معركة حارم من بين المعارك المهمة التي جرت في شهر رمضان والمرتبطة بتاريخ الأسرة الزنكية في العراق. وهي وقعت خلال فترة حكم نورالدين محمود الذي واجه تحالف الصليبيين بخطة عسكرية محكمة. وتفاصيل أحداث هذه الواقعة المهمة كما أوردها محمد سهيل طقوش في كتابه "تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام" أن نورالدين محمود لم يترك فرصة تمر الا واستغلها في مهاجمة الصليبيين، وإن كان فشل في فتح حصن الأكراد في عام 558ه / 1163م. فهو اختار أن يهاجم إمارة إنطاكية وعلى وجه التحديد حصن حارم، وشاركه في تلك المعركة الأمير فخرالدين قرا ارسلان الأرتقي صاحب حصن كيفا في ديار بكر، ونجم الدين ألبي صاحب ماردين، فضلاً عن أخيه قطب الدين مودود صاحب الموصل. في هذه الفترة وردت من إنطاكية أنباء دفعت عموري الاول إلى التعجيل بالعودة الى بيت المقدس، فخلت بلاد الشام من القوة الصليبية، مما شجع نورالدين محمود على مهاجمة إمارة إنطاكية وبالتحديد حصن حارم الذي يعد معقلها الرئيسي، وضرب عليه حصاراً مركزاً بهدف تخفيف الضغط على مصر وإجبار عموري الاول على الانسحاب، ثم الثأر للخسارة التي تعرض لها في البقيعة. أمام تهديدات نورالدين تكتل الصليبيون للدفاع عن كيانهم، فظهر تحالف ضم أمير إنطاكية بوهيموند الثالث، وكونت طرابلس ريموند الثالث، وحاكم كيليكية البيزنطي قسطنطين كولومان، والامير الارمني توروس الثاني، إضافة الى رينولد سانت فاليري وهو سيد حارم. وخرجت الجيوش الصليبية المتحدة منتصف شهر رمضان سنة 559 هجرية، باتجاه الحصن، ولما شاهد نورالدين محمود ضخامة القوات المتحالفة التي قدرت بثلاثين ألفاً، وأدرك أنه يحارب أربعة أمراء في وقت واحد على رأس قوات صليبية وبيزنطية وأرمنية، رفع الحصار عن حارم في خطة عسكرية لاستدراجهم واتجه الى "أرتاح"، طمعاً في ان يتبعوه فيتمكن منهم بعد ان يبتعدوا عن قواعدهم. وفعلاً عزم بوهيموند الثالث على أن يقتفي أثره مخالفاً بذلك تحذير رينولد سانت فاليري من كمين ربما يعدّه نورالدين محمود. ونصح رينولد سانت فاليري الأمراء الآخرين بعدم الدخول في معركة، والانتظار حتى يعود الملك "عموري الاول" من مصر، لكن القادة الصليبيين لم يأخذوا بهذه النصيحة، ووقع الصدام بين القوتين الاسلامية والصليبية بالقرب من "أرتاح"، واذ تجاهل بوهيموند الثالث التحذير بادر بالهجوم، وحين تظاهر المسلمون بالفرار اندفع وراءهم فلم يلبث ان وقع في كمين نصبوه له، فأطبق جيش الموصل بقيادة زين الدين علي كوجك على القوة البيزنطية وأنزل في افرادها القتل والاسر، الامر الذي ترتب عليه تشجُع باقي الفرق الاسلامية بهذا النصر، فأحاطت بالقوات المتحالفة من كل جانب، واشتدت رحى الحرب حتى انتهى الامر بهزيمة القوات المتحالفة هزيمة ساحقة بعد أن قتل منها عدد كبير قدرته المصادر العربية بعشرة آلاف فارس. كما وقع في أسر المسلمين ريموند الثالث وجوسلين الثالث كورتناي وقسطنطين كولومان وهيولوزنيان، فجرى تقييدهم وسيقوا الى حلب مع ستة آلاف أسير. وتشجع المسلمون بهذا النصر فتقدموا وهاجموا حارم وتمكنوا من فتحها. وترتبت على فتح حارم نتائج مهمة، منها ان الهزيمة التي حلت بالقوات المتحالفة كانت ساحقة وعدّت من أعظم الكوارث التي حلت بالقيادة الصليبية الشمالية، كما حقق نورالدين محمود كسباً رائعاً بفتح حارم التي كانت قلعتها الحصينة تحرس الطريق المؤدي الى انطاكية من ناحية حلب، ونتيجة لذلك اصبحت انطاكية تحت تهديد المسلمين المباشر. وكانت معركة حارم آخر معركة تجري على ارض الشام تشترك فيها القوات البيزنطية في عهد نورالدين محمود. * باحث ومؤرخ.