على رغم اتفاق الشراكة السورية - الاوروبية لم يوقع الى الآن ولم يتحول الى واقع بعد، بدأ القائمون على المؤسسات الصناعية الحكومية يستعدون لمواجهة هذا "المجهول القادم" ووضعوا تصوراتهم للآثار الاقتصادية والاجتماعية تحسباً لمرحلة ازالة العقبات الجمركية من امام انتقال البضائع الاوروبية الى سورية. لكن يبدو ان عدداً من الشركات مهدد بالاغلاق لعدم قدرته على المنافسة. وبالتالي تسريح عدد من العمال. ويرى بعض مديري المؤسسات الصناعية الحكومية ان عدداً كبيراً من الصناعات الحالية سيستفيد من الشراكة من خلال تطوير التقنية الحالية ونقلها الى مصافي التقنية المتطورة القادرة على انتاج سلع بمواصفات عالية الجودة ترضي ذوق المستهلك المحلي والخارجي، ويبدي آخرون "قلقاً كبيراً، لاستحالة صمود الصناعات السورية امام السلع المنتجة في دول كالهند وباكستان وتركيا التي تعقد اتفاقات شراكة مع دول الاتحاد الاوروبي وتُعتبر سلعها منافساً كبيراً للصناعات السورية نتيجة انخفاض اسعارها وجودتها". ويتوقع مسؤولون في "المؤسسات العامة للصناعات النسيجية" امكانية منافسة سلعهم نظيراتها الاوروبية لا سيما ان المؤسسة حدّثت آلات النسيج والألبسة واصبحت جودتها مقبولة. ويصرّ المسؤولون في الوقت ذاته على ان تتخذ الحكومة عدداً من الاجراءات لخفض الكلفة لأن المؤسسة تعاني من تدني صادراتها لارتفاع اسعارها السلع الناتجة عن ارتفاع الكلفة لاسباب عدة منها تحميل منتجات المؤسسات العامة الصناعية ضريبة انتاج زراعي تبلغ 9.5 في المئة من قيمة المواد الداخلية في الصنع القطن مما يؤدي الى زيادة كلفة كل كلغ من الغزول القطنية بنحو تسع ليرات سورية حسب الاسعار الحالية، اضافة الى رسوم تصدير عدة تزيد على 12 في المئة من الكلفة. وتتحمل الشركات السورية فوائد مالية تسجل على حساب التكاليف وتزيد منها نتيجة عدم كفاية السيولة المالية المتاحة ولجوء الشركات الى الاقتراض بفائدة لتأمين مستلزمات الانتاج. ويلعب سعر الصرف الذي تعتمده شركات الغزل والنسيج والالبسة في حساب سعر البيع وعلى اساس الدولار دوراً مهماً في زيادة الاسعار الدولار يعادل 42 ليرة في حين ان السعر في الدول المجاورة يزيد على ذلك ويبلغ خمسين ليرة مما يؤدي الى ارتفاع السعر قياساً عن مثيله بالليرات السورية في الدول المجاورة ايضاً. وتضم "المؤسسة العامة للصناعات النسيجية" 26 شركة تنتج الغزول والاقمشة والالبسة الداخلية والخارجية وغيرها من المنتجات. وترتبط المؤسسة مع الاتحاد الاوروبي بعلاقات تبادل تجاري وتجاوزت قيمة صادراتها عام 1995 مبلغ 13 مليون دولار منها غزول بقيمة ثمانية ملايين دولار وألبسة داخلية بنحو ثلاثة ملايين دولار وعوادم قطنية بقيمة مليوني دولار، وزادت وارداتها عشرين مليون دولار واغلبها عبارة عن آلات وتجهيزات وقطع غيار ومستلزمات انتاج خيوط صوفية بوليستر ومواد كيماوية وأصباغ. ويتوقع المعنيون ان تعاني المؤسسة من مصاعب عند محاولة ادخال سلعها الى الاتحاد الاوروبي اذا ازيلت الحماية من جهة وتوقفت المزايا التي يمنحها الاتحاد الاوروبي لسورية من جهة ثانية وبقيت الاسعار والتكاليف