلة، مثل اتفاقية "غات" والشراكة مع أوروبا والتخوف من نفاد النفط خلال السنوات المقبلة، بدأ الاقتصاديون يرون ان "التصدير" هو "طوق النجاة" للاقتصاد اذا ما اراد مواجهة هذه الاستحقاقات. لذلك بدأ التركيز في الفترة الاخيرة على وضع استراتيجية وطنية تهدف الى تحقيق زيادة في الصادرات السورية بصورة مضطردة، بحيث ينخفض عجز الميزان التجاري السوري عموماً والصناعات التحويلية خصوصاً وتتكون حصيلة من القطع الاجنبي يمكن معها تسديد قيمة المستوردات التي يحتاجها الاقتصاد السوري بما في ذلك مستلزمات الانتاج خاصة. وتشير الاحصاءات المتوافرة الى ان الميزان التجاري السوري يعاني منذ عام 1992 عجزاً كبيراً ارتفع الى 35 في المئة عام 1994 وانخفض استثناء الى نحو ثلاثة في المئة بحكم انخفاض الواردات بمعدل الربع تقريباً الا انه بلغ نحو 25 في المئة في الأعوام 1996 و1997 و1998 وحتى نهاية الشهر التاسع من العام الماضي. وإذا ما وضعنا الصادرات النفطية جانباً تفاقم العجز ليبلغ بالمتوسط نحو الثلثين. وتسيطر المواد الخام والمنتجات الزراعية بصورة مطلقة على هيكل الصادرات السورية اذ تقارب نسبتها 90 في المئة منها. وتوضح احصاءات التجارة الخارجية لعامي 1996 و1997 ان النفط الخام والفوسفات يشكلان بالمتوسط ثلثي قيمة الصادرات السورية، والمواد الغذائية والزراعية نحو 18 في المئة، والقطن المحلوج ما يقارب ستة في المئة. اما منتجات الصناعة التحويلية التي تشكل منتجات صناعة الغزل والنسيج والألبسة القسم الأعظم منها فلا تتجاوز 10 في المئة. ويؤكد الخبراء ان الوضع مسرف في التخلف والضعف "خصوصاً اذا ما قورنت سورية ببلد كتونس حيث تتجاوز الصادرات ستة بلايين دولار". ويظهر تحليل احصاءات التجارة الخارجية بين عامي 1995 و1999 ان نسبة متوسط العجز في تغطية صادرات قطاع الصناعات التحويلية الى وارداته بلغت 77.5 في المئة اذ انخفضت وارداته بمعدل 20 في المئة وصادراته بمعدل 33 في المئة، وتناقصت صادرات القطاع العام خلال الفترة ذاتها بمعدل تسعة في المئة في حين بلغت نسبة هذا التناقص 43 في المئة لدى القطاع الخاص. وحيال هذا الواقع من العجز في الميزان التجاري على رغم الصادرات النفطية والعجز الكبير في الميزان التجاري للصناعات التحويلية دعت الاستراتيجية الجديدة للتصدير التي وضعها عدد من الخبراء الى تحديد السلع التصديرية حاضراً ومستقبلاً من مبدأ توفر المقارنة وزيادة القيمة المضافة لأعلى حد ممكن سواء بالارتفاع بدرجة تصنيع المواد الأولية المحلية وبالذات القطن والاقماح والفوسفات، او بالتوجه نحو انتاج سلع صناعية تنطوي على قيمة مضافة عالية وخصوصاً صناعة المكونات اي قطع التبديل الميكانيكية والكهربائية والتوسع في صناعة بعض المنتجات الحرفية بحيث تندرج ضمن الصناعات الاستخراجية على اعتبار "اذا كان النفط والفوسفات تقوم به الدولة فلا يجوز ان تظل الثروة الرخامية مهملة على رغم امكانات تصديرها الواسعة وكذلك الصناعات النسيجية اذ لا يعقل ان نقوم بتصدير اكثر من نصف انتاجنا من القطن المحلوج بالأسعار العالمية التي تقل عن كلفة القطن في مرحلتي الانتاج والتوزيع، والصناعات الغذائية وخصوصاً القمح القاسي لتصنيع المعجنات والمعكرونة بأنواعها وهي سلع مطلوبة، وصناعة المكونات او قطع الغيار وهي تحقق اعلى قيمة من القيمة المضافة والمنتجات الحرفية الخزفية والنحاسية والخشبية التي تستجيب لأذواق المستهلكين في الدول المتقدمة والصناعات الدوائية التي تطورت في السنوات العشر الماضية