تدور حالياً مفاوضات بين عدد من الاطراف الدولية وبين "حزب الله" بغرض تنظيم مبادلة الجنود الاسرائيليين الاسرى لدى الحزب، من جهة، والمعتقلين العرب لدى اسرائيل، من جهة اخرى. بعض الحكومات الاجنبية، مثل الحكومة الالمانية التي يقال ان لزيارة مستشارها غيرهارد شرودر قبل اسابيع الى الشرق الاوسط، علاقة بهذه المسألة، عرض التوسط لمبادلة المعتقلين اللبنانيين في السجون الاسرائيلية بالاسرى الاسرائيليين. الشيخ حسن نصرالله، زعيم "حزب الله" اعلن في منتصف تشرين الاول اكتوبر الماضي، ان حزبه يطالب "بالافراج عن جميع المحتجزين، الفلسطينيين واللبنانيين والعرب"، وليس اللبنانيين فقط. حتى الآن لم يعلن ان الحزب أعدّ اسماء اولئك المحتجزين الذين يطالب بالافراج عنهم، ولكن عندما يفعل فإنه من المأمول بأن يدرج اسم موردخاي فعنونو في هذه اللائحة. ولكن لماذا فعنونو؟ هناك اسباب متعددة تبرر هذه المطالبة. 1 - ان فعنونو مناضل ضد الخطر النووي الاسرائيلي. السلاح النووي الاسرائيلي يشكل واحداً من اهم الاخطار التي تهدد امن المنطقة واستقرارها وتسمح لاسرائيل بممارسة اتباع سياسة الابتزاز النووي تجاه الدول العربية وايران. ان الاسرار التي كشفها فعنونو عام 1986 عن التسلح النووي الاسرائيلي ساهمت مساهمة كبيرة في ايقاظ الوعي الاقليمي والعالمي على وقائع هذا التسلح واخطاره، وأمدّت العاملين على تحويل منطقة الشرق الاوسط الى منطقة خالية من السلاح النووي بمعلومات ممتازة لكي يستندوا اليها في المطالبة بإخضاع اسرائيل ومنشآتها الذرية للرقابة الدولية. ان اطلاق سراح موردخاي فعنونو سيساهم في تغذية الحملة الدولية ضد السلاح النووي الاسرائيلي. استباقاً لهذا الاحتمال فان المحكمة الاسرائيلية العليا بررت رفض الافراج عن فعنونو بقولها انه "يملك اسراراً كثيرة يكتمها في قلبه والدولة تشعر انه اذا أُطلق سراحه… فسيُعلن هذه الاسرار". متتبعو هذه القضية الذين يطالبون بالافراج عنه يشكون في انه يملك معلومات اضافية جدية. ولكن في مطلق الاحوال، سيكون موردخاي رمزاً قوياً ومناضلاً فاعلاً مسموع الرأي في اية حملة دولية ضد الخطر النووي الاسرائيلي. 2 - قال الشيخ نصرالله انه سيطالب بإطلاق جميع المساجين والمحتجزين العرب. وفعنونو عربي الاصل والانتماء. أهله مغاربة الاصل تركوا بلادهم وجاؤوا الى اسرائيل عام 1963. فعنونو خدم في الجيش الاسرائيلي وبقي على ولائه لاسرائيل حتى عام 1982، اي حتى غزو لبنان عندها بدأ ولاؤه لاسرائيل في الاهتزاز، واستعداده لتحدي سياستها في التنامي حتى اوصلاه الى الكشف عن اسرارها النووية. وفي السجن طالب فعنونو بإبعاده عن المساجين الاسرائيليين لانه لم يعد يشعر انه واحد منهم، وبسجنه مع المساجين العرب لانه شعر انه ينتمي اليهم. 3 - ان فعنونو مناهض للصهيونية وضد ما تمثله من عدوان وتعصّب ديني وعنصري. في رسالة كتبها من السجن الى ماري ونيك ايولوف اللذين تبنياه، كتب فعنونو قائلاً: "انني افتش عن كلمات أُفسّر بها سلوك اسرائيل. الوصف الأصح هو انها دولة أبارتايد … دولة دينية عنصرية. دولة أبارتايد نووي". انها "دولة نيو - نازية تقلّد سلوك الغستابو. الفرق انها في العصر الحديث تستخدم اساليب عصرية". 4 - فعنونو مؤيد للمقاومة الفلسطينية. ساهم في المظاهرات والنشاطات المؤيدة للفلسطينيين منذ الثمانينات اي حتى عندما كان يعمل في المنشآت النووية الاسرائيلية. وبسبب تأييده للفلسطينيين تعرض فعنونو للتحقيق وللمضايقة. وفي رسائله من السجن كتب يصف مشاعره تجاه الفلسطينيين قائلاً: "لا يكفي اسرائيل ان تمنع الفلسطينيين من العودة الى بلادهم، ولكنها تصورهم وكأنهم من الارهابيين، ويذهب بعض الاسرائيليين الى مقارنتهم بالنازيين. هذه عبقرية الدعاية الاسرائيلية التي تحوّل ضحايا الجرائم الاسرائيلية الى ارهابيين، بينما تمجّد اسرائيل في الولاياتالمتحدة على انها دولة ديموقراطية". 