بدت الأوساط السياسية والحزبية في اسرائيل، أمس، في حالة فوضى غير مسبوقة بعدما قدم رئيس الحكومة ايهود باراك استقالته الى رئيس الدولة موشي كاتساف. وضبطت استقالة باراك المفاجئة الأحزاب مرتبكة وحائرة في اتخاذ مواقف واضحة من مسائل عدة، أبرزها حل الكنيست وتقديم موعد الانتخابات العامة. واعلن بنيامين نتانياهو ليل أمس، في مؤتمر صحافي بعد عودته الى اسرائيل، انه قرر العودة الى الحلبة السياسة وترشيح نفسه لرئاسة ليكود، متمنيا ان تستكمل الكنيست اجراءات حل نفسها ليتمكن من التنافس على رئاسة الحكومة. واعتبر استقالة باراك "حيلة تهكمية اراد من خلالها التغطية على فشله" في ادارة شؤون الدولة. واعتبر الرئيس ياسر عرفات خلال توقفه في مطار القاهرة قبيل عودته الى غزة بعد اختتامه زيارة للملكة العربية السعودية ان استقالة باراك كانت شيئاً متوقعاً "بعد الارتباك الكبير الذي ساد الاوساط الاسرائيلية اخيراً". وفور عودته الى غزة، رأى ان استقالة باراك جاءت "نتيجة للضغوط التي نجمت عن الانتفاضة". لكنه اشار في تصريحات لاحقة الى ان هذه الخطوة ستؤدي الى "توقف جديد للمفاوضات الى ان تنتهي الانتخابات". واضاف ان هذه ليست المرة الاولى التي يقوم باراك فيها بب "تضييع الوقت"، واعرب عن أمله في الا تتأثر مسيرة السلام باستقالة باراك. ومع دخول استقالة باراك حيز التنفيذ ظهر غد ليصبح رئيس حكومة انتقالية، يبدأ العد التنازلي لانتخابات رئاسة الحكومة التي يتحتم اجراؤها خلال ستين يوماً وفي موعد أقصاه السادس من شباط فبراير المقبل. واذ اتفق المعلقون السياسيون على ان باراك سعى بهذه الاستقالة المفاجئة الى قطع الطريق على بنيامين نتانياهو، الذي لا يحق له الترشيح لرئاسة الحكومة باعتباره ليس عضواً في الكنيست، أعلن عدد من رؤساء الأحزاب، من اليمين واليسار، تأييدهم حل الكنيست واجراء انتخابات مبكرة للكنيست ورئاسة الحكومة معاً "لتمكين كل مواطن يرغب في الترشيح من أن يتقدم"، فيما اعلنت أحزاب أخرى انها ستسعى الى تجنيد غالبية 61 نائباً لتعديل القانون ولتمكين نتانياهو من المنافسة. وامس جنى باراك أولى ثمار خطوته حين انتخبته اللجنة المركزية لحزب العمل بالاجماع مرشح الحزب لرئاسة الحكومة بناء على اقتراح سكرتير الحزب رعنان كوهين، وفي غياب منافسين له بعدما اعلن رئيس الكنيست ابراهام بورغ انه من غير الممكن ان ينافس على زعامة الحزب خلال عشرة ايام، وهي الفترة الزمنية المتبقية لتقديم اسماء المرشحين للجنة الانتخابات المركزية. وحضر بورغ الاجتماع متأخراً فيما غاب عنه تماماً وزير التعاون الاقليمي شمعون بيريز الذي يتوقع ان يرأس قائمة ثالثة تمثل معسكر السلام في حال اقرار انتخابات عامة للكنيست ايضاً. وعلى رغم الترشيح، يرى المعلقون ان آمال باراك بالفوز على منافسه من ليكود لا تزال رهن التوصل الى اتفاق سلام مع الفلسطينيين قد يعيد ثقة الناخبين العرب واليسار الاسرائيلي به. ورأى المعلق ناحوم بارنياع من صحيفة "يديعوت أحرونوت" ان باراك يعوّل على استعداد الرئيس ياسر عرفات لابرام اتفاق معه إذا "ما رأى الأخير ان ارييل شارون، او نتانياهو، في طريقه الى رئاسة الحكومة الاسرائيلية". وحسب بارنياع فإن استقالة باراك لم تنجم عن قراءته استطلاعات الرأي التي توقعت هزيمته انما عن استمرار المواجهات مع الفلسطينيين ونشاط "حمائم" حزبه ضده. وفي تكتل "ليكود" أبدى عدد من أقطاب الحزب رغبة في الترشيح لزعامة الحزب، اذا بقي نتانياهو خارج المنافسة. فاضافة الى شارون، الذي سينافس في الحالين، من المتوقع أن يعلن سلفان شالوم وليمور لفنات وربما مئير شتريت ترشيح أنفسهم. ومن جانبه، التزم نتانياهو لدى عودته من الولاياتالمتحدة بعد ظهر امس، الصمت ازاء نياته في شأن الانتخابات المقبلة لرئيس الحكومة. وفي حين اعلن باراك انه سيطرح برنامجاً سياسياً يتمحور حول اقتراحاته للحل السلمي "الدائم أو التدريجي" مع الفلسطينيين ليكون بمثابة استفتاء عام على الناخبين، قال النائب العربي في الكنيست عزمي بشارة ان الانتخابات لرئاسة الحكومة لا تتناول برنامجاً سياسياً "انما سيتركز الصراع فيها في نقطة واحدة هي من سيرأس حكومة وحدة وطنية ستقوم حتماً بعد الانتخابات: باراك أم شارون؟". ومع اعلان باراك الاستقالة عادت مسألة ترشيح مرشح عربي لتطرح مجدداً خصوصاً إزاء التوقعات بأن غالبية الناخبين العرب قد تختار الامتناع عن المشاركة في الانتخابات أو التصويت بورقة بيضاء بهدف معاقبة باراك على المجزرة التي نفذتها حكومته ضد المواطنين العرب واستشهاد 13 منهم. وتبدو مسألة ترشيح عربي لرئاسة الحكومة غير واقعية في الوقت الراهن لسببين بارزين، أولهما ان المرشح لرئاسة الحكومة في الانتخابات يحتاج الى تأييد كتلة برلمانية من عشرة نواب على الأقل أو اعلان عشرة نواب تأييدهم للمرشح وهو ما يبدو صعب التحقيق لغياب كتلة عربية من عشرة نواب أولاً، وللخلافات القائمة بين النواب العشرة في الكتل العربية في شأن هذه المسألة ثانياً. فالقائمة العربية الموحدة خمسة مقاعد سبق ان اعلنت أنها تؤيد ترشيح عربي لكن يفترض ان يكون من أعضائها كونها الكتلة العربية الأكبر، وهو ما لا تقبل به الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة جبهة عربية ويهودية التي سبق ان اعلنت أنها تؤيد ترشيح قطب ثالث يمثل "معسكر السلام" وبمعزل عن "انتمائه القومي"، وانها تسعى الى تجنيد حركات اليسار مثل "ميرتس" و"السلام الآن" للالتقاء معها في هذا المسعى. ومن هنا يحتاج النائب أحمد الطيبي الذي سبق ان اعلن ترشيحه، الى تأييد تسعة نواب آخرين ليستطيع المضي في ترشيحه.