لا شك ان تحالف الاحزاب الباكستانية ضد حكومة العسكر سيكون المتضرر الاول من الافراج عن نواز شريف، ويستتبع ذلك ان حكومة الجنرال مشرف هي المستفيد الوحيد من الخطوة. فمنذ شاع نبأ اطلاق نواز شاعت ايضاً في اوساط الاحزاب انتقادات حادة للرجل، مفادها انه "ساوم على مبادئه في مقابل اطلاقه" وأنه "حرص على مصالحه اكثر مما اهتم بمصلحة البلاد". ومع انه لا يزال مبكراً الحكم على "التحالف" بالانفراط إلا ان خروج نواز من السجن سيخلق فجوة جديدة بين مواقف حزبه وحزب بينظير بوتو في انتظار اتضاح معالم المرحلة المقبلة. وحين أُعلن تشكيل "تحالف اعادة الديموقراطية" الذي ضم 18 حزباً، على رأسها الحزبان الرئيسيان حزب الشعب بقيادة بوتو والرابطة الاسلامية بزعامة شريف، استجاب الباكستانيون له بنوع من اللامبالاة. وهذا ما دلّ الى سلبية تعتمل في أوساط الباكستانيين الذين فقدوا ثقتهم بالسياسة، كما بالحزبين المذكورين اللذين جُرّبا طويلاً في الحكم. فهما، بعدما قال واحدهما في الآخر ما لم يقله مالك في الخمر، عادا وتحالفا وضربا بعرض الحائط كل الأتباع ممن صفّقوا لأحدهما بسبب معاداته الآخر. والحال أن اقتصار مطالب رئيس التحالف نواب زاده نصرالله خان على رفع الحظر عن التجمعات السياسية، وهو الذي فرضه الانقلاب العسكري منذ قيامه في تشرين الاول اكتوبر 1999، كشف عن تواضع هدف التحالف وحدوده. وقد هدد رئيس التحالف بالاحتكام الى الشارع الباكستاني اذا لم تستجب الحكومة. لكن هذا التهديد لم يكن ليجدي في ظل احباطات ألمّت بهذا الشارع، جاعلةً لقمة العيش هدفه الأوحد. فاذا صحّ ان ثمة شرائح في الطبقة الوسطى ضعيفة العود، وفي الأرياف، تبدي الاستعداد لتلبية نداء المعارضة، صحّ أيضاً ان قدرة هذه الفئات على التغيير تبقى محدودة. لكن الطرف القادر على تقصير ولاية الحكم العسكري ليس قطعاً تحالف الاحزاب، اللهم الا اذا استطاع اعادة ابتكار دوره من ضمن معادلات دولية واقليمية جديدة. ذاك ان الجيش الباكستاني انما ينتشر في المفاصل الحيوية والرئيسية للبلاد. والأمر لا يقتصر على الأمن وطاقته الردعية وانما يتعلق بامتداداته العميقة في البنى الاقتصادية والخدمية، الثقافية والتعليمية. وهذا ما يُستدلّ اليه من ملكية مؤسسة الجيش ورموزها مرافقَ مدنية عدة بينها مستشفيات ومصارف وشركة شاحنات النقل وجامعات وشركات مدنية اخرى. ثم ان بين المنتسبين الى القوات المسلحة بعض المثقفين الذين طال تبرّمهم من فساد الانظمة البرلمانية المتعاقبة وزاد تعلّقهم ب"الانقاذ" و"الخلاص" على يد الجيش! ومثل هؤلاء يتبوّأون، ويمكن ان يتبوأوا، مواقع قيادية في المؤسسات المدنية ليس فقط لقربهم من السلطة، بل ايضاً لكفاءاتهم وخبراتهم. يضاف الى ذلك ان التجارب السابقة للتحالفات الحزبية لم تشكّل سوابق ناجحة ضد الجيش وسلطته. اذ ائتلفت الاحزاب المعارضة تحت لافتة "تحالف الاحزاب القومية" ايام حكومة الجنرال ايوب خان، اواخر الخمسينات، وحصدت الفشل. كذلك اندمجت الاحزاب في تحالف استعادة الديموقراطية ابان حكم الجنرال ضياء الحق فكانت النتيجة نفسها. ولعل ما جمع هذه الاحزاب في التحالف الراهن رفضها الانتخابات المحلية التي اعلن العسكر عن نيّته اجراءها اواخر الشهر الجاري. وهو ما وصفته المعارضة بأنه يهدف الى تأسيس "الحزب الملكي" استهزاءً منها بعدم اعتماد الأسس الحزبية في الانتخابات العتيدة والوشيكة. ويُخشى، في هذا المجال، ان تسحب المعركة الاقتراعية البساط تدريجاً من تحت اقدامها، بالاستفادة من لامبالاة الناس وقدرة العسكر على التحكّم في القرار الشعبي، فضلاً عن الافلاس المزمن للحياة الحزبية ووجوهها. وقد سبق لضياء الحق ان اتبع التكتيك نفسه حين دعا الى انتخابات على أسس غير حزبية في 1985. والمراقبون يذهبون الى ان اكثر المتضررين من التحالف الجديد كان حزب الرابطة الاسلامية الذي انشق مجموعات عدة. اذ رأى بعض قادته ان حزبهم غادر مواقعه الايديولوجية، واصبح من الصعب على الكثيرين منهم ان يقاوموا العسكر هم الذين ترعرعوا في احضانه. وهذا لا يلغي انه اذا استمر تحالف حزبي المعارضة الكبيرين والاحزاب المتحدة معهما، واذا نزلت الى الشارع فعلاً فإنها تستطيع أن تخلق بعض المتاعب الأمنية وان تربك السلطة قليلاً. إلا ان هذا شيء، والتغيير - او بداياته - شيء آخر.