التقت "الحياة" مسؤولاً في "الجيش الاسلامي للانقاذ" رفض كشف هويته لاعتبارات خاصة. واستهل بالتشديد على حساسية المرحلة التي تمر بها العلاقة بين التنظيم والمؤسسة العسكرية منذ الهدنة، وأشار إلى أن الحديث مع الصحافة كان ممنوعاً في السابق "لئلا يستغل اعداء المشروع اي هفوات". وذكر أن هذا اللقاء يعد الأول بين قيادة "جيش الانقاذ" مع الإعلام. وكذب ان تكون قيادته التقت في السابق صحافيين منذ بداية الهدنة عام 1997 مؤكداً بوضوح ان الاتفاق كان ينص على عدم الحديث مع الصحافة وهو ما حاول التمسك به كلما شمل الحديث مسائل تقنية. استياء من تعامل السلطة قال المسؤول ان المعالجة الاعلامية الرسمية لعملية نزول المجموعة الأولى من التنظيم "تتميز بالكثير من الاخلال بالاتفاق" من خلال اطلاق بعض التسميات على العناصر التي التحقت بذويها أخيراً إذ استنكر عبارات الوكالة الرسمية التي اطلقتها عليهم مثل "العناصر الضالة" أو "المغرر بهم". ورأى أن العبارات الصحيحة هي القول أن هؤلاء "مسرحون من جيش الانقاذ" أو "العناصر التي افادت من الاعفاء داخل التنظيم المسلح". وأوضح أن كل المعطوبين والمرضى والشيوخ ُسيسَّرحون، اضافة الى كل الذين ثبت ضعف مردودهم القتالية خلال عمليات الفرز الدوري التي يقوم بها مسؤولون في التنظيم وتشمل هذه الفئة كل العناصر المصابة بضعف بدني او اضطراب نفسي او لها موانع اجتماعية مثل فقر الوالدين او حاجتهما. وكذلك سيسرح كل من يرغب في الالتحاق بذويه ارادياً، مشيراً إلى أن هذه الفئة تخص أساساً عناصر التنظيمات الاخرى التي التحقت بالهدنة. وأضاف أن السلطات الرسمية ستطلق عدداً من المسجونين الذين ابدوا استعدادهم لمقاتلة عناصر الجماعات الاسلامية المسلحة الرافضة الوئام المدني. ووصف تصريح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في اسبانيا، عن عدم وجود مساجين يمكن العفو عنهم، بأنه "تصريح سياسي موجهة إلى الخارج في الدرجة الأولى". ونوه باطلاق السلطات القضائية قبل أيام 100 سجين من عناصر الجماعات في منطقة الأغواط 550 كلم جنوبالجزائر مذكراً بأن "العملية تتواصل في صمت". وذكر الرجل ان عملية التحاق عدد من عناصر "الجيش الاسلامي" بذويهم "ليست استسلاما وقد تمت بقرار قيادي وليس بمبادرات فردية بل اكثر من ذلك وجدنا في بعض الحالات من رفض العودة الى اهله مصراً على البقاء". وعلى رغم نزول اكثر من 250 عنصراً الا ان العملية تشهد جمودا فعلياً منذ 10 أيام. وقال ان قائمة العناصر التي تنوي الاستمرار في العمل المسلح لا تزال جارية لكنه استدرك: "العملية محددة بخطوات متبادلة وبمراحل محددة فإذا لم تسر الأمور سيراً حسناً قد نوقف العملية"، مذكراً بأن على الدولة التزامات في طرق التعامل مع الحدث، مشيراً الى تعامل وسائل الاعلام مع العملية قائلاً: "هذه الطريقة التي قرأناها وسمعناها لا تشجع على المضي في المسيرة أكثر". ونفى ان تكون هناك شروط وقال ان الافراج عن السجناء مسألة تقنية ما دام هناك قرار سياسي صدر عن الرئيس بوتفليقة وهو ينفذ في الميدان. لا مزيد من التنازلات ورأى المسؤول في "الجيش الإسلامي" ان "مدة سنتين ونصف سنة من الهدنة لم تكن سهلة فالوضع كان معقدا وصعبا جدا". وقال: "ليس سهلاً ان تحترم وتبقى ملتزماً الاتفاق وقد تعرضنا لمضايقات وتجاوزات أمنية من اطراف في السلطة في اقاليم تابعة للهدنة كما تعرضنا لضغوط اعلامية مثل محاولات بعضهم تشويه مسار الهدنة". اما المسألة الثانية التي ود المسؤول لفت النظر اليها فهي "عملية الاخذ والرد بين التنظيم والجهات المعنية"، يقصد الأمن العسكري، فذكر أن "جيش الانقاذ لم يكن متعصباً ولم يكن معسراً لمجريات القضية بل كان متساهلاً ومتنازلاً عن كثير من الحقوق المبدئية