عاشت طفولتها بمذاق آخر، ما بين اللعب مع أولاد وبنات الجيران قرب البحر، والسباحة والجري في المشتل، ومعلمة الكتّاب، ودروس حفظ القرآن، إلى الدراسة الابتدائية في مدينة الإسكندرية وتعلم اللغة الإنكليزية في وقت باكر مع والدين مؤمنين بأهمية وقيمة العلم والعمل للأولاد والبنات على حد سواء، مروراً بتعب الغربة وتحمل المسؤوليات الأسرية ورعاية الإخوة الأصغر سناً، والعمل في مرحلة المراهقة في شركة أرامكو، وكأنما كل هذه التداعيات كانت تأتي لتصنع منها شخصية جديرة بالعمل في منظمة دولية، ملأتها هذه التجربة بالتفكير المنظم والقيادي والخبرة بأحوال العالم لتكون أنموذجاً سعودياً للمرأة حين تجعل الإصرار والتحدي نكهة لحياتها، على رغم أنها تعمل في الخارج إلا أنها تحمل هموم الداخل وتمنح الحلول لكثير من المشكلات، وتقدم الرؤى لكل الاتجاهات، ترى أن الوقت الحالي تسكنه فرصٌ كثيرة لتحقيق نجاحات أكثر وإصدار تشريعات تواكب المتغيرات حولنا وتتفق مع النسق الدولي في ذلك... إلى فاطمة المانع وكثير من الأبواب والشرفات... هل كانت طفولتك تحمل إشارات إلى أحلام رغبتِ في تحقيقها؟ - لا أتذكر أحلام الطفولة، كل ما أتذكره هو بيت العائلة الأول، الأهل والإخوة والصحبة واللهو قرب البحر، السباحة في البحر بعد الجزر، واللعب مع أولاد وبنات الجيران في الحي وفي المشتل الأخضر والسباحة في البركة، الذهاب لتعلم القراءة والكتابة في الكتّاب، أتذكر معلمة الكتّاب وحفظ القرآن، وبعد ذلك السفر للدراسة في الإسكندرية. لقد كانت الأحداث تسابق الأحلام في حياتي اليومية، فقد تسارعت الأحداث خلال فترة الطفولة بحيث لا أتذكر أحلاماً محددة، كانت طفولة سعيدة بالتأكيد ومليئة بالأحداث، يمكن تحديد الأماني في مرحلة المراهقة، والرغبة عند العودة من السفر في العطل الصيفية ولمشاركة الصديقات الجارات في مدينة الخبر بما حصلت عليه من تعلم للغة الإنكليزية ومشاركة في تذوق الأغاني الموسيقية. عشتِ في أسرة تمنح قيمةً للعلم والعمل، ما تأثير هذا في حياتك؟ - هو الأساس الذي بنيت عليه كل مراحل العمر اللاحقة، وأسس له الوالدان، فقد كانا يشجعاننا جميعاً على التزود بالعلم وحب المطالعة والقراءة، وكانت الوالدة تؤكد ضرورة أن تكون الفتاة قادرة على إعالة نفسها وعدم الاعتماد على الغير. وعندما شح توافر فصول الدراسة في الوطن، استطاع الوالد أن يوفر فرصاً خارجية لمنحنا مزيداً من مجالات الدراسة والتحصيل العلمي. ومنذ ذلك الحين لم يفرق بين البنين والبنات، فبعثنا بنينَ وبناتٍ، لقد درست المراحل الابتدائية الأولى في الإسكندرية، وتقدمت لامتحان الابتدائية مع البنين في مدينة الخبر، والمتوسطة في أول معهد للمعلمات في الدمام، أما تعليمي الثانوي والجامعي فكان في لبنان، وأما بالنسبة إلى العمل خارج المنزل، فقد غرس الوالد فينا حب العمل خارج المنزل منذ الصغر، وكان يشجعنا نحن البنات على العمل بالفعل وليس بالكلام، فقد تفاوض مع «أرامكو»، ووجد لي أول عمل وعمري لم يكن يتجاوز ال14. قدرك أنك تعيشين دائماً في بؤرة الصراع... ماذا منحك ذلك؟ - عشت أول تجربة في مواجهة تأثيرات الحروب الإسرائيلية في المنطقة، في صيف سنة 67 وخلال امتحانات الثانوية حين اندلعت الحرب الإسرائيلية العربية، انقطعنا عن استكمال الامتحان، وبقينا في ملجأ المدرسة، وخلال فترة الدراسة الجامعية، أي فترة السبعينيات، عشنا ظروف اندلاع حرب 73 وكانت أجواء الجامعة مليئة بالتحركات الطلابية والمظاهرات، وخلال هذه الفترة تشكَّل الحس الوطني لدى الطلبة والطالبات، وكانت فترة شعر الجميع بالأخطار التي تواجه المنطقة جراء العدوان الإسرائيلي، كذلك بعد ارتباطي بالعمل مع المنظمة الدولية (الإسكوا) عشنا مرحلة الحرب الأهلية اللبنانية، والخروج مع المنظمة الدولية إلى العراق في العام 1982. خلال وجودي في بغداد المقر الجديد للمنظمة عايشنا الحرب العراقية - الإيرانية، ثم الانتقال إلى الأردن بعد غزو العراق للكويت، وكذلك بعد عودة المنظمة للبنان صاحب ذلك الحرب الإسرائيلية على لبنان في العام 2006، ومراحل تداعيات حروب الخليج والعراق في المنطقة، كل هذه المراحل منحتني بعض القوة الذاتية لمعرفة أهمية أن يعيش المرء (نساء ورجالاً) بكرامة، ويشعرون بمواطنتهم، وتنمية قدراتهم على استيعاب كون المنطقة العربية مهددة من قوى عدة ومختلفة، ويجب على الأفراد والجماعات والشعوب العمل على بناء القدرات الذاتية، بحيث تمكن تقوية الحس الوطني الجماعي ومن خلال العمل المنتج والخلاق... كلٌ على حسب مقدرته ومن خلال مجال عمله. كذلك الوعي بأهمية أن يواجه العالم العربي مشكلاته بيقظة واهتمام، وألا يترك الظروف الصعبة تؤثر فيه بشكل سلبي، بمعنى آخر أن نمنح النساء العربيات الشعور بأهميتهن كأفراد ومواطنات فاعلات والعمل على تقوية قدرات النساء وجعلهن مؤثرات بشكل إيجابي في مجتمعاتهن، لذلك وكجزء من اهتمامي بحل المشكلات التي تواجه النساء أحاول أن أجعل من أجزاء الوطن قوى مؤثرة إيجابياً فيه. ومن خلال التخلص من الروح الفردية والمتشائمة يتكون أفرادٌ أقوياء واعون وفاعلون. هل توجهين الدعوة للكثيرات ليخرجن حتى يجدن أنفسهن أكثر في فرص غير متاحة لهن في الوطن؟ - نعم بالتأكيد، المسألة لا تحتاج إلى تفكير ليجدن أنفسهن، ولمزيد من الإنتاجية للمجتمع، وهناك فرص عديدة للعمل في مجالات جديدة، أنا أشجع النساء على العمل في مجال التخصص داخل المملكة وخارجها. ما الذي قادك للعمل في منظمة دولية؟ - بحكم تخصصي كجيولوجية، ولعدم تمكني من العمل خارج المختبر في «أرامكو»، ولرفض رئيس الجامعة تعييني في جامعة البترول والمعادن، وخلال بحثي عن وظيفة في مجال تخصصي بعد التخرج، كان لوجود مكاتب للأمم المتحدة في لبنان مكان إقامتي بعد الزواج، حافزاً لي للبحث عن عمل في الأممالمتحدة، خصوصاً في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا). ولقد تعرفت على سيدة عزيزة كان لها الأثر الكبير في توجهي العملي بعد والدي وزوجي، هي ثريا عبيد التي أكنُّ لها كل التقدير والاحترام والمحبة، وهي السيدة السعودية التي تعمل في المنظمة، وكانت دخلت مجال العمل في المنظمة قبلي، وعندما فاتحتها برغبتي في العمل في «الإسكوا» شجعتني ومهدت لي الطريق وساعدتني في الحصول على معرفة أسلوب التقديم والقبول في المنظمة، ومنذ ذلك الحين تكونت بيننا صداقة وزمالة استمرت حتى الآن. السعوديات والأممالمتحدة كسعودية، كيف تقومين تجربتك في العمل مع المنظمات الدولية؟ - توفر الأممالمتحدة مجالاً صحياً وتنافسياً وأماناً وظيفياً، كما توفر مجالاً للتقدم العلمي والعملي في الوظيفة بامتياز. لماذا تعاني معظم نساء العالم حال الفقر؟ - في المجتمعات التي توفر إمكانات عالية ومتساوية للنساء كما للرجال للحصول على مكونات العلم والعمل المنتج الصناعي والاقتصادي والثقافي، وتوفر الفرص وحرية الاختيار والتعبير عن الإمكانات والمشاركة المتساوية للجنسين في جميع مجالات العمل الخلاق. لا يمكن أن تعيش النساء حياة فقر، وإذا كانت عناصر التنمية والنمو الثقافي والعلمي موجودة، تستطيع القوى البشرية أن تنتج وتتغلب على النقص في الموارد المادية والمالية. الفقر يتكون ويزداد بفقر الإمكانات والفرص لوصل النساء للعلم والعمل المتكافئ وتوفير الحاجات الضرورية الأولية للإنسان مثل المسكن والعلاج والغذاء. ويمكن وجود ما يسمى بالفقر الثقافي والعلمي للمجتمعات التي تضع الحدود على الإبداع وقتل المبادرات وهو ما تشتكيه الشعوب. السعوديات في المنظمات الدولية مميزات، ما الذي وجدته النساء هناك ولم يجدنه هنا؟ - وجدت النساء السعوديات في الأممالمتحدة تكافؤاً في فرص العمل والمعاملة بالمثل بين الرجال والنساء، في التعيين والترقي وتوفير فرص التدريب والتوجيه المستمر، وزيادة في فرص التقدم من خلال حرية الاختيار للمجال العملي والبحث العلمي ووجدت إمكانات رحبة لإثبات الذات والتفوق بشكل متكافئ مع غيرها رجالاً ونساء، كما تجد التقدير الكبير والمتوازي لما تقدمه من عطاء دائم. ولعلي أعطي تقديراً كبيراً لنوعية بيئة العمل التي أعتبرها تعمل لخلق جو صحي وهي مثالية في نواحٍ عدة، مع أنها ليست كاملة وتشوبها النواقص والفساد، إلا أنها البيئة التي تحاول إدارتها بشكل دائم دراسة الطرق الجديدة للعمل على الإصلاح والتطوير ما يعطب من أشخاص أو علاقات عمل فيها أو يعتريه الوهن أو الفساد وذلك بشكل مستمر ودائم، وتجدر دراسة أنماط العمل في المنظمات الدولية وطرقها في الإصلاح والتقييم الدائم على اعتبار أنها مثالٌ يحتذى به من الإدارات الحكومية والمؤسسات الخاصة الكبيرة. الرجال – غالباً – هم من يتباحث في قضايا المرأة المصيرية، هل تجدين في الأمر تقصيراً نسائياً؟ - قضايا المرأة المصيرية في الأساس قضايا الوطن بكل فئاته ومشكلاته وتحدياته الآنية والمصيرية وليس فقط قضايا النساء أو المجتمع، طبعاً النساء معنيات بقضايا المجتمع جميعها اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية وبيئية، فإذا كان الرجال يتباحثون في بعض قضايا النساء، من ضمن اهتماماتهم بقضايا الوطن، فهذا واجب، وهو ناتج من استيعابهم ومعرفتهم بأهمية هذه القضايا، إلا أن الحلول التي قد تطرح منهم عادة ما تكون قاصرة على ما يدركونه أو ما يتصورونه من أمور وهي بالتأكيد ليست كاملة، وليست ملمة بكل نواحي الحياة التي تعيشها وتستوعبها النساء، وتنقصها وجهات النظر النسائية المكملة، فللنساء تجارب وتصورات في الحياة قد لا يعطيها الرجال الأهمية نفسها، وانشغالاتهم مقتصرة على أمور معينة. كما أن التقصير الحاصل بسبب عدم مشاركة النساء بشكل كامل لا ينبع فقط من تقاعس النساء القسري، بل لأنهن ومنذ تأسيس المؤسسات التشريعية والتنفيذية مغيبات ومقصيات بشكل كامل وفي بعضه الآخر بشكل جزئي، من مواقع اتخاذ وصنع القرار، وقد يكون ذلك محتملاً في فترة عدم توافر نساء متعلمات بالشكل المطلوب، إلا أنه غير مبرر حالياً، وكون الرجال لا يشركون النساء إلا بشكل مجزأ وليس بكامل الصلاحيات، يضعف من صلاح القرارات والمواثيق والإجراءات، والحاجة الدائمة إلى إعادة النظر فيها واستكمالها. وبعد هذه المقدمة فأنا لا أعفي النساء من واجب المطالبة بشكل مستمر وبإلحاح بتمثيلهن