الثاني إلهاماً هذا العام كان ألفرد هيتشكوك. فالفيلم الفرنسي "صديق مثل هاري" Harry, un Ami Qui Vous Veut du Bien لدومينيك مول هو من حرفة مشبعة بمنوال الإثارة التي كنا نجدها في أفلام سيد التشويق. "نهر سوزو" الصيني للو يي هو بدوره متأثر بفيلم "فرتيغو" من حيث تداخل الغموض مع قصة حب تحف بها الجريمة. وهيتشكوك مكثف في فيلم روبرت زميكيس "ما يكمن في الخفاء" حيث ملامح من "سايكو" و"النافذة الخلفية" و"فرتيغو" تتوالى مجبولة بالأسلوب نفسه في تحريك الكاميرا، كوجهة نظر المشاهدين، فضلاً عن أن شاشات السينما شهدت إعادة عرض "النافذة الخلفية"، وهو من أفضل أفلام هيتشكوك، وقد حققه عام 1954 بين فيلمي "ادر قرص م للجريمة" و"للقبض على لص". الرعب والأنواع "ما يكمن في الخفاء" ينتمي ايضاً إلى سينما الرعب. وفي هذا الإطار شاهدنا نتائج متباينة. انه أحد الأكثر نجاحاً، والجيد في هذا المجال أنه يعيد سينما الرعب الى نطاق الجمهور الطالب النوعية التي تؤمنها عادة الخبرات الهوليوودية في هذا المجال. المخرج زميكيس صاحب "فورست غمب" و"العودة الى المستقبل" جلب هاريسون فورد وميشيل فايفر الى بطولة فيلمه، وكانت أفلام رعب من بطولة نجوم سقطت في شكل ذريع عام 1999. هذا العام نجد أن تلك التي توجهت الى جمهور الصغار سناً، هي التي سقطت ومنها "صراخ 3" و"الجماجم" و"فيلم مفزع" و"اساطير الضاحية 2". كذلك سقطت أفلام من بطولة وجوه معروفة مثل "الزنزانة" مع جنيفر لوبيز و"بارك الطفل" مع كيم بايسنجر و"أرواح ضائعة" مع وينونا رايدر. هذا الأخير هو أول إخراج لمدير التصوير يانوش كامينسكي الذي صوّر لستيفن سبيلبرغ فيلمه الأخير "إنقاذ المجند رايان". خطوة كامينسكي هي أفضل خطوة اخراج أقدم عليها سينمائي هذا العام. في إطار الأنواع، لا بد من الإشارة ايضاً الى أن أفلام الخيال العلمي هذه السنة تمثلت في فيلم لم يتوقع له انجاز النجاح الفني والتجاري الذي حققه ولو بتواضع. انه "سواد داكن" لديفيد تووهي، الذي يحوي - بين عناصر كثيرة - شخصيات وممثلين عرباً يضعهم جنباً الى جنب مع ابطال الفيلم الغربيين في مغامرة تقع على سطح كوكب غريب. فيلمان عن المريخ لم يغادرا سطح الأرض، هما "مهمة الى المريخ" لبرايان دي بالما و"الكوكب الأحمر" لأنطوني هوفمان. لكن الأكثر فشلاً كان "ميدان المعركة: الأرض" لروجر كريستيان، و"سوبرنوفا" غزو فضائي للأرض لتوماس لي. "الرجل المفرغ" و"رجال إكس" يجمعان بين الخيال العلمي والتشويق وثقافة الكوميكس. وهي ايضاً خصال السينما الكرتونية التي شاهدنا منها هذه السنة ثلاثة عشر فيلماً بريطانياً واميركياً ويابانياً وروسياً واحداً من دون أن تكون، في أي حال، كل ما انتج. في هذا الصدد لا يزال الفيلم الذي يحمل ختم شركة "ديزني" هو الأكثر انتشاراً تلقائياً بين الرواد في كل مكان، لكن ذلك لم يمنع فيلم "هرب الدجاج" الذي اشترته شركة "دريمووركس" الأميركية أحد مالكيها سبيلبرغ من الشركة البريطانية المنتجة آردمان. وهو أفضل فيلم كرتوني هذه السنة، علماً أنه ينتمي عملياً الى سينما الدمى المتحركة. سينمات محلية وفي وقت حافظت السينما الايرانية على لمعانها للعام السادس على التوالي، لم تحظ سينمات أخرى بالمقدار نفسه من إثارة الاهتمام هذا العام. واحدة من هذه السينمات الرئيسية هي سينما جنوب شرقي آسيا التي تضم اليابانية والصينية والكورية والتايلاندية أساساً. لا يعني ذلك غياب أفلام تستحق الاهتمام، بل لم يكن هناك العدد الكافي من الأفلام الجيدة او المميزة هذه السنة. على رغم ذلك، يبقى "يوريكا" للياباني أيواما شينجي و"تشونهيانغ" للكوري الجنوبي ام كوون تاك، و"الطريق الى البيت" للصيني زانغ ييمو و"دورا هايتا" للياباني كون اتشيكاوا، ثم "تابو" للياباني ايضاً ناغيزا أوشيما، و"الظل السحري" للصينية آن هو هي، بين أفضل سبعة عشر فيلماً من المنطقة شاهدها هذا الناقد خلال هذا العام. السينما البلقانية والآسيوية الوسطى عموماً بقيت على حالها من التردي. لكن قريباً منها بضعة أفلام من الحوض الأوروبي الشرقي سابقاً. ولا يزال السؤال مطروحاً هل المرحلة الشيوعية أفضل من تلك التي تبعتها؟ وأفضل هذه الأفلام "رجال موتى يغنون" لكريستو بافيتش كرواتيا، يليه من بعد "المارشال" لفينكو بريسون صربيا. السينما الهندية الصالحة للتصدير، شهدت حركة تبلورت في ثلاثة أفلام هي "المصارعون" لبودادب داسغوبتا و"سيدة البيت" لرتوبرنو خوش ملامح من ساتياجيت راي و"هاي رام" لكمال حسّان. الأفلام الأخرى التي التقطت في مهرجانات سان فرانسيسكو ولوس أنجيليس وتورنتو، مثل "دايا" لمخرج بإسم فينو، و"رجل وراء الزمن" لأمول باليكار، ثم "غاجا جاماني" ل م. حسين، هي وعود أكثر منها نتائج. الروس لا يزالون يبارحون أماكنهم في شكل عام، لكن العام 2000 شهد بوادر نشاط أعلى قليلاً من المعتاد، اذ اطلقت السينما الروسية عدداً من الأفلام المتميزة، ولو أنها ليست جميعاً جيدة، بينها "العرس" لبافل لونجين، و"موسكو" لألكساندر زلدوفيتش ينتمي ايضاً الى المقارنة بين الشيوعية او عدمها و"إبنة الكابتن" لألكسندر بوشكين و"غيرة الآلهات" لفلاديمير ميتشوف وأفضلها "مفكرة زوجته" لأليكساي يوشيتل. في خط منفصل انتقل المخرج سيرغي بودروف، الذي حقق إعجاباً عالمياً بفيلمه السابق "سجينا الجبل" الى نطاق السينما الأميركية بفيلم "الهرب نحو الحرية"، لكنه كان هرباً الى الوراء على كل صعيد ممكن. هذا واحد من سقطات جسيمة تعرض لها ايضاً ميغويل ليتين وفيم فندرز وروبرت ألتمن وجيمس ايفوري وروي غويرا، كل في فيلم لم يحقق النتيجة المتوخاة منه.