على حالها، وينجم عن تحميل الكلفة عدداً من البنود لا ترتبط بالعملية الانتاجية تضخيم تكاليف الصناعة وتدعيم قدرتها التنافسية مع اوروبا. وقال احد المديرين "ان الصعوبات ستتفاقم في حال توقيع الاتحاد الاوروبي اتفاقات تبادل تجارية مثيلة مع دول اخرى تنافس البضائع السورية" مشيراً الى ان "السلع المثيلة المنتجة في اوروبا عالية التكاليف وسعرها مرتفع قياساً الى أسعار السلع السورية". ويبلغ الانتاج السوري من الغزول نحو 70 الف طن سيرتفع قريباً الى 80 الف طن ولا تتجاوز حاجة السوق المحلية الخمسين الف طن وهناك فائض كبير من سلع الصناعات النسيجية الاخرى في السوق خصوصاً الألبسة الداخلية والخارجية. وكان الموسم الاخير سجل ارتفاعاً في انتاج القطن تجاوز المليون طن، اي بزيادة قدرها 300 الف طن على الموسم الماضي. ومن المؤسسات الاخرى التي ستتأثر بالشراكة، "المؤسسة العامة للصناعات الكيماوية" التي تضم 14 شركة تتوزع في اغلب المحافظات وتتخصص في انتاج الجلود والاحذية والاسمدة والمنظفات والادوية والزجاج والاطارات والصناعات البلاستيكية وغيرها. وجاء في دراسة رسمية "ان معظم سلع المؤسسة سيجد صعوبة كبيرة في المنافسة لارتفاع الكلفة وتدني الجودة اذا ما قيست بالسلع المنتجة في دول الاتحاد الاوروبي"، علماً ان شركات المؤسسة لم تصدر حتى الآن اي سلعة الى اوروبا، في حين تجاوزت قيمة وارداتها من دول الاتحاد نحو 55 مليون دولار. وفي حال فتحت السوق امام المنتجات الاوروبية يتوقع الخبراء توقفاً كلياً او جزئياً لبعض الشركات بسبب عدم قدرتها على منافسة السلع الاوروبية المثيلة مما قد ينجم عنه "توقف ما يزيد على خمسة آلاف عامل وخسارة مادية لا تقل عن خمسة بلايين ليرة سورية وهي عبارة عن اجور وتكاليف توقف العمال". ويبدو ان الشركات "الاكثر تضرراً" ستكون "الشركة العامة لصناعة الاحذية" و"الشركة العامة لصناعة المنظفات" و"الشركة العامة لصناعة الدهانات" و"الشركة العامة لصناعة الادوية" تاميكو و"الشركة العامة لصناعة الاطارات" أفاميا و"الشركة العامة للصناعات البلاستيكية والجلدية" و"الشركة العامة لصناعة الزجاج"، وتعتبر السلع التي تنتجها الشركات التابعة ل "المؤسسات العامة للصناعات الهندسية" بدائل للمستوردات وتعتمد اعتماداً كلياً على المواد المستوردة وتُسوق في السوق المحلية ولا يوجد فائض للتصدير حالياً لعدم قدرتها على المنافسة مقارنة مع السلع الاوروبية المماثلة لتدني جودتها وارتفاع سعرها وتخلفها عن السلع المثيلة والحديثة. وتضم المؤسسة 12 شركة ومصنعاً لانتاج الكيبلات والتلفزيونات والبرادات وافران الغاز والبطاريات السائلة والجافة والكبريت واقلام الرصاص والخشب المعاكس واللاتيه. ويُتوقع ان تعاني الشركات التابعة للمؤسسة مصاعب تسويق انتاجها حتى في السوق السورية، اذا فتحت التجارة الخارجية مع الاتحاد الاوروبي لارتفاع اسعار المنتجات السورية وتدني جودتها. وقد يؤدي ذلك الى "توقف كلي او جزئي" لبعض الخطوط الانتاجية وتوقف ثلاثة آلاف عامل وخسارة مادية تفوق اربعة بلايين ليرة علماً ان هذه الشركات هي "الشركة العامة للبرادات وافران