جان شارل اسلان ترجمة انطون حمصي التاريخ الاقتصادي للقرن العشرين جزءآن وزارة الثقافة السورية، دمشق 1998. ج1: 664 ص. ج2: 800 ص. كان على الاقتصاد أن يواجه في النصف الأول من هذا القرن ثلاثة تحديات كبرى: الحرب العالمية الأولى التي فككته، وأزمة عام 1929 التي اوقفت انطلاقته وعرضت النظام الرأسمالي للانهيار، وقيام الاتحاد السوفياتي الذي بنى نظاماً اقتصادياً اشتراكياً شمل نصف العالم تقريباً بعد الحرب العالمية الثانية. وكان عليه ان يواجه في النصف الثاني من هذا القرن خمسة تحولات كبرى: الحرب الباردة، الثورة العلمية - التقنية التي تقدمت انجازاتها بسرعة مذهلة: الكومبيوتر، الاتصالات السريعة، النزول على سطح القمر... الخ، انهيار الاتحاد السوفياتي، صيرورة الدولة بعداً من أبعاد العملية الاقتصادية وأخيراً "العولمة" او تحول العالم برمته الى فسحة اقتصادية واحدة. تتخذ فترة ما بين الحربين التي يتناولها الجزء الأول من هذا الكتاب مكانة حاسمة في طفرات القرن العشرين الاقتصادية. انها فترة معقدة تتحدى سماتها كل تبسيط، وتبقى دلالتها عرضة للجدل. فقد عاش معاصرو تلك الحقبة في اوروبا احداث ما بين الحربين بوصفها رحلة انقطاعات واختلالات حادة في التوازن مما جعل طريق النمو الرأسمالي موضع مساءلة. كما كشفت هذه الفترة ايضاً، على الصعيد الدولي، عن اختلالات توازن تراكمية. فقد اغلقت الولاياتالمتحدة ابوابها في وجه الهجرة، وتراجعت التجارة الدولية التي كانت اوروبا مركزها. وأدت القطيعة التجارية والنقدية والمالية التي اعقبت ازمة 1929 الى انهيار لا سابق له في الاقتصاد الدولي. وكان كثير من الدول، في عالم قسّمته الحواجز، يسعى وراء مخرج قومي من الكساد العالمي. وشهد العالم في تلك الفترة تنامي قوة كل من الاتحاد السوفياتي واليابان ضمن اطار الاقتصاد الموجه. كما شهد العالم ايضاً نهوض المانيا النازية الاقتصادي انطلاقاً من 1933. وقد تركت هذه التطورات آثارها النفسية السيئة على الرأي العام في الديموقراطية الليبرالية الغربية التي بدت عشية الحرب في حالة عجز وخوف. ولم يفلت اقتصاد قوي كالاقتصاد الاميركي من التأثيرات السلبية لتنامي دور نظام الحماية. هذا التفكك في الاقتصاد الدولي ادى الى توطد دور الدولة داخل جميع الاقتصادات القومية وتنامي نزعة التدخل الحكومي، وهو التدخل الذي اتخذ طابعاً دفاعياً في وجه الاضطرابات ذات المنشأ الدولي. ويرى المؤلف ان كساد الثلاثينات مع هذا لم يوقف ولم يكبح التجديد التقني. فكثير من ضروب النمو الكبرى لما بعد 1945، من التحسينات الحاسمة في الطيران التجاري الى ظهور المواد البلاستيكية او التلفزيون، ينتمي الى اصل سابق للحرب العالمية الثانية. وقد يكون هذا صحيحاً، ولكن المؤلف لم يشر على نحو واضح الى ان الجهود الهائلة التي بذلها العلماء والمهندسون، في كلا معسكري الحرب، لتطوير الآلة العسكرية، كانت هي الركيزة لتطوير الصناعات المدنية بعد الحرب، والى اعادة الاعمار بتقنيات جديدة. ويتناول الجزء الثاني الذي يحمل عنواناً فرعياً هو: "عودة الاقتصادات القومية الى الانفتاح" من عام 1939 الى الثمانينات عدة قضايا هامة، مثل التوسع الكبير للاقتصادات الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، ودراسة الاقتصادات ذات النموذج السوفياتي. ويخصص المؤلف القسم الثاني من هذا الجزء لدراسة