المزاح الذي يحاكي الجد، كان حاضراً في خطاب ألقاه فلاديمير بوتين عندما كان رئيساً للوزراء في احتفال وزارة الأمن الروسية في الذكرى السنوية لتأسيس "لجنة أمن الدولة" والتي كانت تعرف ب"كي. جي. بي". وقال بوتين في حينه إن "فريقاً من ضباط الأمن أوفد للعمل تحت مظلة الحكومة ويؤدي مهمته بنجاح". وفي هذا المزاح قدر من الجد، إذ يتعاظم نفوذ الأجهزة الأمنية ومنتسبيها السابقين والحاليين في الحياة السياسية في روسيا على رغم ان قادتها لا ينفكون يتحدثون عن الديموقراطية. وفي العهد السوفياتي، كان من المستحيل أن يغدو ضابط استخبارات رئيساً للدولة. ولا تستثنى من هذه القاعدة حال يوري اندروبوف الذي ترأس الجهاز الأمني فترة طويلة، إذ كان قبل انتقاله إلى رئاسة "كي. جي. بي" موظفاً في الأجهزة الحزبية لا رجل استخبارات محترفاً. أما في روسيا "الديموقراطية" فقد تعاقب على رئاسة الحكومة يفغيني بريماكوف رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية، ثم خلفه سيرغي ستيباشين وزير الداخلية والأمن سابقاً، وأخيراً فلاديمير بوتين وزير الأمن السابق والضابط في سلك الاستخبارات، وأمضى فترة طويلة في المانياالشرقية. وذكر فاليري غولوبيف الذي عمل مع بوتين في شرق المانيا، إن الأخير نجح في تجنيد عشرات من الألمان لخدمة موسكو. ولكن عقيداً سابقاً في الاستخبارات قال ل"الحياة" إن عدداً من رؤساء بوتين لم يستحسن عمله واعتبر "غير ذي مردود" ما أدى إلى تسليمه وظيفة هامشية بعد عودته إلى الوطن. كما نفى كل من فلاديمير كريوتشكوف وليونيد ستبيارشين اللذين تعاقبا على رئاسة الاستخبارات الخارجية السوفياتية، ومعهما ماركوس وولف، الرئيس السابق لجهاز "شتازي" الألماني الشرقي، ان يكون بوتين لعب دوراً مؤثراً في الاستخبارات خلال عمله في الخارج. وقال بوتين لدى دخوله مقر وزارة الأمن في موسكو، وهو نفسه مقر "كي. جي. بي"، إنه "يشعر كالعائد إلى البيت الذي تربى فيه". وكسب بوتين ود أركان الوزارة وغالبية الضباط الكبار في الأجهزة الأمنية، وتعززت مواقعه حينما أعلن بعد توليه رئاسة الحكومة ان "هيئات الأمن ستقوم بدور أكبر في ضمان الاستقرار الداخلي". وعندما صار بوتين سيداً فعلياً للكرملين بعد استقالة بوريس يلتسن، أخذ "يجند" ضباط أمن وأصدقاء ومعارف له عمل معهم في سانت بطرسبورغ وينقلهم إلى مناصب حساسة في الديوان الرئاسي وجهاز الحكومة. وفي أواخر الشهر الماضي، نقل 12 من ضباط أمن بطرسبورغ إلى الجهاز المركزي لوزارة الأمن، مما يوحي بأن بوتين يريد توزيع "رجاله" في المواقع المهمة. وعلى رغم نفي الجهات الرسمية وجود خطط لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، فإن الصحف الروسية أشارت إلى ان الكرملين يدرس انشاء هيئة أمنية موحدة باسم "لجنة التحقيقات الفيديرالية" لكي تكون مثيلاً ل"كي. جي. بي" قبل تفكيكه عام 1991. وأثار ذلك مخاوف منظمات حقوق الإنسان التي حذرت من احتمال قيام "دولة بوليسية تستند إلى الأجهزة الأمنية". واضطر بوتين إلى أن ينفي، عند افتتاحه اجتماعات البرلمان، نيته في فرض حكم ديكتاتوري. ولكنه قال إن جهاز الدولة "مخلخل ومنفلت ولا بد من ضبطه".