} مع تبقي ساعات معدودة على إغلاق باب الترشيح لرئاسة الحكومة، منتصف هذه الليلة، ما زالت الحلبة الحزبية تعيش دوامة في أعقاب إعلان شمعون بيريز ترشيح نفسه ومنافسة ايهود باراك وارييل شارون، لكنه يحتاج إلى تأييد عشرة نواب على الأقل، ويأمل في تحقيق ذلك عن طريقة حركة ميرتس اليسارية. وأمس اعترف زعيم الحركة يوسي سريد، الذي التقى على حدة باراك وبيريز، أنه حائر في اتخاذ القرار المناسب: "زعيمان في العمل تخاصما ويتوجب عليّ الحكم لصالح أحدهما وهذا أمر غير معقول". يعقد مجلس حركة ميرتس اليسارية اجتماعاً خاصاً، صباح اليوم، لبت طلب الوزير شمعون بيريز من نواب الحركة دعم ترشيحه لمنافسة ايهود باراك وارييل شارون على رئاسة الحكومة في الانتخابات التي ستجرى في السادس من شباط فبراير المقبل. وواصل بيريز أمس حرب الأعصاب التي يديرها منذ أيام ضد زعيم حزبه رئيس حكومته باراك، إذ واصل التزام الصمت وتجنب الاعلان الواضح عن نيته ترشيح نفسه، تاركاً لوسائل الإعلام التخمين بأنه سيخطو في هذا الاتجاه. ويحتاج بيريز، الذي سيضطر إلى ترك حزب "العمل" في حال ترشيح نفسه، إلى تزكية كتلة أو كتل برلمانية من عشرة نواب وهو ما يمكن أن توفره له كتلة ميرتس 10 نواب. ولأجل هذا مارس ضغوطاً شخصية على جميع نواب الحركة ليحصل على تأييدهم. لكن الصورة لم تتضح، فقد أعلن الوزير السابق حاييم اورون ان الظروف الحالية التي تشهد مساعي جدية لباراك للتوصل إلى اتفاق سلمي مع الفلسطينيين لا تسمح بانزال مرشح عن معسكر السلام لمنافسة باراك، فيما حمل النائب موسي راز رأياً مغايراً، وقال إنه يتحتم على حركته دعم بيريز "لوضع حد لباراك الذي ينافس شارون على المواقف الأكثر يمينية"! وقال نواب آخرون من الحركة إن بيريز أعلمهم بأنه سيسحب ترشيحه إذا ما نجح باراك في انجاز اتفاق مع الفلسطينيين حتى العشرين من كانون الثاني يناير المقبل، موعد مغادرة الرئيس بيل كلينتون للبيت الأبيض، وإن كان يشكك في إمكان تحقيق ذلك، معتبراً نفسه الوحيد القادر على تحقيق الاتفاق المرجو. ويبدو أن الكلمة الفصل ستكون لرئيس الحركة يوسي سريد الذي يبدو حائراً على رغم أنه كان أول من لمح إلى إمكان انزال مرشح ثالث ازاء خيبته من باراك، لكنه عدل عن موقفه بعد أن استدرجه باراك إليه وضمه إلى طاقم صنّاع القرار، وأمس انتدبه للقاء الرئيس حسني مبارك. ولفت تصرف باراك هذا انتباه المعلقين والسياسيين على حد سواء الذين أكدوا أن باراك ماضٍ في سلوكه المتقلب، فهو الذي تنازل عن سريد وزير التربية والتعليم على رغم أن ناخبي ميرتس منحوا باراك أصواتهم، وها هو اليوم يستعين به ليظهر للرأي العام ومعسكر اليسار أنه يعمل بتعاون مع أقطاب حزبه وشركائه، لتحقيق السلام. ومع تبقي ساعات معدودة على اغلاق باب الترشيح، منتصف هذه الليلة، يواصل باراك بذل جهوده لقطع الطريق على بيريز من خلال التأثير على سريد، وربما محاولة اغرائه بحقيبة وزارية مرموقة في الحكومة المقبلة إذا ما فاز في الانتخابات. وأمس نقل عن سكرتير العمل رعنان كوهين استعداد باراك التعهد بحقيبة وزارية جدية لبيريز إذا ما أعلن الأخير أنه لن ينافسه، لكنه رفض التعهد بتسليمه الخارجية خشية أن تندلع مواجهة جديدة مع الوزير الحالي شلومو بن عامي. وتأتي جهود باراك في أعقاب استطلاعات للرأي تؤكد أن بيريز سيتفوق عليه في الجولة الأولى وسيطيح به. وحسب استطلاع نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" أمس، فإن شارون سيحصل على 38 في المئة من الأصوات مقابل 29 لبيريز و18 