اقتصاد العالم الثالث في مرحلة ما بعد الحرب، كم يتصدى لظاهرة اختلالات التوازن العالمية منذ العام 1974 وحتى نهاية حقبة الثمانينات. وبذا يستكمل المؤلف اهم الجوانب في كتابه الموسوعي التاريخ الاقتصادي للقرن العشرين. ويرى المؤلف، في الجزء الثاني من كتابه، انه اذا كانت الحرب العالمية الأولى قد سجلت نهاية نظام القرن التاسع عشر الدولي، فان الحرب العالمية الثانية، كانت على العكس، بداية انطلاق الجهود الدولية لاعادة بناء عالم جديد. في هذه المرحلة نشهد تبايناً واضحاً ما بين القوة الاميركية والضعف في البلدان التي كانت ساحة للمعارك كما نشهد انقسام البلدان المنتصرة الى معسكرين: الديموقراطيات الرأسمالية في مواجهة "الكتلة السوفياتية". ومع هذا فقد اكتسبت هذه المرحلة مزية عظمى هي مزية "التجربة المكتسبة"، اي الارادة الحازمة في تجنب جميع الاخطاء التي أدت الى كارثة الحرب العالمية الثانية. فقد تجنبت الدول المنتصرة على سبيل المثال مسألة التعويضات وتسديد الديون، وهي المشكلة التي سمّمت العلاقات بين الدول الأوروبية منذ عام 1918 وحتى الثلاثينات، وكانت من بين العوامل التي دفعت المانيا الى الحرب. ولم تقدم الحكومة الاميركية على خطوة الغاء ديون الحرب فحسب، بل اخذت تقدم المساعدات مشروع مارشال للدول الغالبة والمغلوبة على حد سواء من اجل خلق اوروبا جديدة. وكانت الولاياتالمتحدة واعية لكون ازدهارها الخاص بات جزءاً لا يتجزأ من ازدهار "العالم الحر". وشهد العالم الرأسمالي في فترة العقود الثلاثة الأولى ما بعد الحرب، او تحديداً الفترة ما بين 1945 - 1973 توسعاً كبيراً، كما شهد معدلات نمو قياسية حوالى 5 في المئة سنوياً. انها فترة الثلاثين سنة المجيدة التي بدأت تلوح في نهايتها بعض الارتكاسات مثل البطالة والتضخم. وفي هذه الفترة يمكن ان نلاحظ ثلاثة تطورات مهمة: انتعاش اوروبا الغربية الاقتصادي، صعود اليابان السريع والمدهش. وهاتان الظاهرتان لم تقلصا الفرق بين اقتصاد اميركا واقتصاد البلاد الحليفة الدائرة في فلكها فحسب، بل انهما جعلا مسألة التفوق الاميركي موضع نقاش لأول مرة. الى جانب هاتين الظاهرتين كانت هناك ظاهرة تقدم الاتحاد السوفياتي الصناعي وخاصة في حقبة الستينات والعسكري. هذه الفترة من الصعود او الانتعاش الاقتصادي التي اعقبت الحرب، والتي يطلق عليها المؤرخ البريطاني ايريك هوبزناوم اسم "العصر الذهبي" في القرن العشرين، بدأت تشهد تراخياً وتراجعاً تجليا بشكل واضح منذ اواسط السبعينات، وخاصة في اقتصاديات الاتحاد السوفياتي واقتصاديات الدول الدائرة في فلكه، او الدول التي اتخذت المنهج السوفياتي اسلوباً للتنمية. ويرجع المؤلف ظهور بوادر "المجتمع الاستهلاكي" الى تلك الفترة بالذات، فترة الطفرة والنمو الشامل والسريع، الذي اعقب الحرب. فهذا النمو صاحبه انتشار ظاهرة امتلاك السيارات الفردية، وظاهرة ثالوث الاستهلاك، كما يسميها، وهو: التلفاز والثلاجة والغسالة. ورافق ذلك ايضاً التسهيلات التي راحت تقدمها شركات الاسكان والعقارات، والانتشار السريع لمظاهر الرفاهية. ولعبت دينامية الاقتصادات الرأسمالية المتقدمة دوراً حاسماً في المنافسة بين "الشرق" و"الغرب"، وبدأ يظهر على نحو واضح تسارع الفرق في مستوى الرفاه والمعيشة والدخل ما بين دول النظام الرأسمالي ودول النظام السوفياتي. ويركز المؤلف هنا ايضاً