} الطاعون مصيبة أخرى قد تضاف الى مصائب الشعب الشيشاني الذي أحيا أمس بين الانقاض ذكرى مرور 56 عاماً على ترحيل شعوب القوقاز قسراً من اراضيها. وبعد مضي أكثر من نصف قرن على "المأساة" يحيا غالبية الشيشانيين مهجرين في جمهوريات الجوار أو باحثين عن ملجأ في البلدان الأخرى التي اغلقت في وجوههم أبوابها. احتفلت روسيا أمس الأربعاء بعيد القوات المسلحة، متجاهلة ان هذا اليوم يصادف ذكرى واحدة من أكثر صفحات التاريخ مأسوية. ففي 23 شباط فبراير 1944، اتخذ جوزف ستالين قراراً بترحيل خمسة من شعوب القوقاز بتهمة التعاون مع المحتلين الألمان. وفي ليلة واحدة، ارغم زهاء نصف مليون شخص كانوا يسكنون "جمهورية الشيشان والانغوش" على ركوب عربات قطار تنقل فيها البهائم عادة، ورحلوا الى سيبيريا وكازاخستان. ومات في الطريق زهاء 200 ألف طفل وشيخ وامرأة وحكم على الكثيرين ممن بقوا على قيد الحياة، ان يسكنوا ملاجئ ترابية في السهوب الباردة. ورغم رد الاعتبار الى القوقازيين في عهد نيكيتا خروتشوف الذي أصدر قراراً يعتبر الترحيل "عملاً اجرامياً وغير قانوني" فإن "الصفحة السوداء" ظلت مخيمة على اجواء العلاقات بين الشيشانيين وموسكو. وبدلاً من تنقية الجو، جاءت الحرب بين 1994 و1996 لتخلق توتراً تجدد اثناء الحملة الحالية. وحظرت السلطات الروسية على الشيشانيين التجمع والتظاهر وأي شكل من أشكال احياء ذكرى التهجير، حتى ان الحدود الشيشانية اغلقت كلها ومنعت الحركة داخل الجمهورية، علماً ان حال الطوارئ لم تعلن هناك. غير ان الشيشانيين في انغوشيتيا أحيوا ذكرى الفاجعة من خلال عمليات قتالية في عدد من المناطق، ونظمت تظاهرات معادية لروسيا. وحملت نساء شيشانيات لافتات كتب عليها "ستالين ويلتسن وبوتين مجرمون"، في اشارة الى ان شيئاً لم يتغير في اسلوب تعامل موسكو مع الشيشانيين. وفي انغوشيتيا حالياً زهاء 200 ألف لاجئ شيشاني تسكن غالبتيهم في الخيام. وثمة عشرات الآلاف من اللاجئين الموزعين على جمهوريات اخرى، فيما غدت جورجيا البلد الاجنبي الوحيد الذي استقبل قرابة خمسة آلاف لاجئ شيشاني. ورفضت الدول الأخرى استقبال لاجئين. ولن يستطيع المهجرون العودة الى ديارهم حتى بعد فتح الحدود، اذ ان سكان غروزني لن يجدوا سوى انقاض خلفتها المدفعية والطائرات الروسية. وكأن مصائب هذا الشعب قليلة فابتلي بخطر آخر هو الطاعون. وأعلن امس نائب وزير الصحة غينادي اونيشينكو وهو مسؤول الطب الوقائي في روسيا ان الخبراء يتوقعون تكاثراً سريعاً للقوارض التي تنقل جرثومة الطاعون بين اطلال المدينة التي كانت عاصمة. وذكر انه جرى تحضير ستة آلاف طعم مسموم لمكافحة القوارض. لكنه لم يتحدث عن سبل "مكافحة" الشح في مياه الشرب وغياب الطعام والتدفئة وفرص العمل. ويخشى العائدون الى الشيشان خصوصاً الذكور ان يصبحوا "نزلاء" ما يسمى بمراكز "الفرز والترشيح" وهي عملياً معسكرات اعتقال. واكد امس مالكولم هوكس رئيس فرع موسكو لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" حقوق الانسان ان هناك شهادات عن اعمال تعذيب وحوادث اغتصاب، اضافة الى إغارة طائرات روسية على طرق تمر عبرها قوافل اللاجئين. والى جانب الموت الفعلي فإن الشيشانيين يخشون من "قتل الذاكرة" اذ أعلن نائب رئيس الوزراء الروسي نيكولاي كوشمان المسؤول عن الملف الشيشاني، انه "لا يرى جدوى" في بقاء غروزني عاصمة. واقترح ان تنقل الادارات الرئيسية الى مدينة اخرى مثل غوديريس، ما اعتبره الشيشان محاولات لطمس هويتهم ايضاً.