لباراك، وان بيريز سيفوز على شارون في الجولة الثانية ويحصل على 41 في المئة من الأصوات مقابل 39 لشارون، بينما سيحقق الأخير فوزاً واضحاً على باراك 43 مقابل 35. وظاهرياً يستخف باراك بالاستطلاعات "بخاصة عندما تنبئ بفوز بيريز" كما قال ليلة أول من أمس، في إشارة لاسعة إلى أن بيريز خسر جميع المعارك الانتخابية التي خاضها في حياته على رغم أن استطلاعات الرأي أفادت بفوزه الأكيد. وحاول باراك، في مقابلة للتلفزيون الإسرائيلي، الظهور واثقاً من نفسه وقدرته على هزم شارون، ودعا بيريز إلى التخلي عن فكرة المنافسة والانضمام إليه، لكنه ضمن دعوته هذه بعض التهكم والتهديد، قائلاً إن بيريز رجل متقدم في السن وذو خبرة خاض معارك كثيرة لكن عليه أن يدرك الفارق بين نشوة الاستطلاعات والعودة الى الوعي غداة الانتخابات. مضيفاً: "ادعوك إلى التعاون معي في تحقيق السلام بدل أن نغوص في معارك داخلية تؤدي إلى الشقاق والانقسام اللذين أديا في السنوات 1978-1992 إلى جلوسنا في المعارضة"، في إشارة إلى النزاع الحاد الذي وقع آنذاك بين بيريز واسحق رابين "الذي دوّن هذا التاريخ في دفتر مذكراته"، ليذكّر بيريز بأن رابين كتب عنه أنه "متآمر لا يكل"، وهي وصمة لوّح بها خصوم بيريز على مدار عقدين من الزمن. ورأى معلقون ان باراك اراد بذلك أن يقول لبيريز إنه لن يهادنه إذا ما رشح نفسه منافساً له. وببرودة أعصابه هذه رد باراك في المقابلة التلفزيونة على أسئلة المحاور، فاختار أحياناً التهرب من الرد المباشر على أسئلة أحرجته، وأدلى أحياناً أخرى بأجوبة متناقضة وعمد إلى اطلاق خطاب رنان أعلن رسمياً انطلاق المعركة الانتخابية. وادعى باراك ان ترشيح ليكود لشارون لمنافسته يصعب عليه المهمة في المعركة الانتخابية، فهو "خصم عنيد أكن له الاحترام وتربطني به علاقات مودة". وحين سئل عما إذا كان ينوي ضم شارون لحكومته، في حال فوزه في الانتخابات، اختار ان يقول إنه لا يشكل حكومة قبل أن يحقق الانتصار الفعلي في الانتخابات. ورداً على سؤال آخر عن الجديد الذي سيأتي به في حال فوزه وازاء الابقاء على تركيبة البرلمان الحالي التي تحول دون تشكيل ائتلاف مستقر، قال باراك إن انتخابه مجدداً سيعني أن الشعب منحه تفويضاً لإنجاز اتفاق سلام يقضي بفصل عن الفلسطينيين وانهاء النزاع ومنع مواجهة شاملة في المنطقة، و"حينها ستنضم إلى حكومتي أحزاب وقفت حتى الآن متفرجة بانتظار ما ستسفر عنه المفاوضات مع الفلسطينيين". ورفض باراك التصريح بما إذا كانت تفاهمات كامب ديفيد تشكل أساساً للمفاوضات الحالية، وقال: "الأفكار التي طرحت لم تمح من الذاكرة، لكنها ليست ملزمة وفقط إذا حصل اتفاق بين الطرفين على المسائل كافة، سيجري مفعول هذه التفاهمات". وفيما حذر المواطنين من مغبة فوز شارون بالرئاسة وتصعيد عسكري محتمل مع الفلسطينيين وفي المنطقة، تباهى باراك بقوله إنه لم يتنازل حتى الآن عن شيء للفلسطينيين، بينما تنازلت حكومة نتانياهو عن مناطق فلسطينية "نعم... أنا لم أسلّم شيئاً للفلسطينيين، بينما اليمين سيقود الدولة إلى طريق مسدود". وتساءل النائب شتاينش، من متطرفي ليكود: كيف يستوي الأمران، السعي للسلام من دون التنازل واتهام ليكود بأن سياسته كارثية وقد تنازل للفلسطينيين؟". إلى ذلك، لم يفضِ اجتماع نواب الكتل العربية إلى أي اتفاق، كما كان متوقعاً، على رغم إعلانهم أنهم سيواصلون التشاور. ورأى مراقبون أن النواب الذين أعلنوا نيتهم ترشيح أنفسهم قد "ينزلون عن السلم" في حال خاض بيريز المنافسة ليعلنوا بالتالي دعمهم له.