على عاملي التطور العلمي والتقدم التكنولوجي الهائلين في تلك المرحلة، وهما العاملان الرئيسيان اللذان كان لهما الدور الأول في تلك الطفرة الكبرى التي اعقبت الحرب. وقد كان من الطبيعي ان تحتل الولاياتالمتحدة بحكم وفرة امكاناتها المادية والاقتصادية موقع الريادة في هذا الميدان. ففي حين كان عدد الباحثين والتقنين في بداية الاربعينات حوالى 80 الفاً ارتفع عد هؤلاء في الولاياتالمتحدة عام 1970 الى مليون ونصف المليون باحث وتقني. وتمثل نفقات الولاياتالمتحدة الاجمالية في البحث التطويري، وخلال عقد واحد 1975 - 1966 ثلاثة اضعاف مجموع ما انفقته اوروبا الغربية في هذا المجال. وعمل على تعميق هذا الفرق تفوق المعاهد الجامعية الاميركية واجتذاب العلماء الأوروبيين والآسيويين. وأفادت الصناعة الأميركية بشكل خاص من آثار نفقات البحث العسكري والفضائي الحكومية. وبدأت تظهر منذ بدايات تلك المرحلة - مرحلة الطفرة - بدايات انقسام العمل الى عدة مجموعات او كتل اقتصادية كبرى. وكانت هذه الظاهرة اكثر بروزاً في أوروبا الغربية، حيث نشأت منظمة اقتصادية اقليمية مهمة. فهناك أولاً المنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادي والتنمية OECD التي تكونت عام 1948، وانضمت اليها اليابان في ما بعد، وذلك من اجل تنظيم توزيع مساعدات مشروع مارشال. وتوالت بعد ذلك المنظمات الأوروبية الاقليمية في الظهور من مثل الاتفاقية النقدية الأوروبية 1955 والاتحاد الأوروبي للفحم والفولاذ عام 1952، ومعاهدة روما 1957 والتي كانت البداية لما بات يعرف في ما بعد بالسوق الأوروبية المشتركة، ثم "الاتحاد الأوروبي" EV. ويعتبر المؤلف الفترة 1968 - 1973 بمثابة سنوات الانعطاف، اي مرحلة التحول التدريجي من الازدهار الاقتصادي العالمي الى مرحلة التباطؤ ونمو التضخم. وكان الاقتصاد الاميركي في طليعة الاقتصادات الغربية التي بدأت تعاني من المصاعب. وتزايدت الضغوط على الدولار، مما دفع الادارة الاميركية الى وقف العمل باتفاقية بريتون دورز الشهيرة عام 1971 بالتوقف عن تحويل الدولار الى ذهب، والى تخفيض سعر صرف الدولار لأول مرة منذ 1934. وجاء عام 1974، الذي عرف باسم عام صدمة النفط رفع دول اوبيك لأسعار نفطها بصورة مفاجئة ليضع حداً للعصر الذهبي للاقتصاد والرأسمالي العالمي. ويعود المؤلف الى معالجة هذا الموضوع تحت عنوان "اختلالات التوازن العالمي منذ عام 1974" في القسم الثاني عن الجزء الثاني والاخير، وذلك بعد ان يتوقف طويلاً عند ركنين مهمين من اركان الاقتصاد العالمي، وهما: الاقتصادات ذات النموذج السوفياتي، واقتصاد العالم الثالث 1945 - 1973. فمع نهاية الحرب العالمية الثانية لم تعد الاشتراكية محصورة في بلد واحد. فمن نتائج تلك الحرب ارتباط ست دول أوروبية شرقية ارتباطاً وثيقاً بالاتحاد السوفياتي سياسياً وعسكرياً واقتصادياً. وكان ارتباط هذه الدول في ما بينها - اقتصادياً - اسرع من ارتباط دول اوروبا الغربية. فقد ارتبطت الدول الاشتراكية الأوروبية في ما بينها منذ 1949 من خلال رابطة "الكوميكون" مجلس المعونة الاقتصادية المتبادلة. وكان النموذج الستاليني هو النموذج الاقتصادي المحتذى لهذه المجموعة، اي نموذج التخطيط المركزي للاقتصاد، الذي يخطط لكل مشروع جميع وجوه فعاليته بتفاصيلها، مع استبعاد تأثير علاقات السوق كلياً، كما يتميز هذا النموذج