رغم الإقامة الجبرية المفروضة عليه ، خرج العالم النووى الإسرائيلى موردخاى فعنونو مجددا عن صمته وفاجأ العالم بتصريحات مثيرة حذر خلالها من "النوايا العدوانية" لتل أبيب ، متهما قادة الكيان الصهيوني بتمهيد الطريق لحرب نووية تدميرية في الشرق الأوسط تطال أغلب الدول العربية والإسلامية. ولم يكتف بهذا بل إنه واصل في تصريحات أدلى بها لصحيفة "افتن بوستن" النرويجية في 12 إبريل 2008 انتقاداته لسياسة هذا الكيان،قائلا:" لاتوجد دولة في العالم فعلت مافعلته إسرائيل من أعمال عدوانية ، دوري في كشف البرنامج النووي السري الإسرائيلي في عام 1986 كان يهدف لتعريف العالم بالخداع الإسرائيلي بالإضافة لكشف شبكة الفساد الدولية التي ساهمت في بناء هذا البرنامج العدواني". والمثير للانتباه أن تصريحات فعنونو جاءت متزامنة مع قيام إسرائيل في الفترة من 5 إلى 10 إبريل 2008 بمناورات عسكرية ضخمة أطلق عليها "لحظة حرجة" وهدفت مثلما زعمت إسرائيل لتحضير سكانها لاحتمال وقوع هجمات بالأسلحة التقليدية أو بصواريخ تحمل رؤوسًا كيميائية وجرثومية . تلك المناورات التي جاءت بعد تقرير فينوجراد الذي صدر بداية العام الحالي ووجه انتقادات لأداء الجيش الإسرائيلي خلال الحرب الأخيرة على لبنان ، اعتبرها كثيرون بمثابة استعداد لحرب مقبلة قد تكون مع حزب الله أو سوريا أو إيران ، وهذا ما ألمحت إليه أيضا صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية ، حيث نقلت عن مصادر موثوقة قولها إن القيادتين السياسية والعسكرية في إسرائيل متفقان على عدم المبادرة بتنفيذ عمليات عسكرية كبيرة وواسعة قبل الانتهاء من الاحتفالات بالذكرى الستين لإقامة إسرائيل، أي مع بداية الصيف نظراً لأهمية هذه الاحتفالات من حيث المشاركين الضيوف, لكنها أكدت في الوقت ذاته أن القيادة الإسرائيلية معنية بتنفيذ خطط عسكرية قبل انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي جورج بوش. ووفقا للصحيفة فإن ضباطاً أمريكيين كبار شاركوا في المناورات العسكرية التي نفذها الجيش الإسرائيلي بكامل أذرعه ووحداته، ورغم أن هذه المشاركة ليست جديدة إلا أن تكثيف المشاركة الأمريكية هو اللافت خاصة بعد حرب لبنان الثانية عام 2006. وسواء شنت إسرائيل بالفعل حربا عدوانية جديدة أو تراجعت عن تهوراتها المعتادة ، فإن هناك عدة حقائق بشأن ترسانة إسرائيل النووية باتت تشكل مصدر قلق دائم في المنطقة بل وفي العالم أجمع. فقد كشف فيلم وثائقي أنتجته محطة إن آر كيه التليفزيونية المملوكة للدولة فى روسيا وأذيع مؤخرا أن إسرائيل تمتلك كميات كبيرة من الأسلحة النووية وأنه تم ولايزال يتم تأهيل الخبراء النوويين الإسرائيليين في مراكز الأبحاث النووية في الولاياتالمتحدةوفرنسا ، مشيرا إلى أن الأمريكيين ساعدوا إسرائيل خلال السنوات الأخيرة في إنشاء مفاعل أبحاث يتم تبريده بالماء الخفيف فى "ناخال سوريك"، وزودوه ب50 كجم من اليورانيوم العالي التخصيب ، كما أنه بالرغم من أن النرويج كانت على علم بعزم إسرائيل إنتاج أسلحة نووية فإن النرويج قامت ببيع 20 طنا من الماء الثقيل لإسرائيل الذي استخدم في إنتاج أسلحة نووية . ديمونا .. كارثة محدقة وبجانب ماسبق ، فقد تصاعدت فى الفترة الأخيرة التحذيرات من كارثة محدقة كفيلة بإبادة سكان منطقة الشرق الأوسط بسبب تزايد احتمالات انفجار مفاعل ديمونا الإسرائيلى بعد انتهاء عمره الافتراضى،الأمر الذى من شأنه أن يتسبب بمحرقة نووية غير مسبوقة فى التاريخ تتجاوز في تداعياتها مآسى انفجار مفاعل تشيرنوبل بأوكرانيا ووفقا للعديد من الدراسات والأبحاث التى أجرتها مراكز الرصد المتخصصة داخل المنطقة وخارجها، فإنه باتت هناك تسربات إشعاعية نووية من ديمونا الذى أقيم عام 1963 بدعم وتمويل من فرنسا إثر تعرضه لمشكلات وأعطال فنية مؤخرا ، هذا بجانب أن عمر المفاعل تجاوز الخمسين عاما في الوقت الذي تبلغ فيه أعمار المفاعلات في العادة ثلاثين عاما من العمل، ولذا فإنه على وشك الانفجار . وجاء أحدث تحذير من مخاطر المفاعل فى تقرير نشرته مجلة " الشريعة الاسلامية" الأردنية ، حيث أشار إلى أن هذا المفاعل بات يشكل المصدر الأول للموت فى الشرق الأوسط كونه يبث منذ عدة سنوات إشعاعات نووية أدت إلى إصابة المئات من سكان