عقد "تيار الوسط" في المعارضة العراقية اجتماعاً في لندن في 12 شباط فبراير الجاري لإطلاق نشاطه السياسي المستقل وتقديم مبادرة تنهي شلل المعارضة. وجرى في هذا الإجتماع انتخاب عدنان الباجه جي اميناً عاماً للتيار. وفي المناسبة التقت "الحياة" الدكتور الباجه جي وأجرت معه الحوار الآتي: انتقل تيار الوسط الى مرحلة جديدة من نشاطه، ما هي رؤية التيار للقضية العراقية الشائكة وطرق الخروج من الدائرة المغلقة التي وقع فيها النظام والمعارضة على حد سواء؟ - نشأ تيار الوسط لتحقيق هدف معين وهو محاولة توحيد المعارضة العراقية وانهاء حال التشرذم التي كانت تشل المعارضة وتمنعها من تحقيق أهدافها. كما اثر انقسامها على سمعتها وعلى مقدرتها على الإتصال بالدول العربية والإقليمية والدولية، وايضاً مع العراقيين في الداخل والخارج. وكنا اجرينا اتصالات واسعة مع العراقيين المعارضين ومع المنظمات الموجودة ومنها المؤتمر الوطني العراقي لتوحيد المعارضة، وعقدنا بعدها اجتماعات مع المؤتمر كما شارك "الوسط" في وفد مشترك ذهب الى واشنطن في نهاية شهر أيار مايو الماضي. واتفق على انشاء هيئة تحضيرية للإعداد لإجتماع موسع، واتصلنا مع فئات اخرى وابدى القسم الأكبر منها الإستعداد للتعاون في المساهمة في الهيئة التحضيرية. ولكننا رأينا، وللأسف، ان قيادة المؤتمر الوطني الموقتة ترغب في التمسك بمؤسستها الخاصة كإطار ينضم اليه الآخرون. بينما السليم هو ان يضم المؤتمر الى تجمع اكبر، ولهذا اردنا الإجتماع المنشود ان يكون موسعاً لجميع اطراف المعارضة بما فيها "المؤتمر". الشيء الأخر الذي جعلنا نشعر بالتردد، هو اننا لمسنا ان الولاياتالمتحدة، وبطريقة سافرة وصريحة، احتضنت المؤتمر وأخذت مسؤولية الصرف عليه وتمويل فعالياته ونشاطاته ومكاتبه، وأخيراً عقد "مؤتمر نيويورك" في نهاية تشرين الأول اكتوبر الماضي. ونعتقد ان اسباب ضعف المعارضة، عدا انقسامها وتمزقها، هو ارتباطها بجهات اجنبية، سواء كانت اقليمية أو عربية او دولية. وكان إرتباط المؤتمر بالولاياتالمتحدة واضحاً بشكل كامل، خصوصاً الدعم المالي. ونعتقد ان المعارضة العراقية، حتى يكون لها صدقية كافية وفعالة، يجب ان تكون مستقلة عن أي تأثيرات خارجية وتعتمد على التمويل الذاتي من العراقيين، حتى يعطيها ذلك نوعاً من الأستقلالية التي تتيح لها ان تتحرك. مع الأسف لبعض فئات المعارضة ارتباطات خاصة مع دول اجنبية، لذلك من البديهي انه يصعب عليها التحرك لأن عليها ان تأخذ في الإعتبار مواقف ومصالح تلك الدول. وارجو ان اكون واضحاً فأقول انني لا اشك في اخلاص اي شخص يعمل في المعارضة، ولا اشك في اهتمامه بمستقبل العراق. ولكن كما تعلم ففي السياسة اجتهادات مختلفة. فهناك اجتهادات تقول إن التغيير لا يمكن ان يحصل بدعم اميركي واضح وصريح، ويعتقد آخرون أن التغيير لن يتم الا بدعم دول اقليمية، ونحن نقول إننا نرحب بدعم، ولكن ليس دعماً مالياً، بل إعلامي وسياسي، وبشروطنا نحن، وان نكون مستقلين في اتخاذ قراراتنا. بعد مؤتمر