طلب الرئيس بيل كلينتون من الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة إقامة تعاون أمني وعسكري بين الولاياتالمتحدةوالجزائر لمواجهة خطر الجماعات الإسلامية المسلحة التي هددت الأمن الداخلي في البلدين. وشدد كلينتون في برقية وجهها إلى بوتفليقة، مساء الثلثاء، على أهمية "تحقيق المزيد من التعاون من أجل مواجهة أولئك الذين يريدو إلحاق الضرر بمواطنينا والتعرض بطريقة عنيفة لأنظمتنا السياسية"، في إشارة إلى عناصر الجماعات الإسلامية المسلحة التي وسعت دائرة نشاطها إلى الولاياتالمتحدة في ما عرف إعلامياً بقضية الجزائري أحمد رسام. وفي هذا الإطار زار مسؤولون في الاستخبارات الأميركية الجزائر قبل أيام لتبادل المعلومات مع مسؤولي الأمن الجزائري عن الجماعة التي ينشط ضمنها أحمد رسام. وقال الرئيس الأميركي إن "الأحداث الأخيرة أبرزت الضرورة الملحة لمثل هذا التعاون"، في إشارة إلى المخاطر التي برزت على الأمن الداخلي للولايات المتحدة سواء خلال لقاء منظمة التجارة العالمية في سياتل أو عشية احتفالات الألفية. وأشاد كلينتون، في الوقت نفسه، بقرار العفو عن عناصر الجماعات المسلحة التي التزمت الهدنة منذ الأول من تشرين الأول اكتوبر الماضي تحت لواء الجيش الإسلامي للإنقاذ. وتمنى في برقيته "ان يعمل قراركم الشجاع القاضي بالصفح عن الجزائريين الذين عدلوا عن اللجوء إلى العنف على اقناع كل الجزائريين بالانضمام إلى مسار المصالحة الوطنية"، مسجلاً في السياق ذاته بدء الجزائر "تدريجاً الخروج من أزمتها من خلال تشجيع التناوب السياسي بالطرق السلمية". وعبر كلينتون عن دعمه للجهود التي يبذلها بوتفليقة "في مكافحة الارهاب في إطار احترام دولة القانون". وجدد التزام المجموعة الدولية التعاون في مجال مكافحة الارهاب في ضوء اتفاق شرم الشيخ في هذا الشأن. وفي سياق هذه التطورات، استقبل بوتفليقة أمس مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط وشمال افريقيا إدوارد هولبروك الذي يزور الجزائر حالياً. وقالت مصادر مطلعة إن هذه الزيارة تمحورت أساساً على كيفية تنسيق التعاون الأمني والعسكري بين البلدين، خصوصاً في ظل تنامي مخاطر الجماعات المسلحة الجزائرية في الخارج. وأضافت المصادر نفسها ل"الحياة" ان مساعد قائد الاسطول الأميركي السادس الأميرال دانيال مورفي اجتمع خلال الأيام الماضية مع مسؤولين في المؤسسة العسكرية الجزائرية، وأنه تم الاتفاق مبدئياً على اجراء مناورات عسكرية مشتركة في المياه الاقليمية للجزائر خلال النصف الثاني من السنة الجارية. ولفتت المصادر نفسها إلى أنها المرة الأولى التي يرتقي مجال التعاون العسكري بين البلدين من تمرينات بحرية إلى مناورة مشتركة بين البحرية الجزائرية والاسطول السادس. وكان التعاون الأمني والعسكري بين البلدين شهد انتعاشاً قبل أربع سنوات بعد فتح الولاياتالمتحدة المجال أمام الجزائر للحصول على معدات حربية حديثة في إطار مكافحة الارهاب. توقع وقف العنف إلى ذلك، توقع السفير الأميركي في الجزائر كامرون هيوم ان ينتهي الارهاب "الذي تسبب في الآلاف من القتلى وهدد استقرار الدولة، قبل كانون الثاني يناير 2003". وذكر بأن "الرغبة في عودة السلم