ينظر رجال اعمال وصناعيون سوريون بقلق إلى "الاستحقاقات" التي سيواجهها الاقتصاد السوري في المرحلة المقبلة بعد رفع الحواجز الجمركية كلياً سنة 2002 مع لبنان وسنة 2008 مع الدول العربية و2010 مع الاتحاد الاوروبي الذي تتفاوض سورية معه على الشراكة. وتحسباً للمخاطر المحتملة يقّوم هؤلاء الآثار التي ستنتج عن هذه الاتفاقات استعداداً لمواجهتها. ويتساءل احدهم: "اذا كان الميزان التجاري سجل حسب ارقام المجموعة الاحصائية لعام 1998 عجزاً بين عامي 93 و97 قدره 20 في المئة على رغم أن صادراتنا من النفط بلغت ذروتها في تلك الأعوام قياساً بالسنوات السابقة وانتاجنا الزراعي من القطن والحبوب حقق ذروة انتاجه عام 1997، فكيف سيكون الحال في السنوات المقبلة؟". ودعا الصناعي رياض سيف الى التركيز على اكتشاف مكامن جديدة من النفط بحلول سنة 2010 ذلك ان تصدير القطن سيصبح عديم الجدوى اذا ما استمرت حالة الجفاف في البلد. وتوضح الاحصاءات ان حصة الفرد من الانتاج الزراعي في الفترة نفسها بالاسعار الثابتة لعام 1995 تراجعت بنسبة 3.8 في المئة، وبلغت قيمة الانتاج الزراعي العام 1997 نحو 168 مليون دولار اميركي ونصيب الفرد عدد السكان 7.17 مليون نحو 11 في المئة. ودعا وكيل شركة "اديداس" في محاضره القيت أخيراً في دمشق، الى ضرورة معالجة ظاهرة "التصدير الوهمي" إذ بّين بالأرقام التابعة ل"المكتب المركزي للاحصاء" ان صادرات سورية من الفواكه والخضار والجذور والدرن تزيد عن صادراتها من القطن الخام بنسبة 16 في المئة كما تبلغ اكثر من ضعفي صادراتها من الحبوب. واعتبر ان هذه أرقام "غير منطقية" تثبت وجود تصدير وهمي ناتج عن محاولات البعض الاستفادة من دولار التصدير لتغطية عمليات الاستيراد، مؤكداً ان 50 في المئة من هذه الصادرات "وهمية" ما يعني ارتفاع متوسط العجز في ميزاننا التجاري بين عامي 93 و97 باستبعاد صادرات النفط والقطن الخام والصادرات الوهمية نحو 80 في المئة. وتساهم الصناعات التحويلية بنحو 21.4 في المئة فقط من اجمالي الواردات في الفترة نفسها "على رغم وجود اسواق مفتوحة لبضائعنا في الدول العربية معفاة بشكل كامل من الرسوم الجمركية ونظام الحصص في اسواق الاتحاد الاوروبي وتطبيق السياسة الحمائية في الفترات السابقة". ويؤكد الخبراء ان هذه النسبة رغم ضعفها لن يكون من السهل الحفاظ عليها بعد تطبيق الاتفاقات التجارية التي تسمح بدخول منتجات الصناعات التحويلية العربية والأوروبية الى أسواق معفاة من الرسوم الجمركية. وحذر سيف من "الهبوط الكبير الذي شهدته هذه الصناعات في قيمة صادراتها بعد عام 1995، إذ تراجعت بنسبة 23 في المئة في عامي 1996 و1997 اضافة الى الهبوط الجديد الذي حصل عام 1998 حسب الاحصاءات الاولية التي نشرت في صحفنا المحلية". وأشار الى ضعف الصادرات في مجال الصناعات الغذائية رغم الاستثمارات الكبيرة في مجال الزراعة وتوفر فائض يمكن تصديره من بعض السلع. ودعا الى ضرورة ربط خطة الانتاج الزراعي مع سياسة تصديرية تؤمن تصدير الفائض من بعض المنتجات الزراعية بدلا من اتلافه او بيعه في السوق المحلية بأسعار تقل عن التكلفة مما يسبب خسائر للفلاحين. وأوضح ان الصناعات الغذائية في سورية تعاني كثيراً من العوائق التي تقف حاجزاً أمام صادراتها، واورد مثالا معامل المعكرونة والمعجنات التي اقيمت حسب قانون الاستثمار رقم 10 للعام 1991، وهي اربعة مصانع كبيرة لانتاج المعكرونة والمعجنات بلغت كلفة كل منها مئات ملايين الليرات وذلك بهدف تصدير القسم الاعظم من انتاجها، لافتاً الى ان "هذه المعامل شبه متوقفة حالياً بسبب الزامها باستعمال الدقيق المحلي بالسعر الذي تفرضه وزارة التموين وهو يعادل 420 دولاراً للطن بينما السعر العالمي حالياً اقل من 250 دولاراً للطن مما سمح للمعكرونة المصنعة في الدول المجاورة ان تدخل اسواقنا عن طريق التهريب نتيجة الفارق الكبير