باعطاء الأولوية للصناعات الثقيلة على حساب الزراعة والصناعات الخفيفة. وإذا كان النموذج الستاليني في الاقتصاد السوفياتي يعود في جذوره الى 1928، فانه بالنسبة الى بلدان اوروبا الشرقية يعود الى بداية المرحلة السوفياتية، وحتى وفاة ستالين اي الفترة 1945 - 1953. اما الفترة الثانية التي اطلقها عليها المؤلف اسم مرحلة التطور بعد الستاليني 1953 - 1965 فقد عرفت تقلبات متعاقبة رافقت "خضّات" وأحداثاً سياسية درامية مثل عصيان برلين 1953 وأحداث المجر 1956 ثم بولونيا في العام نفسه. وأخفقت جميع محاولات الاصلاحات الاقتصادية في تلك البلدان والتي جرت في الفترة 1963 - 1968. فقد جاءت احداث تشيكوسلوفاكيا عام 1968 لتضع حداً لأية اوهام حول "الاصلاح"، ولتعود بتلك البلدان الى دوامة التصلب السوفياتي. ورأى المؤلف ان تزايد التخلف التقني لتلك البلدان عن صناعة البلدان الغربية قد خلق اختلالاً خطيراً في التوازن. ففي الوقت الذي كان فيه الاقتصاد الغربي يتقدم بخطى سريعة بعد الحرب كانت اقتصادات "الكوميكون" في تراجع متتابع منذ بداية الخمسينات. ويخلص المؤلف الى نتيجة مهمة، بعد ان يستعرض عددا من التجارب الاصلاحية المخففة لاقتصادات تلك الدول، او محاولة التخلص من شدة الوصاية السوفياتية، وهي ان مصير المنافسة بين الكتلتين قد حسم منذ الستينات عندما تبين لتلك الدول مقدار الفجوة الهائلة والمتنامية ما بين نوعية انتاجها ومستوى معيشتها وبين تلك النوعية وذاك المستوى في الغرب. وكانت تجربة كل من المانياالشرقيةورومانيا التجربة "الاشتراكية" الاكثر مرارة وفظاعة من الناحية الانسانية. ويخصص المؤلف في القسم الثاني من الجزء الثاني والاخير حيزاً مهماً لدراسة اقتصادات العالم الثالث. وتعبير "العالم الثالث" استخدم لأول مرة عام 1952 من قبل الاقتصادي الفرد سوفي وسرعان ما انتشر استخدام هذا المصطلح للدلالة على مجموعة البلدان الفقيرة او الضعيفة الدخل والتي بقيت حتى منتصف الخمسينات بعيدة عن التصنيع والنمو الاقتصادي الحديث. ويجري المؤلف هنا عدة مقارنات احصائية ما بين العالم النامي والعالم المتطور من حيث نسبة التزايد السكاني، والولادات، والوفيات، والأمية، والدخل، وغيرها من المؤشرات التي تكشف عن مقدار الهوة بين العالمين. وينتقل بعد ذلك الى دراسة الخصائص العامة البنيوية لاقتصادات العالم الثالث. ويعترف المؤلف بأن مساعدات العالم المتطور للعالم النامي لم تفلح في اقلاع خطط التنمية في العالم الثاني، بل انها لم تفلح الا في زيادة مديونيته، تلك المديونية التي اخذت تتفاقم عاماً بعد عام. فقد ارتفعت - للمقارنة - من 8 مليارات دولار عام 1955 الى 66 ملياراً عام 1970، وتجاوزت بضع مئات من المليارات عام 1995. وفي دراسة لاقتصادات العالم الثالث بصورة عامة يتوقف المؤلف بالتفصيل، في مقاربة مقارنة، عند نموذجين للتنمية: الأول نموذج العملاقين الآسيويين الهندوالصين اللذين اختارا تنمية ترتكز على الاعتماد على الذات مع خيارات اشتراكية من النمط الجماعي في حالة الصين او الاصلاحي في حالة الهند. والنموذج الثاني هو نموذج كوريا الجنوبية والبرازيل اللذين اتجها نحو تصنيع من نمط اشتراكي منفتح على رؤوس الأموال الاجنبية. انها تجارب غنية بكل ما واجهت من تحديات وصعاب، من اخفاقات وانجازات. وكأن المؤلف من خلال اختياره لهذين النموذجين