5 - لأن فعنونو يعامل بقسوة شديدة من قبل السلطات الاسرائيلية. الحكم الذي صدر بحقه يعتبر من أشد العقوبات التي أُنزلت بالاسرائيليين او بحاملي الجنسية الاسرائيلية. وهو محبوس في سجن عسقلان الذي يُعتبر اسوأ سجون اسرائيل. وفي السجن قضى فعنونو سنوات طويلة في زنزانة الانفراد وتعرض الى مضايقات مستمرة ليس فقط من حراسه ولكن ايضاً من بقية المساجين الاسرائيليين. وفي نهاية التسعينات وبسبب تنامي الحملة الدولية لاطلاق سراحه، وافقت الحكومة الاسرائيلية على نقله من الانفراد الى السجن مع مساجين آخرين، وسُمح له بالتجول في باحة السجن مع المساجين العاديين. ولكن في منتصف العام الفائت أُعيد الى الانفراد الذي يمكن ان يؤدي "… الى حال من الشك ومن القلق قد تفضي بالسجين الى فقدان ثقته واحترامه لنفسه واخيراً الى فقدانه هويته" اي الى نوع من الاضطراب العقلي والجنون، كما حذّر البعض من نقله الى السجن الجماعي. ان فعنونو الذي يعتبر، بأي مقياس، سجين ضمير، لا يلقى اهتماماً في دول الغرب وحكوماته "لانه أخطأ وعليه ان يتحمل مسؤولية فعلته"، كما اجاب مسؤولون في احدى هذه الحكومات عندما روجعوا في قضيته. 6 - المطالبة بالافراج عن فعنونو ضمن عملية تبادل الاسرى والمحتجزين، ستسلّط الاضواء على هشاشة الموقف الاسرائيلي عندما تصرّ اسرائيل على انزال اشد العقوبات به لأنه أفشى أسراراً ذرية، بينما هي تطالب في الوقت نفسه بالإفراج عن جوناثان بولارد، الجاسوس الاميركي الذي باع الاسرار الاميركية الى اسرائيل والذي عرض بيعها الى دول عربية. كما انها تسلّط الاضواء ايضاً على التناقض في موقف اسرائيل عندما تنظّم حملة واسعة ضد ايران لانها عاقبت مواطنين ايرانيين من اليهود اتُهموا بالتجسس لمصلحة اسرائيل، اي لمصلحة دولة بينها وبين ايران ظروف الحرب، بينما هي تعاقب مواطناً اسرائيلياً لانه كشف اسراراً الى صحيفة اجنبية الصانداي تايمز لا تعادي اسرائيل بل على العكس دأبت على الدفاع عنها، وفي بلد مثل بريطانيا لعب دوراً مهماً في ولادة اسرائيل. ان ادراج اسم فعنونو بين اسماء المحتجزين العرب الذين يطالب "حزب الله" باطلاق سراحهم قد يجابه بعدد من التحفظات ويعترض عليه البعض لعدد من الاسباب. قد يتحفظ على هذه المطالبة بعض الذين يرون الصراع مع اسرائيل صراعاً وحرباً ضد اليهود، وذلك باعتبار موردخاي فعنونو يهودياً. وقد يُصحّح آخرون هذا التحفظ بالقول ان فعنونو اعتنق الدين المسيحي منذ سنوات عديدة. ولكن هذا التصويب لا يلغي اسباب التحفظ عند الذين يرون الصراع دينياً في جوهره. وفي الاجواء الراهنة حيث تشتد الدعوات ضد اليهودية وضد اليهود، فان هذا التحفط قد يجعل التفكير بالمطالبة بالافراج عن فعنونو من قبل حزب اسلامي امراً غير وارد. بيد انه يمكن ردّ هذا التحفظ انطلاقاً من النظرة الاسلامية التي تقول بأن فعنونو يهودياً كان او مسيحياً فهو من اهل الكتاب، وان الاسلام يعامل المسيحية واليهودية باحترام. تعبيراً عن هذه النظرة يتمتع اليهودي في الجمهورية الاسلامية في ايران بالحريات الدينية وبحريات واسعة في مجال التعبير عن الرأي وفي بعض مؤسسات الدولة الايرانية يهود يجاهرون بانتمائهم الديني. وعندما أحالت السلطات الايرانية المتهمين اليهود مع عدد من المتهمين المسلمين الى المحاكمة، أبدى بعض زعماء الطائفة اليهودية الايرانية رأيهم بصراحة في مثل هذه المسألة. واذا كان هناك ميل عند البعض الى قبول نظرية هانتغتون في صراع الحضارات حتى ولو نددوا بصاحبها، فإن "حزب الله" بما يملك من رصيد نضالي، هو الأجدر بردّ هذه النظرية، وبالتعبير عنها بصورة عملية مثل ادراج اسم موردخاي فعنونو، يهودياً كان ام مسيحياً، في لائحة المحتجزين الذين يطالب بالافراج عنهم. البعض الآخر قد يتحفظ على ادراج اسم فعنونو بين المطلوب الإفراج عنهم لاعتقاده بأن قضية موردخاي فعنونو من ألفها الى يائها هي من تدبير الموساد وان فعنونو هو عميل للموساد استخدمت قضيته من اجل تعميق الرعب النووي في قلوب العرب. هناك، بالطبع، مؤشرات كثيرة تؤكد ان هذا الرأي في غير محله. الا انه في مطلق الحالات، وحتى لو سلّمنا جدلاً بصحة نظرية المؤامرة هذه، فإن إثارة قضية اطلاق سراح فعنونو ستُسلّط الانظار عليها وتفضح ملابساتها والاغراض التي تتوخاها اسرائيل من وراء استخدام فعنونو او من وراء إنزال اشد العقوبات به وتحويل قضيته الى وسيلة لارهاب المناضلين ضد التسلّح النووي الاسرائيلي. * كاتب وباحث لبناني