في السعر وهذا جعل مصانعنا ليست عاجزة عن التصدير بل وايضا الدفاع عن نفسها في السوق المحلية". ولفت الى تراجع صادرات الصناعات الغذائية بنسبة 20 في المئة بين عامي 1994 و1997، اذ ان نسبة تغطية الصادرات للمستوردات في الفترة نفسها كان 27 في المئة فقط أي ان الصناعات الغذائية الوطنية مازالت عاجزة عن سد احتياجاتنا المحلية في العديد من الاصناف". وانتقد ما "يشاع عن صناعتنا النسيجية بأنها متطورة ولا يخشى عليها من المنافسة، بل على العكس، فإنه على الرغم ان منتجاتنا النسيجية متاح لها الدخول الى الاسواق الاوروبية ومعفاة من الرسوم الجمركية غير ان حصتها في هذه السوق لا تشكل رقما ذا شأن. ففي الوقت الذي وصلت فيه دول مثل تونس والمغرب وتركيا الى مصاف الدول العشر الاولى المصدرة للكثير من انواع الملابس الى دول الاتحاد الاوروبي لم تتجاوز صادراتنا الاجمالية من الملابس عام 1997نحو 70 مليون دولار بينما صدرت تونس في العام نفسه بليون ومائة مليون دولار رغم انها لا تزرع القطن". وقال إن قيمة الصادرات السورية من النسيج والملابس تراجعت عام 1997 الى النصف مقارنة بعام 1994، وان الميزان التجاري للمنتجات النسيجية أصبح خاسرا بشكل كبير ابتداء من عام 1996. إذ تراجعت قيمة الصادرات من النسيج من 170 مليون دولار عام 1996 الى 70 مليوناً عام 1997، فيما بلغت وارداتنا من النسيج عام 1997 نحو 260 مليون دولار وصادراتنا منها بلغت 218 دولاراً. وتساءل: "هل يشكل القطن حقا ميزة لصناعتنا النسيجية ام ان الاجراءات الحكومية قد حولته الى مشكلة حقيقية وخسارة فادحة للاقتصاد الوطني". أما الصناعات الكيماوية ورغم منع استيراد المنظفات ومستحضرات التجميل والعطور والتطور الكبير الذي حصل في صناعة الادوية فان متوسط تغطية الصادرات للواردات بلغ 13 في المئة فقط، لذلك توقع سيف "ان يلحق بهذه الصناعة ضرر فادح بسبب عجزها عن المنافسة لأنها بنيت بالأساس كبديل عن الواردات ونمت خلف اسوار الحماية المفروضة وهي لا تملك الميزات النسبية التي تعينها على البقاء". ولفت الى ان قيمة واردات سورية من هذه الصناعة بلغت عام 1997 نحو 678 مليون دولار وصادراتنا منها 54 مليون دولار. وفي الصناعات الهندسية اظهر سيف "الخلل الكبير" في الميزان التجاري في هذه الصناعة حيث لا تغطي صادراته إلا نسبة 2.4 في المئة من وارداته رغم منع استيراد الكثير من هذه المنتجات مثل اغلب الادوات المنزلية والكهربائية وفرض رسوم جمركية مرتفعة على السيارات والمركبات وتقييد استيرادها. وتوقع ان تشهد المرحلة المقبلة زيادة كبيرة في وارداتنا من منتجات هذه القطاع "اذا لم يشجع على خلق المناخ الذي يشجع الشركات الاوروبية على اقامة فروع لمنشآتها في سورية لتصنيع بعض منتجاتها أو اجزاء متممة لتلك المنتجات مستفيدة من الفارق الكبير في كلفة العمالة". وأشار الى ان وارداتنا من هذه الصناعة بلغت عام 1997 نحو 600 مليون دولار وصادراتنا منها 15.6 مليون. الأسواق التصديرية وتستورد البلاد العربية ما يقارب ربع صادرات سورية الكلية كما يظهر الميزان التجاري فائضاً لمصلحة سورية بنسبة 2.5 ضعف، إذ بلغت واردات سورية عام 1997 نحو 296 مليون دولار مقابل 1.23 مليون قيمة صادراتها. ورغم ذلك لا يبدي سيف تفاؤلاً "إذا لم ننجح بتطوير صناعتنا بالمستوى نفسه الذي تتطور فيه صناعة تلك الدول يجعل المحافظة على ميزاننا التجاري رابحاً أمراً غير يسير". وأورد مثالاً الشركات السورية الموردة للمكيفات التي اضطرت الى التوقف لمجرد دخول المكيفات السعودية ذات التقنية العالية الى الاسواق. كما يقلل سيف من اهمية تلك الاسواق الاوروبية لصادرات سورية في المستقبل رغم ان هذه الاسواق تعتبر الشريك الأكبر في تجارتنا الخارجية، إذ تشكل الصادرات السورية نحو 58 في المئة من اجمالي صادراتنا "غير ان النفط والمواد الخام تشكل 93 في المئة من هذه الصادرات".