الغاز طناجر الضغط بردى، و"الشركة العامة للكبريت واقلام الرصاص" التي تنتج كبريت اقلام الرصاص و"الشركة السورية للاجهزة الالكترونية" التي تنتج الاجهزة التلفزيونية والهاتف و"شركة البطارات الجافة والسائلة" و"الشركة العامة للاخشاب" وتنتج الخشب المعاكس. ويتوقع الخبراء ان تعاني شركات الكيبلات والحديد والمحارم الورقية من "صعوبات تسويق منتجاتها وقد تكون المصاعب اقل حدة لمقارنتها مع السلع الاوروبية اذا ما اضيفت اجور النقل الى السلع الاوروبية". وترتبط المؤسسة بعلاقات واسعة مع الدول الاوروبية التي تعتبر المورد الاساسي للآلات والتجهيزات وقطع التبديل ومستلزمات الانتاج التي تحتاجها المؤسسة المذكورة وشركاتها. وبلغت وارداتها من الاتحاد الاوروبي خمسة ملايين دولار عام 1995. وتسوق "المؤسسة العامة للاسمنت ومواد البناء" التي تدير ثماني شركات لانتاج الاسمنت البورتلاندي الاسود والاميانتي وشركة لانتاج البورسلان والادوات الصحية، انتاجها في السوق المحلية، ولا يوجد فائض للتصدير، ولم تصدر اي سلعة الى الدول الاوروبية عام 1995 بل تستورد منها القطع التبديلية والتجهيزات وبعض مستلزمات الانتاج مثل الورق والكرات الفولاذية وتزيد قيمة مستورداتها عام 1995 على 25 مليون دولار. وقال احد المديرين في المؤسسة: "لا تتأثر شركات الاسمنت في حال فُتحت التجارة الخارجية بين سورية والاتحاد الاوروبي على اعتبار ان انتاج الاسمنت البالغ 4.5 مليون طن لا يكفي حاجة السوق المحلية وفي حال التشغيل وتنفيذ مشاريع جديدة لانتاج الاسمنت تبقى امكانات تسويقها في دول الاتحاد الاوروبي وغيرها قائمة لارتفاع الطلب على الاسمنت عالمياً من جهة ومن جهة ثانية ابتعاد كثير من الدول خصوصاً الاوروبية عن هذه الصناعة لتلويثها البيئة وتردي مردودها وطبيعتها التصنيعية". واشار الى ان "شركة بورسلان حماة" قد تتأثر لعدم قدرتها على منافسة الانتاج الاوروبي من الادوات الصحية وقد يلحق بها بعض الخسارة تقدر بخمسين مليون ليرة. ويُتوقع ان لا تتأثر شركات السكر التابعة ل "المؤسسة العامة للسكر" لان انتاجها من السكر لا يغطي حاجة سورية. وصدرت المؤسسة 20 الف طن ميلاس الى الاتحاد الاوروبي بقيمة مليون دولار عام 1995 وزادت وارداتها من دول الاتحاد على خمسة ملايين دولار عام 1995 واهم هذه الواردات الآلات والتجهيزات والقطع التبديلية والمواد الكيماوية. ويُذكر ان المؤسسة والشركات التابعة تنتج السكر من الشمندر السكري ومن تكرير السكر الخام ويبلغ انتاجها من الشمندر السكري عشرة آلاف طن ومن التكرير 90 ألف طن ويسوّق كامل الانتاج محلياً ولا يكفي حاجة البلاد التي تزيد على 300 ألف طن. في المجال ذاته قدر الخبراء ان تتعرض "المؤسسة العامة للصناعات الغذائية" لخسارة مادية تراوح بين 700 مليون وبليون ليرة والى "توقف نسبي" لحوالى الف عامل في حال تطبيق اتفاق الشراكة مع الاتحاد الاوروبي. وترتبط شركات المؤسسة حالياً بعلاقات تبادل تجاري مع دول الاتحاد وزادت قيمة صادراتها عام 1995 على عشرة ملايين دولار وكان اهمها اللنت والبصل المجفف والفستق السوداني. واقتربت وارداتها من دول