التي تنازلنا عنها. ان قيادة التنظيم سارت مع أول فرصة لانقاذ الجزائر وقد تنازلنا حتى عن حقوقنا السياسية". ومضى: "ان تنازلاتنا فاقت الحدود واليوم نؤكد أن التنازلات انتهت. اعطينا كل الوسائل لانقاذ الجزائر ولم تبق لنا تنازلات اخرى نقدمها"، وان اي تنازلات جديدة قد تؤدي الى "الانفجار وعدم التحكم بالوضع وضياع مشروع الهدنة"، مشيراً الى ان الوضع "لا يطاق بالنظر الى المظالم التي سلطت علينا". وأكد "ان ارادة التنظيم في انقاذ البلاد قائمة ما دام هناك في الدولة اهل الخير الذين يتحملون مسؤولياتهم كاملة للذهاب معهم بعيداً .وإذا تخلف هؤلاء الناس عن مسؤولياتهم نقول أننا أدينا الأمانة وواجبنا وآنذاك فإن للكعبة رباً يحميها كما قال الرئيس بوتفليقة". نرفض قيام جيشين وعن مرحلة ما بعد 13 كانون الثاني يناير التي ستشهد، كما أعلن الرئيس بوتفليقة، إقفال ملف الوئام المدني مع مباشرة مواجهة جديدة ضد الجماعات الاسلامية المسلحة، اوضح المسؤول في "جيش الانقاذ" ان تنظيمه "أوجدته أزمة واعتقد بأنه ينتهي وجوده بانتهاء مبررات الازمة". وأكد ان "فكرة وجدو جيشين في بلد واحد تعد، بالنسبة إلى كل غيور على وطنه، ثغرة خطيرة على مستقبل البلاد" ورفض تقديم اي تاريخ لعملية حل التنظيم المسلح لجبهة الانقاذ المنحلة. وذكر ان كل عناصر "الجيش الاسلامي للانقاذ" الذين سرحوا لم يمروا على لجان الارجاء، وأن الهدنة اعطت الحياة لقانون الوئام بدليل ان عدد الذين سلموا انفسهم كان محدودا الى حين بداية نزول عناصر التنظيم أخيراً. ونفى أن يكون مدني مزراق، امير التنظيم المسلح، غادر اقليم ولاية جيجل منذ 1997، كما نفى ما روج عن تنقلات الى العاصمة لاجراء لقاءات مع الرئيس بوتفليقة او غيره من مسؤولي الأمن. وخلال حديثه عن تطورات الساعة تناول رسالة عباسي مدني، المسؤول في "الجبهة الاسلامية" المنحلة التي وجهها الى علي بن حجر، المسؤول عن ا"لرابطة الاسلامية للجهاد المسلح"، وهو تنظيم مسلح محدود خضع للهدنة في ولاية المدية 70 كلم جنوب غربي العاصمة، قال: "الرسالة شخصية وجاءت رداً على رسالة شخصية وبالتالي فهي ليست رسمية. تعاملنا مع الشيخ اذا اراد مراسلة اخوانه واضح: ان يكتب رسالة بخط يده المعروف وان يوقع عليها ويحدد التاريخ". وزشار إلى أن الاتصال بالشيخ عباسي "سهل ومتيسر"، ووصف الجهات في الحزب التي نشرت الرسالة ب "الخيانة لأنها عمدت بنشر رسالة شخصية الى خلط الأوراق". بدايات الهدنة وأوضح أن الهدنة ليست وليدة بيان تشرين الأول اكتوبر 1997، "إن الهدنة وليدة ثقة مقدسة وضعت سنة 9519. إن الاحداث تصنع القناعات فما هو غير مقبول طرحه سنة 96 يصبح اليوم مطلوبا". وقال: "إن الاتفاق لم يكن وليد اي ضغوط عسكرية او سياسية او اجتماعية ولم يكن ناتجاً من ايحاءات خارج الاطار العسكري للتنظيم ولا حتى من طرف السياسيين الجزائريين بما في ذلك قيادة الجبهة الاسلامية. ان الاتفاق قرار خاص بقيادة التنظيم من دون سواها". وعن دوافع قرار وضع السلاح والتزام الهدنة، قال المسؤول الإنقاذي: "دوافع القرار كانت واضحة نظراً إلى ما آلت اليه الأوضاع، فالقضية يقصد الجهاد استغلت لتحريف الدين من خلال المجازر وانتهاك الاعراض باسم فئة من المسلحين. هذا الأمر كان يمسنا بالدرجة الأولى ويمس الشعب الجزائري، ونحن لا نرضى بأن الاسلام الذي هو جزء من الهوية ان يشوه في الجزائر على أيدي جزائريين. ان الهدنة جاءت لرفع الغطاء عن المتآمرين على الدين". اما السبب الثاني لقرار وضع السلاح في الأول من تشرين الأول اكتوبر 1997، "فمرتبط بضريبة السلطة التي يدفع الشعب ثمنها من جميع الجهات، سواء المدنيين او العسكريين او عناصر الجماعات، وبأثمان باهظة مست حتى دماءهم وأعراضهم". اما السبب