اكد "أمير الجيش الاسلامي للانقاذ" المنحل في منطقة القل، شرق الجزائر، مصطفى كبير شقيق رابح كبير ل"الحياة" ان جيش الانقاذ لم يحمل السلاح من اجل قيام الدولة الاسلامية ولا من اجل شيوخ الجبهة الاسلامية للانقاذ، وانما دفاعاً عن حق عناصره في الوجود والمواطنة. واشار الى انهم جميعاً كانوا مناضلين في الجبهة الاسلامية خلال فترة العمل السلمي. واعلن ان "اتفاق الهدنة" بين "جيش الانقاذ" والسلطة الجزائرية لا يزال "غضّاً" واعتبر ما حدث من معارك بين قواته وقوات الامن بأنها بمثابة "حرب بين جيشين". ونفى وجود اسرى لدى جيش الانقاذ. واتهم جماعة عنتر الزوابري الجماعة الاسلامية المسلحة بأنها وراء المجازر التي وقعت في غرب البلاد ووسطها. وكشف ان "الأمير الوطني" ل"جيش الانقاذ" السيد مدني مزراق انتُخب ديموقراطياً في اقتراع سري شاركت فيه قيادات "الانقاذ" في الغرب الجزائري وقيادات الشرق. "الأمير" مصطفى 38 سنة من الثقاة لدى مدني مزراق وأحد رجاله في الاتصالات مع بقية التنظيمات المسلحة في غرب الجزائر ووسطها. وهو يحمل شهادة ليسانس في اصول الفقه. وكانت بداية عمله السياسي السري مع جماعة الشيخ عبدالله جاب الله في الثمانينات، ثم التحق ب"الانقاذ" في 1989 ورأس مكتبها في منطقة القل واصبح مدرّساً في ثانوية في القل. وعندما تمت مطاردته بعد توقيف المسار الانتخابي في 11 كانون الثاني يناير 1992 دخل العمل السري ليحمل السلاح عام 1993 ويقود جماعة مسلحة. وله سبعة اطفال يحملون اسماء ذات علاقة بالحرب مثل "سياف" و"حسام" و"جنيد" و"جهاد". التقيناه في بيته في القل على بعد 500 كلم شرق العاصمة، بعدما وجدنا صعوبة في الوصول اليه بسبب رفض المواطنين ارشادنا الى منزله، وكان هذا اللقاء: ما هي المبررات الحقيقية لحملكم السلاح؟ وهل لها علاقة بالدعوة الى قيام الدولة الاسلامية في الجزائر؟ - بدأت السلطة تطاردني عام 1991، بعد اضرابات الانقاذ. ثم تراجت عن ذلك، فبقيت في حذر واحتراز مما جعلني بمنأى عن الاعتقال عندما عاودت السلطة المطاردة بعد توقيف المسار الانتخابي في 11 كانون الثاني 1992. ومع ذلك، لم احمل السلاح الا عام 1993، ولم اتعامل مع من حمل السلاح في شكل مباشر. لكن في الفترة 92-1993 بدأت في الاتصالات بعناصر "الانقاذ" وعبر كل التراب الوطني للبحث عن مخرج. وعندما استنفدنا جهدنا وطاقاتنا الفكرية والجسدية من اجل ايجاد حل، وتبين للجميع - داخل البلاد وخارجها - ان الحل السياسي غير ممكن حتى لمسألة وجودنا كوجود ولحقوقنا في المواطنة، لم يبق لنا سبيل غير الخيار بين السجن والاعتقال او النفي الى المجهول. ووجدنا انفسنا مضطرين الى ايجاد مخرج نختاره نحن ولا يُفرض علينا - على رغم انه في حد ذاته مفروض علينا في شكل غير مباشر. عندما تُخيّر ما بين السجن او الذهاب الى المجهول المطلق او ان تجد مخرجاً آخر تعرف به بداية، فلا بد ان تختار حريتك. والافضل ان تكون حراً من ان تقبل ازالتك من الوجود او الحياة في شكل لا تعرفه. وكانت الاولوية دائماً هي الدفاع عن الذات وليس العمل من اجل قيام الدولة الاسلامية. لماذا اتصلتم بغيركم قبل الالتحاق بالجبل؟ - السبب هو البحث عن ايجاد مخرج لوجودي اولاً، ثم البحث عن عمل سياسي مشترك. ولا اعتقد ان عاقلاً يفكر في الجانب السياسي او الاعلامي او الدعوي وهو مهدد في كينونته. عندما تُهدد في كينونتك لا مجال عندك للتفكير في السياسة ولا حتى في الطعام احياناً. لو وجدنا حلاً خارج اطار الحرب لما ترددنا في ذلك. اما وقد اغلقت كل اسباب الوجود فعندئذ لا مفر من ان تدافع عن الحق في الوجود، وبعد ذلك يأتي ضمنياً الحق المترتب عنه وهو المواطنة. قبل التحاقكم بالجبل كانت هناك جماعات مسلحة عدة. فبمن التحقتم؟ - لم اتصل اطلاقاً بأي مجموعة ممن حملوا السلاح بنية الانتماء اليهم. من التقيتهم لم يكن منهم احد يحمل السلاح. وبالنسبة الى الولاية التي انتمي اليها سكيكدة، كنت اول من صعد الى الجبل وحمل السلاح، وكانت اسلحتنا في البداية عبارة عن بنادق صيد كنّا نملكها في بيوتنا. وكيف عيّنت نفسك "اميراً" على منطقة القل في ولاية سكيكدة؟ - عندما سلكت هذا الطريق كنت اول من دعا الى حمل السلاح في هذه الجهة. وكل من أتى بعدي فهو لاحقٌ. فبالضرورة - في بداية الامر - ان يكون تابعاً لا متبوعاً، ثم بعد ذلك - لما توسعت دائرة المشاركة - طرحنا اعادة انتخاب القيادة، انطلاقاً من ذلك الواقع الجديد داخل الامارة الواحدة قبل قيام جيش الانقاذ. وتم انتخابي في المنطقة بالإجماع على ان اكون "أميراً" على هؤلاء الاخوة. وما موقع "المفتي" في تنظيم الامارة؟ - بالنسبة الى "جيش الانقاذ" لم يكن عندنا عناصر للفتوى. ولكن كان لنا رجال يشهد لهم اخوان من خلال ماضيهم الدعوي والعلمي بأنهم اقدر من غيرهم، فكان تأهيلهم لأن يتولوا الاشراف على التوجيه الشرعي للمسألة ولا اقول الفتوى. وهذا الاشراف مرتبط بما هو معروف لدى اهل العلم، وما هو مستحدث لا اجتهاد او فتوى فيه، لاننا لسنا أهلاً لذلك. اما ما فيه عند اهل العلم اقوال وآراء اجتهادية فنختار منها ما نراه اقوى دليلاً واكثر مصلحة من منطلقات المرجّحات الشرعية. وبالنسبة الى من نفّذتم فيهم الاعدام باعتبار ان لهم علاقة بالسلطة. هل تمت محاكمتهم؟ وكيف؟ - نحن لم نمارس عملية القتل ضد اي شخص لم يحمل السلاح في شكل علني او في شكل سري. ومن فعل ذلك فإنه يدخل في القاعدة العامة التي انطلقنا منها، وهو انه اراد قتلي فلا بد من الدفاع عن النفس. ولهذا لن تجد شططاً في الفهم او الفكرة او الفقه لدى جماعتنا، قديماً او حديثاً، ولن تجد غلوّاً في نظرتنا الى الصحافة على رغم اختلافنا معهم واختلاف وجهات نظرهم معنا، على رغم وصفهم لنا بما وصفوه، ومحاربتهم لنا بالقلم كيفما شاؤوا. اذ اننا نؤمن بأن من حاربنا بالقلم حاربناه بالقلم، ومن حاربنا بالسلاح فلا مفر من حمل السلاح ضده. هل ستلجأون الى حمل السلاح مجدداً؟ - نعتقد ان الاصل في الامور السلم. ونحن نؤمن بذلك، وعملنا على ذلك. الحرب امر طارئ لا يلجأ اليه انسان الا - كما سبق ووضّحت - عندما تنسدّ كل الابواب. ونأمل من كل قلوبنا ألا يُفتح باب الحرب ثانية من اي كان. ماذا تقول عن "جيش الانقاذ" مقارنة بالجماعات الاسلامية المسلحة الاخرى؟ - كنا نكفُرُ ابتداءً بالجماعة الاسلامية المسلحة، لأن الفكر الذي كانت تحمله هذه الجماعة يومها كنا نرفضه جملة وتفصيلاً، لاننا كنا ندرك انه سيوصل الامة الى النتيجة المقبلة. ولذلك كانت مسيرتنا دائماً في اطار الجبهة الاسلامية للانقاذ. وعلى رغم انها لم ترفع رسمياً الجهاد، فإننا كنّا من منطلق انتمائنا اليها انطلقنا ميدانياً باسمها الى ان استطعنا ان ننظّم انفسنا، ونعطي لها إسماً، سمّيناه "الجيش الاسلامي للانقاذ". وكأي ثورة من الثورات او مجموعة مسلحة لا بد ان تبحث في المجال المحيط بها عمّن يؤمن بمبادئها واهدافها للتكفل بها في شكل اكبر. وهكذا بدأت الاتصالات على مستوى الشرق الجزائري وتكوّنت علاقات في بداية 1993 من الذين يؤمنون بنفس ما نؤمن به. وحاولنا الاتصال بمن حولنا، ولو خالفنا الرأي، من اجل اقناعه بالحد الأدنى الذي يمكن ان يجمعنا ويحفظ بقاءنا في اطار الشرعية، الى ان تكوّنت هذه المجموعة من خلال اللقاءات والاتصالات والمدارس والمجالسات، وتكوّنت النواة التي سمّيناها اللجنة العسكرية للشرق الجزائري. ومع اتصالنا بالغرب تكوّنت اللجنة العسكرية للغرب. ولماذا تأخر تكوين اللجنة العسكرية في الوسط، علماً بأنكم اتصلتم شخصياً بجماعة الوسط؟ - ربما لعدم وجود عناصر تؤمن في شكل كبير بمبادئ الجبهة الاسلامية للانقاذ على مستوى الوسط، وتتبنى المشروع نفسه وتقبل تبعاته. فعدم الاستجابة لم يكن بسبب عدم تبني المشروع فحسب بل بسبب وجود جماعات اسلامية مسلحة متعددة تحمل افكاراً في تنظيمات خاصة، وغياب شخصية جامعة لها في الوسط عكس الغرب والشرق. ولهذا كان من الصعب التنسيق بينها. ولماذا لجأتم الى تبني هيكلة ثورة اول نوفمبر في التنظيم العسكري لجماعتكم؟ علماً بأنهم ضد هذه الثورة وقياداتها؟ - قولكم اننا ضد الثورة يحتاج الى وقفة باعتبار اننا ابناء مجاهدي الثورة. فنحن قمنا بثورة امتداداً للثورة التحريرية لأننا آمنا بكثير من مبادئها واهدافها. اما اختلافنا مع ادبيات الثورة او بعضها فهو مسألة طبيعية، لأننا لم نعش تلك الثورة. لكنه اختلاف على الجزئيات لكون الثورة عظيمة وانحرفت. وهذا الانحراف حصل مع نهاية الثورة وهو ما يشهد به رجالها انفسهم. واذا اختلف من صنعوا الثورة حول بعض جزئياتها فمن البديهي ان نختلف معهم ليس في الاصل وانما في الفروع، باعتبار ان الثورة لم يسمح رجالها بالتقويم والتقييم، بل تعدى الامر الى منعنا من حق الوجود. وفرض علينا رفع السلاح لهذا الغرض. اما موضوع تقويم الثورة فما زلنا نؤمن به، وبأن يتم بطرق سلمية لأن الفكرة ينبغي ان تناقش وتحوّر وتحوّل بالفكرة. ويوم نثبت وجودنا - مثلما هو الآن - عندئذ نقوّم الفكرة بالفكرة. يقال ان لكم دوراً مهماً في ظهور "جيش الانقاذ" بقيادة مدني مزراق؟ - لست الوحيد الذي تحرك وانما انا واحد منهم. كان تحركنا من منطلق تجميع الناس حول فكرة نؤمن بها في مقابل افكار خاطئة نراها ونعيشها في الواقع، ونخشى على من يحمل هذه الافكار ان يوصل الامة في النهاية الى نتائج عكسية. وحرصنا، كل الحرص، على ان نبيّن افكارنا. وتبيين الافكار السليمة يتطلب اتصالاً وحركة. فكان لا بد من الحركة والاتصال، سعياً الى جمع من يحملون السلاح حول فكرة الاسلام بصفاته، وهو يمارس السلم، وان الاسلام الذي ندعو اليه يحمل في طياته مبادئ الانقاذ للبلد، من وضع متأزم. وسعينا لتحقيق هذا المعنى عبر مرحلتنا الجهادية كلها. ومن منطلق واقع البلاد الذي تعفن بفعل فاعل مختلف الهوية من حالة الى اخرى، اندفعنا الى انقاذ البلد مع رجال صادقين. ماذا لو نتحدث عن "حركتكم" التي دخلت التاريخ بعد حلّ نفسها بنفسها؟ وأريدك ان تحدّثني كمواطن عادي له كل الحقوق والواجبات؟ - اما اننا مواطنون عاديون لنا كامل الحقوق فهذا امر صحيح. واما الحديث عما اصبح تاريخاً في ما ترى، فلا اراه صحيحاً. اذ لا يزال هذا التاريخ غضّاً يحتاج الى بعض من الوقت حتى تمكن مناقشة جزئياته. ما أعرفه انكم كنتم تمثلون قيادات الشرق لي لقاءاتكم بالغرب والوسط. فكيف تم تعيين السيد مدني مزراق على رأس "الجيش الاسلامي للانقاذ"؟ - هذه المعلومة ليست دقيقة. فنحن كنا نتصل بغيرنا ونتبادل الافكار والآراء. وباعتباري احد المتحركين، فقد ناقشت مثل البقية مع غيري اهم الافكار والمبادئ والاهداف المرتبطة بالتنظيم، وكان لا بد من اختيار عنصر يتولى قيادته. وبعد لقاءات متكررة حصل لقاء رسمي حضرته معظم العناصر القيادية في الشرق وبعض العناصر القيادية في الغرب وبتفويض من العناصر التي لم تحضر. وحصل عندئذ التعيين او الاختيار او ان شئت بلغة أدقّ الانتخاب. انتخاب أم مبايعة؟ - عندنا لفظة المبايعة لكن لم نقم بها في شكل رسمي، لأن لفظة الانتخاب كانت سائدة حتى في عصر النبي صلى الله عليه وسلّم. وما دام الانتخاب لغة هو الاختيار فقد انتخبنا مدني مزراق بغالبية ساحقة، وتمت العملية في شكل سري عبر اقتراع بالاوراق. تقصد الاجماع المطلق؟ - الاجماع المطلق لم يحدث حتى للنبي محمد صلى الله عليه وسلّم. وهل تم تبليغ شيوخ الجبهة الاسلامية بنيتكم في انشاء التنظيم المسلح؟ - الاتصالات كانت صعبة وليس من الهيّن الوصول الى ما كانوا في السجن. اما من كانوا في الخارج فقد تم ابلاغهم بذلك. هل انتم جناح مسلح للجبهة الاسلامية للانقاذ؟ - الشيوخ لم يتبنوا هذا في شكل نهائي على رغم اننا جناحهم المسلح، لاننا نعتقد اننا جزء من الكل. من اي زاوية تنظر الى رسالتي الشيخ عباسي مدني اللتين ايّدتا الهدنة عامي 1997 - 1999؟ هل هي محاولة لقطف ثمارها ام استقطاب سياسي جديد؟ - يقول النبي صلى الله عليه وسلّم: "انت ومالك لأبيك". وباعتبار ان أبوّة هؤلاء الشيوخ مقبولة ومُعترف بها فنحن وما لنا لأبينا. عندما أفرجت السلطة عام 1994 عن الشيخين علي جدي وعبدالقادر بوخمخم، كيف كان اتصالهما بكم؟ - بالنسبة الى الاتصالات بنا فإنها كانت طبيعية. لأن اطلاقهما كان لهذا الغرض، وهو اجراء اتصالات مع الذين يحملون السلاح لتحقيق نتيجة. وقد التقيناهما وناقشنا معهما كل المسائل، واخذا فكرة عن واقع المسلحين. وبالنسبة الى مساندتنا الشيوخ فقد اصدرنا بياناً في هذا السياق وهو اننا وراءهم في كل ما يتخذونه من قرارات. لكنكم لم تدينوا العنف، كما كانت تهدف السلطة من وراء ذلك؟ - اولاً، لا يمكن حصول هذا الامر، وهو اصدار بيان لإدانة العنف، لانه لم يكن المطلوب منهما جدي وبوخمخم تحقيق ذلك. بل كان الهدف تحقيق الاتصال مع المسلحين وايجاد ارضية لما هو اكبر. ثانياً، السؤال آنذاك كان مطروحاً في شكل آخر، وهو اي عنف يُدان؟ القضية لم تكن مطروحة في ادانة العنف فقط. وما تفسيركم للاتصالات "الموازية" التي اجرتها المؤسسة الامنية معكم قبل فشل الاتصالات مع الشيوخ عام 1995؟ - لم تكن هذه الاتصالات بمعنى الموازاة التي تعني استغلال هذا الطرف لضرب الآخر، حتى وان كانت نيّة السلطة ذلك. فنحن لم نلحظ ذلك اولاً، ولم نقع في هذا الفخ ثانياً. عندما أُغلق ملف شيوخ الانقاذ ونُقل من الرئاسة الى وزارة الدفاع عام 1995. ما هي الضمانات التي قُدّمت لكم، وسأعتبر كلامكم غير ملزم لغيركم؟ - الهدنة لا تقع في السلم او السياسة وانما تقع في الحرب، وهي مرحلة من مراحل الحرب، وتحتاج الى ضمانات لمهادنة بعضنا البعض، وهي تُطرح بين المتحاربين. يطرحها طرف فيستجيب الآخر، او تناقش في شكل رسمي من الطرفين، واحياناً من طرف واحد. ولم نكن يومها في حاجة الى الضمانات التي تنطلق منها في شكل كبير، ومع ذلك كانت هناك تعهدات ببعض الاجراءات تحققت ميدانياً. ما دامت هذه الامور غير موقّعة رسمياً، حسب تصريح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، فهل في حال الحرب تكون للرجال كلمة غير الرصاص؟ - لكن في الحرب ليس كل ما يُعرف يُقال. هذا هروب من الاجابة. - اعتقد ان في "اتفاقات ايفيان" بين الجزائروفرنسا جزئيات بدأ سريان مفعولها عامي 1966 - 1967. فهل كانت معروفة هذه الجزئيات عند توقيع الاتفاقات في 1964. هل ما تحقق، في رأيكم، كان كافياً للتخلي عن السلاح؟ - من منطلق ان الحرب بدأت حول موضوع حق الوجود فاعتقد انه اصبح بعد الهدنة واضحاً. فقد تم وضع السلاح من المنطلق نفسه، بعد ان تجسد ذلك في العفو الشامل الذي يعطي لنا حق المواطنة وبقية الحقوق المدنية والسياسية. واين هو الحل السياسي المنشود؟ - لا اعتقد ان المشكلة حُلّت امنياً. لان الحل الامني يتم عبر المحاكم او باستعمال القوة. صحيح كانت السلطة تسير نحو الحل الامني الذي يقتضي الخروج بنتيجة من منطلق سياسة العصا. اما ما حصل فهو قرار سياسي. فكيف يكون العفو قراراً سياسياً والحل امنياً؟ العفو الشامل لا يكون الا عن المجرمين اما اعادة الاعتبار لوجودك ومواطنتك فشيء آخر؟ - في واقع الدول والتاريخ، وفي كل حرب، لا بد وان يتم انهاؤها بعفو، والعفو في نظرننا لا يحمل المضمون اللغوي الذي تتحدث عنه، لأن له ابعاداً سياسية وقانونية. وكل مصطلح له تعريفه اللغوي والاصطلاحي وهما ليسا متطابقين. فقد يأخذ المعنى الاصطلاحي جزءاً من التعريف اللغوي. وعندما يكون محدوداً في 3500 عنصر، ألا يدلّ على عدم شمولية العفو؟ - لم يكن العفو بعد عفواً شاملاً، ولا يزال جزئياً، وانا معك في هذا التحديد. فعلى رغم انه قرار سياسي ولا يحمل المعنى الذي سبق ان أشرت اليه، فإننا نسعى الى ان يحصل ذلك في المستقبل ليشمل الجميع. هناك من دعّموا هدنتكم من الشيوخ، وفي مقدمهم الشيخ رابح كبير الناطق الرسمي باسمكم. فما موقعهم الآن منكم؟ - لا اعتقد انهم ينتظرون الشيء الملموس ليثقوا فينا، ذلك انهم وثقوا فينا فعلاً. وما داموا واثقين فينا فأعتقد ان لديهم من المعلومات ما يجعلهم واثقين في صحة ما فعلناه. نحن نريد ان نذيب الكثير من المبررات التي وجدت من قبل وانبنى عليها وجودنا في الجبل ووجود اخوان لنا مُطاردين يباشرون عملهم سياسياً في الخارج او في السجون. وكذلك وجود عمال مطرودين. وهي كلها ملفات سنظل وراءها الى ان تُحل ملفاً ملفاً. لنكن اكثر وضوحاً: الاتفاق في شقه السياسي مجرد وعود. كيف يمكنك الدفاع عن وعد وانت مجرد مواطن عادي؟ - العمل السياسي لم يكن اطلاقاً مقولباً في شكل معين. فأنا من موقعي الآن ووضعي القانوني استطيع ان امارس اعمالاً سياسية كثيرة ومتنوعة. وعندي من الحيل القانونية ما يجعلني امارس اعمالاً سياسية وبصورة قانونية. بمعنى انه توافرت لدي امكانية العمل السياسي. اما ان يتحول هذا العمل الى حزب سياسي معين فهذا نتركه لتحسين الوضع. فالسياسة عندنا وسيلة وليست غاية في حد ذاتها. وما دامت وسيلة لا تخدم الآن هدفي فإنني أقدم مصلحة أمّتي وبلدي على مصلحتي الشخصية الى ان يأتي اليوم الذي تزول فيه المفسدة وتعمّ المصلحة. وعندما نجد الغطاء السياسي الواضح سنتحرك في هذا الاطار للدفاع عن الالتزامات. ماذا تقصد ب"الحيل القانونية"؟ - قلت الحيل القانونية لوصفها بالقانونية وهي انني ما دمت مواطناً فبإمكاني ان يكون لي حزب بكامل حقوقه او بإمكاني الانتماء الى حزب آخر، وبإمكاني اللجوء الى الكثير من الاساليب السياسية. ولا يستطيع احد ان يمنعني من هذا الحق بعد ان رُدّ اليّ رسمياً. وما دام الوضع لا يسمح الآن بتحقيق اهدافي، وان السعي في طريق ذلك قد يُفسد ولا يصلح، فمن مصلحة الامة والدولة ان اكون منطقياً وواقعياً. لاحظت في حديثك التركيز على مصلحة الامة والدولة في الوقت الذي صرت فيه مجرد مواطن كان في حزب وتخلى عن قيادته السياسية؟ - كأنّي بك تدعو الى العمل العسكري لتحقيق العمل السياسي! شخصياً، أرى انكم خنتم قضيتكم سياسياً بعدم اشراككم الشيوخ في الهدنة؟ - بهذا الطرح تريد انت وغيرك ان تقول لي ان العمل العسكري في حدّ ذاته قام من منطلق سياسي ولتحقيق عمل سياسي. ولو قلت ذلك لكان الهدف الاسمى قد تحقق. وعندما اثبت لك ان الامر غير ذلك، تريد ان تلصق بي تهمة وهي انني تخليت عن قيادة الشيوخ، وكأنه عندئذ يؤمن بأن العمل السياسي ينبغي ان يُحرر وان يكون عملاً مسلحاً عسكرياً لغرض العمل السياسي. وهذه ازدواجية في الطرح. ماذا لو تشرح لي العلاقة بين السياسي والعسكري في تنظيمكم المسلح؟ وكيف يخوّل لمن في الخارج بالحديث باسمكم خصوصاً وان تنظيمكم حُلّ رسمياً؟ - اجيبك ببساطة بالسؤال التالي: متى دخل الشيوخ الى السجن؟ في حزيران يونيو 1991. - هل كانت هناك حركة مسلحة؟ السلطة تستدل على وجودها بأحداث قمار في الوادي اواخر 1991؟ - حركة قمار دامت اسبوعاً فقط وعندنا علامات استفهام حولها. والسؤال الذي يُطرح: لماذا لم نرفع السلاح آنذاك؟ لو كانت القضية تتعلق بالشيوخ لرفعنا السلاح يومئذ، وصعدنا الى الجبل في حزيران 1991 وليس عام 1993. وانتظارنا هذه المدة يعني ان مسألة اطلاق شيوخ الانقاذ او عدم اطلاقهم ليست مرتبطة بالعمل المسلح. وهذا يعني انه لا يمكن اعتبار ذلك تخلياً عن الشيوخ، لأن التخلي يبدأ من حزيران 1991 وليس من عام 1993. وعندما لم أتبنَ حمل السلاح لاطلاق الشيوخ فهذا يعني انني لم اتخل عنهم، لأن الشيوخ لم ينادوا الى حمل السلاح لاطلاق سراحهم، ولا باتخاذ تدابير غير قانونية والحزب قائم. بل كانوا يدعوننا الى الاستمرار في العمل السياسي السلمي وهم في السجن. هل عدد القتلى في منطقتكم ارتفع بعد الهدنة؟ - ليس صحيحاً، القتلى قبل الهدنة كانوا اكثر. فقد كان القتل قبل الهدنة يرتفع الى 30 عنصراً في دائرتي فقط، في السنة. اما بعد ذلك فصار يُعد على الاصابع. أفهم من هذا انكم كنتم تمارسون القتل؟ وانكم ارهابيون؟ - من الطبيعي ان نكون نحن الذين نمارس الحرب اكثر من غيرنا. اما وصفنا بالارهابيين فمسألة فيها نظر. لأننا كنا نحارب بمفهوم الحرب وهذه مسألة معقولة: فهل كنا نلعب؟ لا بد وان حرباً كانت تجري وقد خضناها بشرف الحروب النظيفة واهل مناطقنا يدركون ذلك. وارفض وصفك لنا بالارهابيين من منطلق التعريف المتعارف عليه. فالارهابي هو الذي يقتل الابرياء والعزّل ومن لا ذنب له. اما من اراد قتلي وحرماني من حق الوجود، فقد حاربني وقاتلني قبل ان اقاتله. بمعنى انه فرض عليّ القتال. لنكن موضوعيين الا ينطبق علينا قول النبي صلى الله عليه وسلّم، "من مات دون ماله فهو شهيد، ومن مات دون دينه فهو شهيد، ومن مات دون عرضه فهو شهيد"، وما دامت اعراضنا انتُهكت وانتُهك حقنا في الوجود فمن حقنا الدفاع عن انفسنا، اذا كان من يذود عن حقه في الوجود ارهابياً فنحن ارهابيون. بهذا المعنى يُفهم ان الشعب كان وراءكم؟ - طبعاً. لو لم يكن الشعب ورائي لما استطعت ان استمر ثماني سنوات في الحرب. هل يحق شرعاً لشخص وراءه شعب حمل السلاح للدفاع عنه؟ - يحق شرعاً، وقد حصل ذلك في فرنسا واسبانيا واميركا وبريطانيا ولا يزال يحصل في الدول العظمى. اما اذا تكلمنا عن الجانب الشرعي فقد حصل ذلك في زمن علي بن ابي طالب، ومعاوية ودولة بني العباس وأمية والدول التي تلتها بعد ذلك. وكل خلافة اسلامية حصل فيها ذلك من حمل للسلاح من اهل العلم والعلماء ممن لا يُشك في دينهم او نزاهتهم او عدالتهم. فالذي يفرض اجتهاداً معيناً على الناس يكون قد فرض فكراً معيناً على الناس. وموقف الإمام مالك رحمه الله واضح ازاء طلب المنصور له ان يعمّم كتابه على الناس، فقال: "لا، وأرفض ذلك، فإنما هو اجتهاد". ما تقوله يحتاج الى توضيح. فالحركات التحررية في فرنسا واسبانيا وبريطانيا ليست لها علاقة بالدين وانما بالاحتلال، اما ما حدث في الدولة الاسلامية فهو داخل الدولة وليس خارجها او لتغييرها. وانتم تنظرون الى الجزائر كدولة كافرة ويختلف الوضع. - شخصياً، انظر الى الجزائر على انها دولة اسلامية وليست كافرة، ولم انظر يوماً الى الشعب على انه كافر او مرتد. لكن حزبكم حمل شعار "لا ميثاق لا دستور، قال الله قال الرسول"؟ - هذا الشعار لا يلزمني، لأنه شعار الجبهة وليس شعار جيش الانقاذ. وحتى اذا حاكمنا الجبهة من هذا المنطلق نحاكمها سياسياً. المعروف عنكم انكم التقيتم قيادات من الحركات الاسلامية المسلحة ممن بادروا الى حمل السلاح. وباعتباركم من هؤلاء الاوائل، هل يمكن تلخيص نشأة هذه الحركة في الشرق الجزائري؟ - موضوعياً من الصعب تقديم معطيات دقيقة، والعنصر البارز في جماعة الشرق هو المرحوم "مصعب" الى جانب رضوان عشير في جيجل وفريد عشي من قسنطينة الثلاثة من القادة الاوائل ل"الجماعة الاسلامية المسلحة". والتقيت بعضهم من اجل محو افكار الغلوّ من اذهانهم وتقريب وجهات النظر التي نحملها. ولكن لم نستطع الوصول الى نتيجة كاملة. بعد موت العناصر القيادية للجماعة الاسلامية المسلحة بدأت تتشكل جماعات هنا وهناك عبر الوطن. والذي لا يجمعه الحق لا يستطيع ان يجمعه الباطل. فهو لا يستطيع ان يجمع قدراً كبيراً من الناس، بل يتشتت اتباعه الى مجموعات بحسب اختلاف المصالح والاهواء والزعامات. ما الذي ترفضه لدى هذه الجماعات؟ - ارفض اصلاً فكرها ومعتقدها، والاشكال فكري وعقائدي اكثر مما هو سلوكي. لأن العاقل يُدرك ان السلوك ترجمة للفكر، وهذا التصور الفكري الذي وجد عند "الجماعة" مع بداية نشأتها. وعند اعلان هذه الجماعة من ميلادها عام 1994 في شكل رسمي، يومها كانوا يحملون فكرة التضليل والتكفير للحزبية والديموقراطية وكل من يتبناهما او يحملهما، تضليل الشيوخ واتباعهم. ومن يلتحق بهم من الانقاذ لا بد وان يتوب عن ماضيه الضال الكافر. فالذي يتبنى فكراً تضليلياً تكفيرياً في مرحلة النشأة، فمن الطبيعي ان نخالفه الرأي. ومن منطلق اننا نحمل معهم السلاح فهم يحاولون التضليل وهذا يؤدي كمقدمة منطقية معلومة الى نتيجة حتمية قاطعة. فالكافر في نظرهم يُقتل، والمرتد يُقتل، فإذا كفّرته لا بد وان تقتله. واذا كفّرته وقتلته لا بد وانه لا يُدفن في مقابر المسلمين. واذا كفّرته لا بد وان تستبيح اهله ونساءه. واذا كفّرته لا بد ان تبيح ماله. هذه هي المقدمات لتلك السلوكيات لدى الجماعات المسلحة. ما وقع بينكم وبين السلطة تسمونه حرباً. فأين الأسرى؟ - لم يحصل عندنا اسرى بهذا المفهوم. فالاسرى يقعون عندما تقع معركة، اما من كان في حقه قتل الغيلة فهذا لا يُعتبر اسيراً. فالنبي صلى الله عليه وسلّم يقول انه من قتل هذا النوع "من كان يحمل السلاح في السر" فلا يعتبر اسيراً وانما يقتل غيلة. ما تفسيركم ك"أمير حرب" للمجازر التي وقعت في الجزائر؟ - اعتقد ان لتواجد جماعة الزوابري خلفية لهذه المسألة بصورة مباشرة او غير مباشرة. وعدم وجود هذه الجماعة على مستوى الشرق الجزائري ادى الى عدم حصول مجازر في الشرق، وذلك لنظافة الفكرة الموجودة في المنطقة على عكس المناطق التي كانت فيها الفكرة وسخة. والماء العكر يُصطاد فيه الكثير. هل استطيع ان أخلص الى ان المجازر قامت بها عناصر الزوابري؟ - قلت: عندما يكون الماء العكر يُفتح المجال للاصطياد.