على خلفية الاهتمام بمتابعة أنباء المعركة الدائرة في الولاياتالمتحدة على الكرسي الذي سيشغر قريباً في البيت الأبيض، لم تلتفت وسائل الاعلام الى الانتخابات البرلمانية في اذربيجان رغم أنها قد تثير تداعيات محلية واقليمية واسعة. فهذه الجمهورية النفطية التي تحتل موقعاً استراتيجياً بين روسياوتركياوايران وتطل على بحر قزوين تتهيأ لعملية نقل للسلطة من الرئيس الحالي حيدر علييف الى ابنه الهام الذي قاد القائمة الانتخابية لحزب "اذربيجان الجديدة" الذي أسسه وترأسه والده حيدر. وعلييف الأب من الساسة المخضرمين فهو تزعم جهاز الأمن في اذربيجان وصار أميناً أول للحزب الشيوعي فيها وترقى ليصبح عضواً في المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي ونائباً أول لرئيس الحكومة السوفياتية، بيد أنه فقد كل مناصبه بعد البيريسترويكا وانزوى في منطقة ناخيتشيفان النائية على الحدود مع ايران منتظراً فرصته للوثوب مجدداً الى كرسي الحكم. وقد عاد ب"دعوة من الشعب" إثر انقلاب ضد الرئيس الشرعي أبو الفضل التشي بيه وغدا الحاكم المطلق الصلاحية، إلا أنه واجه أزمة صحية خطيرة ونقلت وكالات الأنباء خبر وفاته في مستشفى أميركي كان يعالج فيه، إلا أنه عاد الى بلاده وقال ان ما نشر كان "مبالغة". بيد أن علييف بدأ يمهد فعلاً الطريق لابنه الهام فجعله نائباً له في رئاسة الحزب ومسؤولاً فعلياً للقطاع النفطي وتغاضى عن كونه "أشهر لاعب" في كازينوهات القمار العالمية كما يقول خصومه من المعارضة. وشدد هؤلاء على أن الانتخابات مزورة وأن السلطة سخرت كل مواردها لخدمة الحزب الحاكم ومنعت أحزاب المعارضة في الاشراف على عملية فرز الأصوات، من أجل تأمين فوز قائمة الهام علييف تمهيداً لانتخاب الأخير رئيساً للبرلمان، لكي يكون الرجل الثاني ويغدو بموجب الدستور رئيساً للدولة عند "غياب" الرجل الأول، أو يخوض الانتخابات الرئاسية من مواقع السلطة. إلا أن علييف الأب أعلن نيته الترشيح لدورة رئاسية جديدة مؤكداً ان ولده "لا يتوق كثيراً" الى رئاسة الهيئة الاشتراعية. وأياً كانت شدة التوق والشوق الى السلطة فإن "فوزاً باهراً" تحقق للحزب الحاكم الذي اعلن انه حصل على أكثر من ثلاثة أرباع المقاعد في البرلمان وترك لقادة المعارضة ان يشربوا مياه بحر قزوين الغنية بالملح والنفط. ولن تُسمع في العالم اعتراضات الخاسرين إذ أن علييف أو وريثه مطلوب اقليمياً ودولياً. فهو تمكن من الاحتفاظ بعلاقات متوازنة الى حد ما مع تركياوايران، وتسنى له الحصول على دعم غربي واسع من دون أن يحرق كل الجسور مع روسيا، بل ان الارمن الذين يتحاربون مع الاذريين على منطقة قره باخ الجبلية يرون في علييف الرجل الذي يمكن أن يوقع معهم "سلام الشجعان". باختصار الانتخابات الاذربيجانية هي محاولة لترسيخ حكم آل علييف باعتباره ضمانة للاستقرار في جنوب القوقاز وبحر قزوين، اما الديموقراطية فإن عليها ان تنتظر...