الثالث فيعود الى قناعة القيادة بأن "البلاد شهدت استغلال كتل وجهات كثيرة حالة اللاأمن من اجل الانتهازية والتخريب والعمالة". مكاسب الهدنة واضحة وعن نتائج الهدنة، قال: "الهدنة عندما بدأت كانت السلطات تقول لنا أن عدد القتلى يصل الى 50 فرداً يومياً وبعد 5 اشهر من الهدنة نزل الرقم الى 5 قتلى يومياً ونزل اليوم الى نحو 10 في المائة ولولا هذه المجازر الأخيرة التي نسجل عليها علامات استفهام في تحديد مكان القيام بها وتوقيتها لكان الوضع تحسن تحسناً كبيراً". وأضاف أن الهدنة "لما جاءت ضيقت مجال المناورة امام الاطراف التي كانت وراء التقتيل الجماعي هنا أو هناك، موضحاً أن "القتلة ليسوا من عناصر الجماعة فقط فقد تأكد لدينا ان بعض العمليات هو نتيجة تصفية حسابات او سرقة، بدليل الاحكام القضائية التي صدرت في ما بعد على اصحابها". وكشف: "بعد سلسلة من الاتصالات تم التوصل الى الاتفاق في 11 يولويو 1997 وجاء ذلك برغبة من التنظيم الذي اتفق بمحض ارادة قيادة اطار الجيش الاسلامي للانقاذ بعيداً عن قيادة الجناح السياسي للجبهة، وكان احد نقاط الاتفاق وأحد شروط الهدنة اطلاق الشيخ عباسي مدني"، وقد افرج عنه يوم 15 يوليو". مطالب الجناح السياسي وانتقد المسؤول الانقاذي ممارسات قيادات في الجناح السياسي للحزب لم يذكرها بالاسم: "ان هؤلاء اناس ارادوا وضع طاقية لهم ليمشوا بها. ان حل الازمة يكون سياسيا". وحدد معنى الحل السياسي: "توفير الحريات الفردية والجماعية لكل الجزائريين من دون اي تفصيل، وأولى الأولويات ليست المطالب السياسية بقدر ما هو وضع حد لإراقة الدماء". ورأى ان نهاية الازمة يتحقق بأمرين: "الأول وقف النزف الدموي في البلاد والثاني تحقيق الحريات الفردية والجماعية لكل ابناء الشعب الجزائري في ظل دولة واحدة وقانون واحد". وسزلته "الحياة" هل مثل هذه المطالب مقرون بالشروط التقليدية للجناح السياسي للجبهة مثل اطلاق شيوخ الحزب، فأجاب: "ان "للشيخ عباسي وعلي بن حاج حقوقاً كما لغيرهم من الجزائريين. إن ما يهم التنظيم المسلح هو تحقيق الحريات لكل الجزائريين من دون استثناء، وان تحقيق السلم ومعالجة الأمور تبقىان في أيدي المنفذين في السلطة الجزائرية". وعن موضوع عودة "الجبهة الاسلامية للانقاذ" المنحلة من جديد، قال المسؤول الذي بدت عليه ملامح عدم الاكتراث بالموضوع: "لم نطالب بعودة الجبهة سواء بإسمها ولا بقاعدتها، طالبنا فقط بأن يعاملوا كبقية الجزائريين، فمن اراد تشكيل حزب او حركة تكون له الحرية ونحن لسنا معقدين بوضع سابق". وعن مطالبة أوساط سياسية بمحاسبة المتسببين في الازمة الدموية، قال المسؤول: "اذا كانت هناك محاسبة فليس من العدالة ان يحاسب طرف من دون آخر. إننا نرى أن حل الازمة لا يكون بالمحاسبة في الوقت الحالي"، ودعا الى "طي الصفحة وتقليص الهوة بين الجزائريين وإقامة العدالة". وذكر ان "90 في المئة من الذين التحقوا بالجماعة الاسلامية المسلحة عقب نداء الوحدة سنة 94 دخلوها مرغمين وخرجوا منها مبكرين مثل كتيبة كرطالي بالاربعاء 30 كلم جنوب العاصمة. ان الجناح العسكري للانقاذ رفض دخول حكومة الوحدة التي اعلنتها الجماعة الاسلامية المسلحة ربيع 94 لأننا كنا نخاف من سقوط الجهاد في ايد غير آمنة". وشدد على عدد من المسائل مثل "آليات تأطير العمل المسلح وتقييده لئلا يقع الانزلاق". وذكر أن "بوادر الانزلاق كانت واضحة في البداية من خلال الافكار المستوردة من الخارج والتي لا تنسجم مع طبيعة الجزائر مثل الفكر التكفيري والخارجي من الخوارج وحتى الفكر الافغاني حيث كانت هذه الافكار ذات اولوية قصوى في تنظيم الجماعة الاسلامية وذات نفوذ واضح على مستوى مراكز القرار في الجماعة فضلاً عن مرتكزات التأهيل المتبعة لديهم".