ستهيمن". وفي مقال نشرته صحيفة "لوماتان"، هو الثاني من نوعه ينشر في الصحافة الجزائرية منذ اعتماده سفيراً في الجزائر في أيلول سبتمبر 1997، عبر السفير الأميركي عن استشرافه لمستقبل الجزائر خلال عهد بوتفليقة، خصوصاً في الجانب السياسي. وتوقع "اجراء انتخابات تشريعية ومحلية قبل سنة 2004 تؤكد نية الشعب الجزائري في العمل من أجل الديموقراطية، وستُظهر ان نظام الأحزاب السياسية ما زال في تطور. ومثل اليوم، فإن المرشحين الفائزين سيتكونون من وطنيين وإسلاميين وتقدميين". وشدد السفير هيوم على أن السلم "ليس أهم من إعادة الاستقرار الداخلي، إذ يصبح الجزائريون قادرين على العمل سوياً والمخاطرة بالاستثمار في بلدهم، وبالتالي جلب الشركاء الأجانب للاستثمار أيضاً. فعنف هذه السنوات العشر الأخيرة لم يتسبب فقط في الموت والدمار وإنما أيضاً في عدد لا يحصى من الفرص الضائعة". وعن أوضاع حقوق الإنسان التي تركز عليها منظمات دولية عدة غير حكومية، يرى السفير الأميركي ان "حال حقوق الإنسان ستواصل تطورها مرتكزة على قوة الصحافة المستقلة الجزائرية وعلى اصلاح في العدالة". وفي الجانب العسكري يتوقع السفير أن تنجح الجزائر في إقامة علاقات أمنية حسنة خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً مع كل من "أوروبا والدول العربية والولاياتالمتحدة". وقال هيوم إن الجزائر ستشهد قبل نهاية عهد الرئيس بوتفليقة تحسناً في الاستثمارات. وأشار إلى أنه "سيتم توفير نحو 250 ألف منصب عمل جديد كل سنة"، كما ان "الديون الخارجية ستتقلص والاستثمار الأجنبي سيزيد بأكثر من 15 بليون دولار في قطاعات الطاقة والاسمنت والفوسفات والمناجم والاتصال"، مشيراً في هذا الجانب إلى أن "الدخل المتوسط للشخص سيزيد ب5 في المئة سنوياً"، كما سجل إمكان تعزيز "التعاون الاقتصادي بين دول المغرب العربي". وقال إن هذه التوقعات مبنية على أساس "الاختيارات التي سيقوم بها الجزائريون في السنوات الأربع المقبلة"، الأمر الذي قد يفتح المجال أمام هذه "التوقعات كي تكون واقعية وحتى تحقيق نتائج أفضل". 6 آلاف مسلح من جهة أخرى، قال بوتفليقة إن عدد الذين وضعوا السلاح منذ توليه الرئاسة في نيسان ابريل الماضي حتى انتهاء مهلة قانون الوئام المدني في 13 من الشهر الماضي، تجاوز ستة آلاف عنصر، استفادوا من تدابير قانون الوئام المدني والعفو الرئاسي. وأكد أن الوضع الأمني تم التحكم فيه بنسبة 99 في المئة، موضحاً ان 80 في المئة من عناصر الجماعة الإسلامية المسلحة التي يقودها عنتر الزوابري استفادوا من تدابير قانون الوئام المدني قبل ان يؤكد أن هذا التنظيم المسلح كان يستهدف بالدرجة الأولى المنشآت الحكومية والعسكرية ورجال الأمن وبدرجة أقل المدنيين، وهو ما اعتبره مراقبون بأنه تصريح مثير لأنه استبعد في شكل غير مباشر تورط عناصر "الجماعة" في مقتل المواطنين. وذكر بوتفليقة في حديث لشبكة التلفزيون الفرنسية "ال. سي. اي" بث ليل الأربعاء - الخميس، ان الذين وضعوا السلاح يعتبرون "مواطنين عاديين كغيرهم من المواطنين". وأضاف: "ليس في نيتي وضع مواطنين من الدرجة الثانية واعتقد بأنهم يستحقون أن يكونوا مواطنين بكامل حقوقهم". وبعد تأكيد علمه