المختلفين من التنمية واللذين يشملان معظم سكان العالم الثالث اراد ان يدرس اقتصاد العالم الثالث كله. ذلك ان معظم بلدان العالم الثالث الاخرى كانت تسير على منوال احد هذين النمطين بدرجة او بأخرى. في الفصل الخامس والأخير من هذا الكتاب يعود المؤلف لدراسة الاقتصادات الغربية التي بدأت تشهد منذ 1974 اختلالات في التوازن. ويعتبر المؤلف العام المذكور عام الصدمة القوية لركود لا نظير له لم يشهده الاقتصاد الرأسمالي منذ الثلاثينات. وتجلى هذا الركود بشكل خاص بتراجع واضح في معدلات النمو مع ارتفاع ملحوظ في نسبة البطالة. وبدأ الاقتصاديون يتحدثون عن ازمة وعن "نهاية العصر الذهبي" او نهاية "الثلاثون سنة المجيدة" كما اسماها الاقتصادي فوراستين، في حين اسماها آخرون "ازمة القرن العشرين". ويرفض المؤلف ما ذهب اليه بعض الاقتصاديين من ارجاع اسباب الازمة الاقتصادية الجديدة الى ما عرف باسم صدمة النفط الأولى 1973 والثانية 1979. ذلك ان هذه الازمة تعود الى اختلالات في التوازن سابقة على هاتين الصدمتين. ويقول المؤلف ان هاتين الصدمتين اي الارتفاع الحاد والمفاجئ في اسعار النفط قد اعقبهما صدمة نفطية مضادة عام 1985 هبوطاً مفاجئاً في اسعار النفط فهل تحسن اداء الاقتصاديات الغربية بعدها؟! ألم يشهد عام 1987 انهياراً في البورصة وتقلباً كبيراً في اسعار العملات الغربية الرئيسية؟! ألم تشهد تلك الفترة تزايد مديونية بلدان كثيرة لم تشتمل على بلدان العالم الثالث وحده، بل على الولاياتالمتحدة نفسها؟! ويرى المؤلف ان الاقتصاد الرأسمالي كان قادراً مع هذا على مواجهة الازمة والحد من خطورتها. في حين شهدت تلك الفترة ذاتها انحسار الانظمة ذات النموذج السوفياتي ثم انهيارها في الفترة 1989 - 1991 وذلك لافتقارها للمرونة الكافية في مواجهة ازماتها المتراكمة. فقد واجهت "دول منظمة التعاون والتنمية" OECD صدمتي النفط من خلال استراتيجية بعيدة المدى اعتمدت اولاً على ايجاد تقنيات ووسائل لتخفيض الاستهلاك الطاقة النفطية من جهة، وزيادة الاعتماد على الصادرات من جهة ثانية، وخاصة تصدير الخبرات والتقنية العالية، والخدمات. ولم يكد يمض عقدان حتى زادت حصة تلك البلدان من الواردات العالمية من 67.2 في المئة في بداية السبعينات الى 71.8 في المئة في نهاية عقد الثمانينات في حين تراجت حصة دول الاوبيك من 9.1 في المئة الى 3.5 في المئة في الفترة ذاتها، كما تراجعت حصة الاتحاد السوفياتي واوروبا الشرقية من 9.7 في المئة الى 4.7 في المئة. ويصف المؤلف عقد الثمانينات بالعقد المضطرب. ان العقد الذي يقع بين الصدمة النفطية الثانية 79/90 والركود العالمي الجديد الذي رافق حرب الخليج الثانية 90/91 والذي شهد سلسلة من ازمات الديون في بولونيا والمكسيك والانهيار المالي عام 1987، واخيراً سقوط الانظمة الشيوعية عام 1989 وتفاقم مشكلة البطالة في العالم المصنّع. وجميع هذه الاخفاقات والانهيارات كانت تطرح مسألة قدرة الرأسمالية على تجاوز نهاية القرن. وزاد من قتامة هذه الصورة الانهيارات المالية والصعوبات الاقتصادية التي تعرضت لها روسيا وبعض دول الاتحاد السوفياتي من جهة، ودول جنوب شرقي آسيا النمور السبعة من جهة ثانية. هذه الصعوبات والانهيارات كان لا بد ان تلقي بظلالها الثقيلة على الاقتصادات الاخرى، وان ترسم صورة تشاؤمية للاقتصاد العالمي في نهاية هذا القرن.