المناطق المحيطة به بالأمراض السرطانية المميتة ، بالإضافة إلى أنه أنتج مائتى قنبلة نووية وربما أكثر وأن هذه القنابل كفيلة بإبادة البشر والأحياء والنباتات فى منطقة الشرق الأوسط ، مستشهدا بأن العشرات من العلماء الإسرائيليين أكدوا مؤخرا أن المفاعل قابل للانفجار فى أى لحظة بسبب اهتراء منشآته وانتهاء عمره الافتراضى، ودعا الدول العربية إلى القيام بحملة سياسية وإعلامية منظمة لفضح هذا المفاعل والمطالبة بإغلاقه حماية لشعوبها ومواطنيها من هذا الخطر المحدق بدلا من تجاهله والتقليل من شأنه. وكان بحث علمى إسرائيلى أجرته جامعة بن جوريون الإسرائيلية فى عام 2003 قد كشف أن كميات ملحوظة من المواد المشعة تسربت من ديمونا إلى المياه الجوفية فى منطقتى النقب ووادى عربة ، كما أشار تقرير بثته القناة الثانية بالتليفزيون الإسرائيلي في يوليو 2003 إلى أن العشرات من عمال المفاعل النووى ماتوا متأثرين بالسرطان ، مما دفع خمس عائلات إسرائيلية فقدت أبناءها إلى رفع دعوى قضائية أمام المحكمة المركزية في تل أبيب ضد الحكومة للمطالبة بتعويضات. ويتفق المراقبون أن ال 200 قنبلة نووية أو أكثر التى أنتجها المفاعل قادرة ليس على إبادة العرب فقط وإنما أيضا شعوب أوروبا في حال تم استخدامها ولذلك يجب على جميع الجهات المحبة للسلام فى العالم التحرك السريع على جميع الأصعدة وشن حملة سياسية وإعلامية منظمة لفضح مخاطره المدمرة وقت السلم والحرب. موردخاي فعنونو إسرائيل فرضت منذ البداية تعتيما تاما على برنامجها النووي ورفضت الاعتراف بامتلاك أسلحة نووية في إطار ما عرف بسياسة الغموض النووي ، إلى أن ظهر موردخاى فعنونو، الذى كان يعمل فنيا فى مفاعل ديمونا وكشف لصحيفة صنداي تايمز في 5 أكتوبر عام 1986 عن امتلاك إسرائيل برنامجا نوويا قادر على إنتاج كميات من البلوتونيوم الذي يمكن استخدامه في صناعة الأسلحة النووية وأنه طور أكثر من مرة لزيادة قدرته الإنتاجية من مادة البلوتونيوم، وأنه كان يستطيع في عام 1985 إنتاج 1.2 كيلوجرام من البلوتونيوم أسبوعيا وهو ما يكفى لإنتاج 12 رأسا نووية سنويا . وقبل أن يتمكن فعنونو من كشف المزيد لوسائل الإعلام، تم استدراجه والإيقاع به، فقد استدرجته عميلة سرية إسرائيلية من مخبئه في لندن بأن أقنعته برغبتها في لقاءه في روما وما أن وصل إلى هناك إلا وتم تخديره على أيدي عملاء إسرائيليين آخرين حيث نقل إلى إسرائيل وفي وقت لاحق من عام 1986 حكم عليه بالسجن 18 عاما بتهمة الخيانة أمام محكمة إسرائيلية. وبعد الإفراج عنه فى إبريل عام 2004 ، أدلى بتصريح للصحفيين أكد فيه انه فخور وسعيد جدا بكشفه أسرار مفاعل ديمونا وغير نادم على ما فعله، كما أكد أنه ليس بجاسوس ولا خائن لوطنه، بل إن تصرفه هذا جاء لمصلحة البشرية التي يجب أن تتخلص من الخطر النووي بصفة عامة ، موضحا أنه مثلما تم التخلص من المفاعل النووي العراقي بضربة جوية إسرائيلية سنة 1981 ، فإنه يجب التخلص أيضا من مفاعل ديمونا الذى بدأ العمل فيه منذ عام 1963. ويجمع المراقبون أن فعنونو لايزال يمتلك بعض المعلومات التي يمكن أن تهدد أمن إسرائيل ولذلك لاتسمح له منذ الإفراج عنه بالحصول على جواز سفر،وتحظر عليه الاقتراب لمسافة مائة ياردة من أى سفارة أجنبية ، تحسبا لقيامه بطلب اللجوء السياسي والاحتماء بسفارة تلك الدولة لحين البت فى طلبه ، ولذا عوقب عام 2007 مرة أخرى بالسجن لستة أشهر لمخالفته شروط الإفراج عنه ، كما قوبل طلبه في 2008 باللجوء السياسي إلى النرويج بالرفض مرتين. النشأة ولد فعنونو وهو يهودى مغربي فى عام 1954 وجاءت عائلته إلى إسرائيل في عام 1963 وفي عام 1971، أصبح متخصصا بإزالة الألغام بالجيش الإسرائيلي، إلا أنه كان يطمح للالتحاق بالقوات الجوية الإسرائيلية ، وبعد إنهائه الخدمة العسكرية، التحق بالعمل في مفاعل ديمونا كمتدرب وانتهى به المطاف في منشأة ماشون 2 المبنية تحت سطح الأرض والمخصصة لإنتاج مواد البلوتونيوم والليثيوم ديوترايد والبريليوم التي تدخل في صناعة القنابل النووية. وبعيدا عن عمله السري في دايمونا، بدأ في دراسة الفلسفة بجامعة بن جوريون حيث بات أكثر تعلقا بالسياسة واعتنق الأفكار المؤيدة للفلسطينيين وانخرط في الحركة المناهضة للحرب ، كما اعتنق المسيحية بعد سجنه .