بالأسباب التي دفعت عناصر الإنقاذ إلى الالتحاق بالجبال لحمل السلاح ضد الدولة ومدى خطورة ذلك، قال الرئيس بوتفليقة: "أنا شخصياً لو مررت في الظروف نفسها لكان مصيري مثل هؤلاء"، في إشارة إلى ان عناصر الجماعات المسلحة اضطروا الى حمل السلاح، وهو تصريح مهم يصدر للمرة الأولى من مسؤول في مستوى الرئيس في الدولة. وعن مدى قدرته التخلي عن قيادات الجيش الجزائري في الوقت الحالي من خلال إقالة بعضهم، قال بوتفليقة "ان الوضع الأمني لا يسمح لي بذلك ... إسألهم هم الجنرالات ان كان في امكانهم التخلي عني ان استطاعوا". وهي المرة الأولى التي يعود فيها الرئيس الجزائري الى الحديث عن جنرالات الجيش منذ انتهاء قانون الوئام المدني في 13 من الشهر الماضي. الدول الأجنبية والأزمة وكان بوتفليقة ارجع صعوبة تفكيك خيوط الأزمة الجزائرية والقضاء نهائياً على جذور العنف الى وجود تدخلات أجنبية في الأزمة. وقال: ان "لهذه الأزمة أسباباً لا نتحكم فيها وتعود الى تدخلات أجنبية ... وجدت اعواناً لها في الجزائر لتنفيذ استراتيجيات أعدت في بعض العواصم". وخلال توديعه الرئيس المالي، مساء الاثنين، في مطار الجزائر أعرب بوتفليقة عن ارتياحه الى الوضع الأمني وقال: "بالنسبة الى ما تبقى من أعمال مسلحة فإن للدولة الجزائرية حقاً في الوجود وفي ضمان الأمن للجزائريين ولغير الجزائريين وحماية الممتلكات"، في اشارة واضحة الى نياته استخدام كل الوسائل العسكرية ضد الجماعات الرافضة للوئام المدني. وأكد بوتفليقة ان "الدولة الجزائرية ستمارس هذا الحق وان لم يرق ذلك المنظمات التي تريد أن تلقننا دروساً في الديموقراطية وحقوق الانسان والتعددية والحرية". وذكر بأن دولة القانون تشيد تدريجاً وانه "لا يمكن تشييدها على أساس الفوضى ووفق ما يروق لكل مجموعة صغيرة تؤسس هكذا وتجعل من هذه الفوضى تجارة". وقال ان "الدولة لن تتردد في استخدام كل الوسائل لضمان النظام والأمن لجميع الجزائريين" وهي اذ تقوم بذلك لن تقوم به "الا استجابة لنداء الشعب كما صدر وتقرر في 16 أيلول سبتمبر من السنة الماضية". وأضاف: "كان لا بد على القادة في هذا المستوى من المسؤولية من خلق وضع يشعر المرء فيه بارتياح الضمير كل الارتياح" مع نزول آخر العناصر المستفيدة من العفو الرئاسي. وفي الرباط "الحياة" من المقرر ان يصل هولبروك غداً الى المغرب في اطار جولته على منطقة الشمال الافريقي. وسيجتمع المسؤول الأميركي مع كبار المسؤولين المغاربة للبحث في التطورات الاقليمية، خصوصاً مستقبل العلاقة بين المغرب والجزائر وقضية الصحراء الغربية، اضافة الى الجهود الجارية في شأن عملية السلام في الشرق الأوسط. وقالت مصادر أميركية ان واشنطن مهتمة باستقرار منطقة الشمال الافريقي، وان خطتها في شأن الشراكة مع كل من المغرب وتونس والجزائر تعتمد على حلحلة العلاقات السياسية بين البلدان المعنية. وسبق لإدارة الرئيس كلينتون ان تمنت على الرباطوالجزائر تعزيز علاقاتهما الثنائية، ورصدت خمسة ملايين دولار في موازنتها السنوية الأخيرة لانعاش الشراكة الاقتصادية مع البلدان الافريقية. وستزور بعثات اقتصادية من الشمال الافريقي واشنطن في نيسان ابريل المقبل لدرس مجالات التعاون.