الاتحاد من ثمانية ملايين دولار وكان اهمها الحبيبات البلاستيكية والآلات والتجهيزات والزبدة وعطر الصابون. وتضم "غذائية" 21 شركة ومصنعاً لانتاج الحليب وانواع المربيات والكونسروة وربّ البندورة والبسكوت والشوكولا والبصل المجفف والفستق السوداني بالاضافة الى الزيوت النباتية ومخلفات انتاج وتصنيع بذور القطن اللنت والصابون والألبان والزبدة والسمنة. ويزيد الانتاج المحلي من الكونسروة والمربيات ورب البندورة على حاجة السوق المحلية خصوصاً اذا ما اضيفت اليه انتاج الشركات المثيلة في القطاع الخاص، ولم تستطع هذه الشركات حتى الآن دخول الاسواق الاوروبية على رغم المزايا الممنوحة لسورية من قبل دول الاتحاد لغياب التعبئة والتغليف الجيد الذي ينسجم ويتفق مع ذوق المستهلك الاوروبي. ويطالب القائمون عليها بتأمين الحماية اللازمة لها في المراحل الاولى والحالية وادخال التقنيات الحديثة للانتاج والتعبئة وانتاج سلع ترضي ذوق المستهلك الاوروبي في المستقبل يكفل لها المنافسة. واقترح المعنيون على المفاوضين "التعويض" على الشركات الصناعية العامة والمتضررة بما يغطي خسارتها المتوقعة وتقدر بنحو عشرة بلايين ليرة وتوفير فرص العمل الممكن تحريرها او الفائضة نتيجة توقف بعض الخطوط الانتاجية او الشركات التي لا تستطيع المنافسة. وتقدر هذه العمالة في القطاع الصناعي بتسعة آلاف عامل مع الاستفادة من الامكانات المتاحة لعدد كبير من الشركات غير القادرة على المنافسة مباشرة من خلال تطويرها وتحديثها او تغيير مجال استثماراتها وبالتالي نقلها الى شركات قادرة على المنافسة. واشار تقرير رسمي الى ان السلع الاوروبية ذات الجودة العالية ستكون منخفضة السعر اذا قورنت بالسلع السورية خصوصاً سلع الصناعات التحويلية ما يستدعي تحديث خطوط الانتاج الحالية وتطويرها باستمرار بما يتفق مع التغييرات الفنية التي تنتج عن اعتماد خطط للاستبدال والتجديد وتنفيذها وتؤدي الى استبدال الآلات والخطوط القديمة التي انخفض جدوى استخدامها اقتصادياً وفنياً حسب الضرورة والفترات الزمنية وبما ينعكس ايجاباً على السلعة المنتجة. ودعا الخبراء الاقتصاديون القائمون على هذه الشركات الى الاهتمام بالتعبئة والتغليف لدورهما الكبير في تسويق السلعة على رغم جودة محتوياتها في اغلب الاحيان. و"فتح مراكز ومعاهد متخصصة لتخريج العمال والفنيين المتخصصين بالتعبئة والتغليف وتوفير اقامة المشاريع الصناعية القادرة على تقديم العبوة الجيدة شكلاً وحجماً ونوعاً وقادرة على ارضاء وتحقيق رغبة المستهلك في اقتنائها". واقترح الخبراء اعادة النظر في بنود التكاليف وحسابها وفق الأسس العلمية الصحية واستبعاد البنود التي لا ترتبط بالعملية الانتاجية وبالتالي تحديد الاسعار وفقاً لنود الكلفة الفعلية. كما ان اعادة النظر في استهلاك الاصول الثابتة بما يتفق مع عمرها الانتاجي والزمني تقود الى خفض الكلفة ثم الاسعار وزيادة قدرتها على المنافسة مع التأكيد على اعتماد سعر صرف واحد يتفق ويتساوى مع اسعار القطع في الدول المجاورة لتحسين فرص التصدير وزيادتها دون تحمل اعباء اضافية تتعلق بوجود اسعار صرف متفاوتة.