ويمكن استغلال سعرها الرخيص خصوصاً في القارة الافريقية". وحددت الاستراتيجية الدول العربية خصوصاً دول الخليج ولبنان والأردن واليمن اهم الأسواق المستهدفة في تصدير هذه السلع اضافة الى الدول التي تتوافر فيها جاليات سورية ولبنانية نشطة. وشددت على وضع سياسة تبتغي خفض كلفة الانتاج المباشرة لجهة المدخلات، وغير المباشرة لجهة الضرائب والتمويل اضافة الى تحفيز المنتجين على زيادة الانتاجية وتحسين الجودة بمختلف السبل المادية والمعنوية "لأن ذلك ركن أساسي في أية استراتيجية للتصدير ونجاحها" وذلك يستتبع بالضرورة سياسة لتوفير الكوادر البشرية المناسبة التي يقع عليها عبء الانتاج والتسويق وادارتهما. وشجعت الاستراتيجية قيام مؤسسة تجارية فعالة متخصصة بالتصدير لتشكل صلة الوصل بين المنتج السوري والمستورد الخارجي كما هو في شرق وجنوب شرقي آسيا "لأن التسويق الخارجي عمل يتطلب مهارات خاصة ونفقات كبيرة لتعميق المعرفة بالأسواق الخارجية وتوسيع قاعدة الزبائن فيها وهو امر تعجز المنشآت الصناعية السورية على القيام به منفردة بحكم حجمها"، وشددت على ضرورة "الأخذ بسياسة تشجيع المواد الأولية المحلية بما فيها الغزول القطنية لدى القطاع الخاص ضماناً لتنظيم عائداتنا من التصدير وتجنباً للخسارة الناجمة عن البيع الى الخارج بأسعار تقل عن الكلفة وإثارة المنافسة الايجابية بين الجانبين". ورأى الخبراء ان لا مناص من تبني سياسة تخطيط ديناميكية وواقعية بعيدة عن البيروقراطية تشمل تحديد اهداف كمية معينة في زيادة الصادرات على ان يتم هذا التحديد بالاتفاق بين الجهات المعنية كافة وان تقترن بسياسة حوافز تشجيعية مادية ومعنوية اهتداء بتجربة كوريا الجنوبية. لذلك حضوا على ضرورة "خفض عمولة مؤسسات التجارة الخارجية على استيراد مستلزمات الانتاج للتصدير من مواد اولية وسيطة وخفض الرسوم الجمركية على هذه المواد مع احتفاظ المصدر باستخدام القطع الذي معه في تأمين كافة مستلزمات التصدير، والغاء ضريبة الدخل على الصادرات وشراء مكتب القطع ل25 في المئة من حصيلة الصادرات بالسعر الفعلي للعملية في الأسواق الخارجية ما يعني الغاء الضريبة المستترة التي تتجاوز ثلاثة في المئة من قيمة الصادرات الفعلية مع اعطاء الحرية الكاملة للمصدر باستخدام ال75 في المئة المتبقية من حصيلة صادراته في استيراد ما يحتاجه للانتاج او التنازل عنها للغير من دون رقابة او رسم، فيما رجح رأي آخر ان يشتري مكتب القطع حصيلة الوارد من الصادرات بالسعر الفعلي للعملة في الأسواق المجاورة وليس بالسعر المفروض الآن تحت اسم سعر "الأسواق المجاورة" مما يساعد على قطع دابر التصدير الوهمي. كما طالب الخبراء الاقتصاديون بالغاء ضريبة ريع الآلات للمنشآت المصدرة على الأقل والتوسع في تقديم القروض لتمويل عقود الصادرات الصناعية والزراعية بأسعار تشجيعية وتوفير المؤونة المالية اللازمة لذلك مع الأخذ بمبدأ حجم الانجاز في التصدير معياراً اساسياً في تحديد سقف القروض وخفض اجور النقل الجوي والبحري "اي ان تقدم معاملة تفضيلية لنقل السلع المصدرة السماح للقطاع الخاص" اضافة الى تنشيط تأهيل الكوادر الفنية والتجارية وتوفير قاعدة للمعلومات تزود المصدرين بالمعلومات اللازمة وتنشيط المشاركة السورية في المعارض الخارجية، والأهم تشجيع قيام شركات مراقبة على الصادرات لاصدار شهادات مطابقة للمواصفات بعدما شهدت الآونة الاخيرة عملية اعادة لكثير من الصادرات السورية من عدد من دول العالم نتيجة عدم مطابقتها للشروط والمواصفات.