عادت عمليات التمويل غير المنظورة لحزب "التجمع من أجل الجمهورية" الديغولي لتطفو مجدداً على واجهة الأحداث في فرنسا، لكن التهم بدأت تقترب، هذه المرة، من الرئيس جاك شيراك بعد توقيف الوزير السابق ميشال روسان على ذمة التحقيق. وتولى روسان منصب مدير مكتب شيراك عندما كان الأخير رئيساً لبلدية باريس ورئيساً للحكومة الفرنسية، وكان ذراعه الأيمن. أوقف الوزير الفرنسي السابق ميشال روسان وبدأ التحقيق معه في عمليات تمويل غير مشروعة أفاد منها حزب "التجمع من أجل الجمهورية" من خلال تلزيم أعمال تولاها المجلس الاقليمي لمدينة باريس وضواحيها. واختار روسان، الذي تقول الأوساط الديغولية إنه "الحلقة الأخيرة قبل الرئيس"، منذ توقيفه أول من أمس ملازمة الصمت وعدم الرد على أسئلة المحققين عن دوره في التمويل غير المشروع لحزبه. وبرر روسان صمته هذا بأن أحد القاضيين المشرفين على الملف نارك بريسيه - فوكو سبق أن حقق معه لدى توقيفه منذ وقت قصير في عملية تمويل غير مشروع للحزب من خلال بناء مساكن منخفضة الايجارات، وان القاضي يفتقر بالتالي إلى الحياد الكافي للاستماع إلى أقواله. وكان اسم روسان ورد في شريط الفيديو الذي سجله المقاول جان - كلود ميري قبل وفاته، وتناول فيه بالتفصيل الاسلوب الذي اتبعته الأحزاب الفرنسية، للاستفادة من تلزيم المشاريع العامة. وأشار ميري، الذي توفي قبل حوالى 3 سنوات وكشف عن مضمون شريطه منذ بضعة أشهر، ان روسان كان "الممر الاجباري" للأموال التي كان يحصل عليها حزب التجمع من سوق الالتزامات العامة. وفيما كان من السهل على روسان تجاهل ما ورد على لسان ميري، نظراً إلى وفاته، فمن الصعب عليه التعامل بالاسلوب نفسه مع أقوال كريستين لور، معاونة الرئيس السابق للمجلس الاقليمي لمدينة باريس وضواحيها، ميشال جيرو. فبعدما التزمت لور، لدى توقيفها، الصمت على مدى 48 ساعة، انهارت وأبلغت القاضيين ان روسان هو الذي شرح لها أن الأحزاب السياسية تحصل من الشركات الخاصة على تمويل تقدر نسبته بحوالى 2 في المئة من الالتزامات العامة التي تحصل عليها الشركات. وعلى ضوء هذه الأقوال، قرر القاضيان توقيف الوزير السابق للاستماع إلى ما لديه من معلومات. وبإمكان المحققين ابقاءه موقوفاً لمدة 48 ساعة يتخذ القضاء بعدها قرار ايداعه السجن أو اطلاقه. وبمعزل عن القرار الذي سيتخذ بحقه، فإن ورود اسمه مجدداً في إطار تحقيق قضائي، يشكل مصدر ارباك لم يكن شيراك في حاجة إليه، خصوصاً أن تعايشه مع رئيس الحكومة الاشتراكي ليونيل جوسبان دخل في مرحلة العداء المعلن والمتبادل. فمنذ خريف الماضي تعيش فرنسا نوعاً من الحملة الانتخابية المبكرة، استعداداً لانتخابات الرئاسة المقررة في ربيع 2002، ويسعى كل من شيراك وجوسبان في إطارها، إلى تسليط الأضواء على أخطاء الآخر. وفي وسع جوسبان المزايدة في قضايا النزاهة إلى أبعد حدود. لأن اسمه، حتى الآن، بعيد عن أي فضيحة مالية أو عملية تمويل غير مشروعة، فيما اسم شيراك يتردد باستمرار في قضايا من هذا النوع. وليس مستبعداً أن يسعى جوسبان وأوساطه إلى الاستفادة من القضية التي يواجهها روسان للتقليل من شيراك، أو على الأقل للامعان في تلطيخ صورته لدى الرأي العام.