قائمة المشاكل التي تتعرض لها المرأة العربية طويلة لكن تفوقها طولاً قائمة مشاكل المرأة العربية العاملة، فالأخيرة التي قد تجبر على العمل الليلي، أو الانخراط في أعمال خطرة، أو ضارة بالصحة، وتزيد الأمور تعقيداً إذا كانت أماً واكثر عرضة للفصل من العمل بسبب ظروف حملها، او حصولها على اجازة وضع، أو لرعاية الأطفال، وهي كذلك الفئة الاكثر تعرّضاً للاضطهاد في مجال الترقيات والعلاوات والأجور. منظمة العمل العربية، أعادت احياء لجنة المرأة العربية العاملة في مقر المنظمة في القاهرة قبل أيام. وحددت اللجنة لنفسها عدداً من الأهداف أبرزها تعزيز مكانة المرأة العربية العاملة، والتوعية بقضاياها، والوقوف على أوضاعها وتنسيق الجهود المبذولة التي تستهدف النهوض بها، وصياغة التصورات المستقبلية لتنشيط دورها، ودراسة وقياس عمل المرأة في القطاع غير المنظم، والعمل على توفير الشروط المناسبة لعملها، ومتابعة الجهود العربية والاقليمية والدولية التي تهدف الى النهوض بعملها، مع الحفاظ على خصوصية المرأة العاملة العربية وفق الهوية والتقاليد العربية. وتقرر تشكيل هيئة استشارية تعنى بثقافة المرأة العربية العاملة. وانتخبت رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون في كلية الاعلام جامعة القاهرة الدكتورة منى الحديدي رئيسة للجنة، وكل من عضو مجلس الشورى وسكرتير الاتحاد العام لنقابات عمال مصر لشؤون المرأة والطفل السيدة عائشة عبدالهادي والفنانة سميرة أحمد نائبتين. والمهمة الملقاة على عاتق تلك اللجنة ليست سهلة، فمن بين المسؤوليات الكثيرة عليها العمل على تغيير صورة المرأة في الاعلام، لا سيما المرئي والمسموع، والوصول الى صورة مثالية تعبر عن واقع المرأة العربية. وعلى اللجنة كذلك اظهار معاناة المرأة في الدول العربية الواقعة تحت الاحتلال والحصار الاقتصادي. "الحياة" التقت المدير العام لمنظمة العمل العربية، وسألته عن اللجنة الجديدة، ومجالات التعاون مع المنظمات غير الحكومية، ووضع المرأة العربية "العاملة" في البيت كزوجة وأم، والمرأة في فلسطين والعراق، وكان الحوار التالي: كيف خرجت لجنة المرأة العربية العاملة الى النور مجدداً؟ - كانت هناك لجنة منبثقة عن المنظمة تختص بالمرأة العربية العاملة، مقرها تونس، لكن لدواعي ترشيد النفقات، ألغيت اللجنة للأسف الشديد، وفي العام الماضي، زادت الحاجة الى ان تلعب المنظمة دوراً في عمل المرأة والمشاكل المتشابكة الناجمة عن ذلك وعرضنا الأمر على مؤتمر العمل العربي الذي انعقد في مدينة شرم الشيخ بداية العام الحالي، بهدف إحياء اللجنة من دون مبالغة في الانفاق، وهو ما وافق عليه المؤتمر ورأينا ان تشكل لجنة استشارية للجنة، وضمت عدداً من السيدات الخبيرات في الإعلام، والعمل، والجوانب التربوية والتعليمية، وستكون بمثابة مطبخ إعداد قضايا المرأة العربية العاملة للعرض على اللجنة التي تحوي جميع الاقطار العربية. وهل هناك فروق بين اللجنتين الحالية والسابقة؟ - في الماضي، كانت اللجنة تدعى للانعقاد مرتين وثلاث مرات سنوياً كل الدول العربية، وهو ما كان مكلفاً جداً. حالياً سيقتصر الأمر على الهيئة الاستشارية التي ستعد الدراسات والمقترحات، وتعرض على لجنة المرأة على هامش المؤتمر من دون كلفة اضافية. وما الموضوع الذي تعمل عليه اللجنة حالياً؟ - اللجنة تعكف حالياً على دراسة موضوع "المرأة العربية واحتياجات سوق العمل" وسيعرض على دورة المنظمة المقبل في نيسان ابريل عام 2001، وتستضيفها العاصمة الأردنية عمان. وهل اجتماعات اللجنة دورية؟ - نعم، والاجتماع المقبل سيكون في أوائل تشرين الثاني نوفمبر في القاهرة. الدول العربية تشهد دوراً متنامياً للمنظمات غير الحكومية، فهل تفكر المنظمة في ضمها الى الاطراف الثلاثة: الحكومات ومنظمات اصحاب الاعمال والعمال؟ - الألفية الثالثة ستكون ألفية المنظمات غير الحكومية، ونتمنى ان ينعكس هذا التوجه العالمي على الوطن العربي لكن عدداً من تلك الجمعيات لا يقوم بعمل فعلي، والعمل الاهلي والتطوعي في الدول العربية كان في أوجه في خمسينات القرن الماضي، و"الالتزام" هي كلمة السر في هذا الاطار، ومن شأن المنظمات غير الحكومية الملتزمة أن تكون دعماً كبيراً لعمل المنظمة. وأشير في هذا الصدد الى ان نصف منظمة العمل العربية حكومي وزراء العمل والنصف الآخر غير حكومي العمال واصحاب الأعمال ونحاول قدر الإمكان الاعتماد على تلك الجمعيات، وأقرب مثال على ذلك مشاركة رئيس جمعية سيدات الأعمال للتنمية في أعمال لجنة المرأة العربية العاملة. منظمات حقوق إنسان غربية عدة تحرص على إصدار تقارير بصفة دائمة تنتقد فيها أوضاع المرأة العربية، فهل للجنة دور في هذا الصدد؟ - حين تصدر تقارير تلصق صفات مثل الجهل والتخلف بالنساء في افريقيا وآسيا، وهي تشمل المرأة العربية، لكن ما تجاوزته المرأة في المغرب ومصر مثلاً لم تتجاوزه المرأة في موريتانيا والسودان، ومن ثم، فإن القول بأن المرأة العربية تجاوزت مشاكل الجهل والفقر والتخلف عبارة نسبية. من جهة اخرى، فإن مشاركة المرأة في حركة الانتاج في الوطن العربي لا تتجاوز خمسة في المئة، وهي ضئيلة للغاية، على عكس المجالات الخدمية والإدارية التي يتعاظم فيها وجود المرأة. ما أهمية وجود المرأة في المجال الانتاجي؟ - قد تحسن المرأة من حركة الانتاج، فهناك صناعات وأعمال انتاجية معينة تجيد فيها المرأة وتبدع أكثر من الرجل، لا سيما المتعلقة بالمأكل والملبس وذلك يعود الى ارتباط المرأة تاريخياً وفسيولوجياً واجتماعياً بهما، وأنا متفائل بأن تكثيف دور المرأة في الانتاج قد يصل بمستواه في الوطن العربي إلى المقاييس العالمية، واضرب مثالاً بالمرأة في فييتنام التي تقوم عليها وحدها حركة الانتاج الزراعي وتوفير الأمن الغذائي. أصوات كثيرة تتهم المرأة بأنها السبب في تعطل حركة الانتاج من خلال وجودها الزائد في مواقع العمل، فما تعليقكم؟ - هذا صحيح، والسبب يكمن في أن كل دولة عربية تحاول أن ترعى المرأة، وأحد السبل كان تعيينها في أعمال شتى وذلك تحقيقاً لشعارات نهاية الألفية الماضية حرية المرأة، ونيل حقوقها، وكانت النتيجة ان كل الدول أراد إظهار تفوقاً في هذا المجال، وكانت النتيجة هي التكدس، والظروف الاقتصادية الحالية لهذه الدول لم تعد تسمح لها تعيين النساء من دون ضوابط، وسيسود مقياس الكفاءة والانتاجية في المرحلة المقبلة. عبارة "المرأة العاملة" هل تحوي هضماً لحقوق المرأة غير العاملة، وهي ربة المنزل، والزوجة والأم، والتي تنادي دول غربية عدة بأن تتقاضى اجراً نظير عملها في البيت؟ - كل المرأة عامل، وتلك التي تعمل في داخل وخارج المنزل سوبر، وعدد من الدول يفكر حالياً في أن يشمل الضمان الاجتماعي النساء ربات البيوت اللاتي يعددن الأجيال المقبلة. كثيراً ما ينظر بعين الريبة الى اي جمعية او لجنة تحمل كلمة "المرأة"، فكيف ننفض هذا الغبار عن اللجنة الجديدة؟ - يقال إذا أردت ان تقتل موضوعاً، شكّل له لجنة، لكن ليس كل لجنة فاشل، وفي حال التزام رئيس ونصف اعضاء اي لجنة بمبادئها واهدافها فستكون ملتزمة مئة بالمئة، ونحن متفائلون باللجنة الجديدة وبالقائمين عليها. مشاكل المرأة العاملة متعددة الجوانب، ولا تتعلق بالعمل فقط، فما دور اللجنة في ذلك؟ - مشاكل المرأة في العمل لا تختلف كثيراً عن الرجل، لكن اثر عمل المرأة على الاسرة والمجتمع يحتاج الى وقفة، وهناك مشكلة اخرى وهي الطاقات المهدورة والمتمثلة في خريجات الجامعات اللواتي لا يعملن، لماذا لا ندفعهن الى العمل ولو لنصف الوقت من دون الافادة من خبراتهن. وتجرى حالياً في أروقة منظمة العمل الدولية دراسات عن الحد ومكافحة التحرش الجنسي بالمرأة اثناء العمل، وهي قضايا احياناً تمنعنا تقاليدنا العربية من الخوض في الحديث عنها، وهناك تقارير ستؤدي مع مطلع العام المقبل الى إصدار وثيقة في هذا الشأن المهم. فالمرأة يمكنها أن تتخذ إجراءات رادعة ضد من يتحرش بها في الشارع أو مؤسسات التعليم، أو غير ذلك، لكنها في العمل تخشى ذلك، لا سيما أن المتحرش غالباً يكون رئيسها، ومنظمة العمل العربية ستساهم في هذا الأمر، لا سيما أن المرأة العربية - على رغم تعرضها للتحرش في العمل بنسبة اقل من الغرب - إلا أنها أكثر تعرضاً للظلم، إذ ان حياءها يمنعها من الإفصاح. اغلب القضايا المتعلقة بالمرأة في كثير من الدول العربية يحيطها قدر من الحساسية والحرج، فكيف تساهم المنظمة في نفض هذا الحرج؟ - العاملون في المنظمة يرون انهم طالما يؤمنون بقضية ما، فلا يكلّون ولا يملّون من استمرار النقاش والمطالبة بها، وهو ما سيؤدي الى إقناع الآخرين، وهناك دور الإعلام الذي يلعب دوراً فعالاً في هذا الصدد. الحضور في تأسيس اللجنة، والرئيس والنائبان من النساء، لكن شئنا أم أبينا الرجال ما زالوا اصحاب القرار فهل "دس" رجل في اللجنة يساعد في تفعيل دورها؟ - اللجنة ستعمل من خلال "ادارة الحماية الاجتماعية" ويرأسها رجل، وخبراؤنا واستشاريونا سيكونون في خدمة اللجنة، ولو وجد رجل له القدرة والاستعداد لخدمة اللجنة، فاهلاً به. أوضاع المرأة العربية في دول مثل فلسطين والعراق أسوأ من بقية الدول، فهل توليهن المنظمة اهتماماً أكبر؟ - الأخوات في اللجنة يطالبن بإصدار بيانات عن أوضاع المرأة الفلسطينية، وتلك ردود أفعال عاطفية، ويهمنا أن تكون هناك مشاريع ملموسة تساعد المرأة في المناطق الأكثر احتياجاً.