نيويورك لاحظنا ان هناك فراغاً واحباطاً واحساساً بأن المعارضة وصلت الى طريق مسدود. فوجدنا انه من الضروري الإستمرار في جهودنا في "تيار الوسط"، واستئناف محاولاتنا الأولى، وقررنا عقد اجتماع لتيار الوسط من اجل الإتفاق على المواقف والمبادئ التي يمكن ان نعرضها على الفصائل العراقية الأخرى، على اساس ان نتمكن من عقد اجتماع آخر موسع في غضون بضعة اشهر استناداً إلى المبادئ والأهداف المتفق عليها. وأود القول إننا نرغب في جذب اكبر عدد من العراقيين للعمل من اجل انقاذ العراق. ما هو تصوركم للتغيير؟ هل هو يأتي من الخارج أم من داخل العراق؟ أي علاقة للداخل والخارج يجب ان تكون؟ - لا مجال للشك في ان التغيير يحصل من الداخل. ولكن للخارج دور مهم، وهو : تهيئة الأجواء العراقية والعربية والإقليمية والدولية لتشجيع القوى التي يمكن ان تقوم بعملية التغيير. والقوى الموجودة في داخل العراق تتوقع منهم ان ينشطوا ليسمعوا العالم ما يعانيه العراقيون في الداخل. ألا يمكن ان تنتهي معاناة العراقيين بوجود النظام الحالي؟ وهل اصبح التغيير ضرورياً، بالنسبة لتيار الوسط؟ - ما دام النظام الحالي لا يريد، ولا يستطيع احداث تغيير جوهري في شكل وأساليب الحكم التي يتبعها. كما انه لا يريد، ولا يستطيع ان يقبل بمشاركة الآخرين ولا يريد افساح المجال للشعب للتعبير عن آماله في ما يتعلق بنظام الحكم، ولا في اطلاق الحريات الديموقراطية والأساسية والقبول بإنتخابات حرة، فلن يمكن حل المشاكل التي تواجه العراق حالياً. ومن الواضح انه بعد المعاناة المريعة للعراقيين خلال السنوات التسع الأخيرة، فليس ثمة امل في انهاء تلك المعاناة ما لم يتغير النظام الحالي ويزاح عن السلطة. لا سيما وأن الولاياتالمتحدة والدول المتحالفة معها تفضل الإنتظار، ومع وجوده ستبقى الإنتهاكات الصارخة لسيادة العراق، وسيبقى العراق معزولاً ومنبوذاً. العراق الذي كان من اغنى الدول النامية اصبح الآن من أفقرها. ولأن النظام لا يريد التخلي عن السلطة، فإن العقوبات الإقتصادية والسياسية ستبقى. بل ان المسؤولين الأميركيين لا يخفون قناعاتهم ان الإصرار على ابقاء العقوبات هو الذي سيكفل ازاحة صدام حسين عن السلطة في العراق. بل انهم يرون في مصلحتهم عدم التعرض بصورة جدية لنظامه حتى يجري تنفيذ كل بنود القرارات الدولية، التي كبل بعضها العراق بقيود لا سابقة ولا مثيل لها، حيث يصبح بقاء صدام حسين من عدمه موضوعاً لا اهمية له. وليس من شك في ان الأمر ليس خافياً على صدام حسين الذي نجده يراوغ ويماطل في تنفيذ القرارات لأطول مدة ممكنة. ما هي الخطوط العامة لمبادرة "تيار الوسط" لتجاوز الجمود في الملف العراقي؟ - نحتاج بشكل ملح الى اعادة تنظيم صفوف المعارضين على اساس ثوابت وطنية تتمسك بسيادة العراق الإقليمية واستقلالية المعارضة. وسنتوجه لكل الفصائل التي تتفق معنا على هذه الثوابت لعقد اجتماع موسع لتبني تكتيكات سياسية مرحلية تكفل استعادة صدقية المعارضة وتنهي حال التشرذم التي تعانيها. وفي ما يتعلق ب"تيار الوسط"، فقد اجمع اجتماعنا في لندن يوم 12 الجاري على جملة من المبادئ والأهداف والمواقف ستكون أوراق المناقشة مع بقية التنظيمات والشخصيات العراقية المعارضة وصولاً الى جبهة موحدة تضم كل المعارضين. اولاً نحن نؤمن انه لا مصالحة مع النظام. ونخدع انفسنا اذا ما توهمنا ان النظام يمكن ان يتحول نحو نظام ديموقراطي. ونحن نرى انه لا بد من رفع العقوبات والحظر الإقتصادي على العراق. هذه الإجراءات اضرت وسببت الأذى للشعب العراقي ولم تضعف النظام او تتكفل بإزاحته كما هدفت الأطراف التي تمسكت بها طوال السنوات التسع الماضية. ونرى ايضاً ضرورة التوقف عن عدد من السياسات الغربية ولا سيما التشدد الذي لا موجب له من قبل اللجنة الخاصة لمجلس الأمن بحجة استعمالاتها المزدوجة، في مجال المبادلات التجارية وأستيراد المواد الإنسانية والمعدات اللازمة لإنتاج الكهرباء والماء، والمعدات التعليمية والتقنية والمواد الإحتياطية لإصلاح البنية التحتية العراقية. ونتساءل لماذا يُمنع الطيران التجاري الى العراق؟ انه نوع من التضييق على الحريات الشخصية للعراقيين وحرمانهم من حقوق اساسية. كما نشجب بقوة سياسة القصف الجوي وفرض خطوط الحظر الجوي من طرف دول منفردة، ومن دون وجود تغطية من قرارات الشرعية الدولية. كذلك التعويضات المترتبة عن عملية احتلال الكويت، والتي ستصل الى مئات البلايين في النهاية، اصبحت في الحقيقة عبئاً كبيراً على اقتصاد البلاد ولن يكون من الممكن تحملها. هذا الأمر يشبه الى درجة كبيرة ما حدث في المانيا بعد الحرب العالمية الأولى. والتعويضات هي التي قضت على جمهورية فايمار، وأحدثت مشاكل اقتصادية كبيرة وافسحت المجال لأدولف هتلر ان يقفز الى السلطة وحصل ما نعرف من بعد ذلك. والأمر كذلك مع القروض. فليس ممكناً على العراق، ومهما صدَّر من النفط، ان يدفع التعويضات والقروض، وسيبقى بلداً فقيراً منهكاً لمئات السنين. وهذا امر يجب ان تعالجه اي حكومة ديموقراطية مقبلة. على المستوى الداخلي للمعارضة العراقية نرفض بشدة اعتماد المعارضة على التمويل الأجنبي، وهي ليست بالضرورة بحاجة اليه لتغيير النظام. فهو ينتقص من استقلالية القرار السياسي للمعارضة ويفقد المعارضة صدقيتها ومكانتها لدى شعبنا. ما هي شروط اجراء مصالحة وطنية عراقية وفقاً لتيار الوسط؟ - إن المصالحة الوطنية بعد التغيير شيء ضروري واساسي. ومن دونها سيبقى العراق عرضة للإنقسام والحروب الأهلية. ولكن ليس قبل ان يتحمل رؤوس النظام المسؤولية عن الكارثة التي حلت بنا. لذلك نحن نرى ان تقديم رئيس النظام و12 من رموزه المتورطة او المتهمة بجرائم كثيرة، الى محكمة دولية خاصة أمر ضروري للمصالحة الوطنية. ويمكن بعد ذلك اصدار عفو عام يفتح الطريق ويساعد على تجاوز جروح الماضي وعدم إفساح المجال للتشفي والإنتقام وما يتبعهما من عنف وفوضى قد تهدد وحدة البلاد واستقرارها. ونعتقد ان بوسع حزب البعث ان يشارك في اي انتخابات مستقبلية عادلة في العراق. ما الذي بوسع المعارضة في الخارج ان تقوم به؟ - فضلاً عن المهمات الإعلامية والسياسية للمعارضة الخارجية، يمكنها ان تلعب دوراً في زعزعة الشرعية الدولية للنظام. لأن النظام لا يزال مرجعاً معترفاً به في المحافل الدولية. ومع ان هذا الهدف ليس سهلاً ولكن علينا ان ندفع إليه ونبرزه فمن شأنه ان يشجع كثيراً المعارضة في الداخل. مع ان المعارضة تعمل في الخارج مدة طويلة فإنها لم تنجح في اقناع المحيط العربي بدعمها. وظل البعد العربي لها ضعيفاً للغاية. لماذا العجز عن اختراق المحيط العربي؟ - أولاً بسبب انقسام المعارضة وتشرذمها لم تتشجع الدول العربية على التعامل معها. السؤال الذي كنت اسمعه من مسؤولين عرب وغيرهم هو: طيب، تريدوننا ان نتحاور مع المعارضة العراقية، أي معارضة تقصدون؟ انتم لا تستطيعون العمل معاً. السبب الثاني هو ان بعض فئات المعارضة مرتبط بجهات أجنبية مما يفقده استقلاليته. لذلك فالكثير من الدول العربية ترى ان المعارضة واقعة تحت تأثير سياسات دول أجنبية وأهدافها. وهي اهداف تختلف عن اهداف العراقيين بصورة عامة. واخيراً يجيء الإعتماد على الدعم المالي الأجنبي. فالعواصم العربية ترى ان هذا الدعم ليس كرماً، بل لتلبية مصالحها السياسية. لذلك نحن حددنا في "تيار الوسط" ضرورة التوحيد والإستقلال السياسي والمالي. وهل تنتظرون ان يدعمكم الغرب عموماً، والولاياتالمتحدة والدول المتحالفة معها، خصوصاً وانتم تطالبون بكف يدها، سياسياً ومالياً؟ - بوسعنا ان نقنع الأميركيين والدول العربية ان قيام نظام ديمقراطي في العراق، هو لمصلحة السلم والإستقرار والأمن في المنطقة كلها. والعراق المسالم الذي سيسترجع عافيته يمكن ان يكون له شأن في اقتصادات العالم أيضاً. ومن مصلحة الدول الصناعية الكبرى ان يكون لها علاقات تجارية ومالية مع دول وضعها الإقتصادي جيد بدلاً من التعامل مع دول فقيرة وضعيفة. وعلى كل حال نحن نفكر بمصلحة العراق اولاً، ومصلحة الشعب العراقي. وهي مصلحة تلتقي مع الرغبة بوجود نظام رخاء عالمي. وهذه لغة ديبلوماسية تهدف الى اقناع الغرب بأن لدينا مصالح ملتقية ومشتركة. تبقى القضية الكردية وملف الأقليات في العراق موضوع جدل وتجاذب. ويشكل الموقف من حقوقهم قضية حساسة. ما موقف تيار الوسط من الأكراد والتركمان؟ - نحن من الناحية المبدئية مع حق الشعب الكردي في تقرير مصيره، من دون ان يمس وحدة التراب العراقي. وكما تعلمون ان الأخوة الأكراد من الوعي والموضوعية بحيث انهم يكررون على الدوام انهم ليسوا في وارد الإنفصال عن العراق. نحن نثق بمواقفهم، ونترك لهم شكل ارتباطهم بإخوتهم في الوطن العراقي. فإن طلبوا الحكم الذاتي او الفيديرالية او غيرها، فهذا سيترك لهم ولممثليهم في العراق الديمقراطي في المستقبل. السياسات التي اتبعتها الحكومة الحالية اضرت بعلاقاتنا مع اخوتنا الأكراد ولكنها سياسة لا ينبغي ان تدوم. أما بالنسبة للأقليات الأخرى فيجب ان تتأمن حقوقها الثقافية والدينية والإجتماعية من دون اي عائق وتضمن في الدستور والقوانين لعراق المستقبل.