بشكل كامل في جميع الهيئات التشريعية والتنفيذية، أي في مجلس الشورى والحكومة، والمطالبة أيضاً في الوقت نفسه بتأسيس هيئات عليا معنية بدراسة أوضاع النساء الخاصة ولتدارك التأخير الحاصل والناتج من تأخر تعليم البنات بثلاثة عقود، وتأخر المشاركة في الأعمال المنتجة لأكثر من نصف قرن. هناك حاجة ماسة إلى تأسيس منابر خاصة متنوعة لطرح القضايا التي تحتاج إلى الحوار ولإعداد الدراسات الميدانية المطلوبة، ومنها توسيع إطار عمل مركز الملك عبدالعزيز للحوار ليشمل إعادة تنظيم المؤتمرات الدورية للنقاش وطرح قضايا مثل أهمية تقنين قانون الأحوال الشخصية، تمثيل النساء في الوزارات والهيئات المتخصصة وعلى مستوى عال، كذلك تأسيس مراكز الأبحاث والدراسات في جميع الجامعات وتخصيص الموازنات لدراسة قضايا النساء وتطوير أوضاعهن. لماذا لا يجد الدور الأمومي للمرأة العناية الكافية من الحكومات؟ - الدور الأمومي تؤكده ثقافتنا وعاداتنا، وهو أمر متعارف عليه للكل، كما تؤكده كذلك الاتفاقات العربية والدولية، مثل اتفاق القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، الذي يؤكد أن «للمرأة دوراً عظيماً في رفاه الأسرة وتنمية المجتمع»، وهو الدور الذي لم يُعترف به حتى الآن بشكل كامل، والأهمية الاجتماعية للأمومة ولدور الوالدين كليهما في الأسرة وتنشئة الأطفال، ويؤكد الاتفاق على «أن دور المرأة في الإنجاب لا يجوز أن يكون أساساً للتمييز، بل إن تنشئة الأطفال تتطلب بدلاً من ذلك تقاسم المسؤولية بين الرجل والمرأة والمجتمع ككل وهو بالتأكيد دور تاريخي تقوم به النساء من دون منّةٍ أو مقابل، وهو مهم لصحة المجتمع وجميع أفراده، ومرحلة الطفولة هي التي يتم خلالها بناء الفرد صحياً ونفسياً. وفي عقل البعض ترتبط الأمومة بالنساء أو بالعائلة أو كليهما، وهذا صحيح، إلا أنه لا تعطى لهم الأهمية المركزية اللازمة، لا في خطط التنمية ولا في الموازنات ولا في الاستراتيجيات التي تضعها برامج وزارات التخطيط والاجتماع والعمل والعدل، والاهتمام بقضايا الأمومة متروك للمرأة وللعائلة، وهما بالتأكيد ليست لديهم أي سلطات لاتخاذ القرارات المعنية، وليست هناك أية هيئات عليا تهتم بالعائلة أو بالنساء، مع أن قانون الحكم يركز على أهمية الأسرة في تكوين المجتمع، والذي يجب أن يستتبع ذلك تحديد استراتيجيات تنهض بالأسرة وتحل مشكلاتها. العنف .. الجنسية .. المرأة ما زالت قضية العنف ضد المرأة والطفل تتزايد على رغم انتشار جمعيات مناهضة العنف في كل مكان... ما الإشكالية هنا؟ - العنف ضد المرأة في تزايد مع تزايد العنف في العالم بشكل عام وهو أحد أشكال العنف التي تظهر مع تزايد التعقيدات في الحياة اليومية للبشر النفسية والاقتصادية، ولذلك يجب وضع القوانين والإجراءات الرادعة وخلق الهيئات والمؤسسات القادرة على مواجهة أشكال العنف المختلفة، ومع زيادة مشاركة المرأة في النشاط الاجتماعي في مجتمعها وخروجها للعمل والتعليم خارج جدران المنزل، إذ كان العنف المنزلي هو الغالب سابقاً. أعتقد أن تقلص العنف ضد المرأة يحتاج إلى قوانين رادعة ومطبقة عند ممارسة التحرش والعنف، ونحتاج إلى مزيد من العمل على توعية المجتمع باحترام المرأة بشكل عام والمرأة العاملة والتي تمارس دورها في النهوض بالمجتمع. وبشكل عام أعتقد أن العنف أحد أمراض المجتمع في العصر الحديث ولن نتمكن من القضاء عليه كلياً إلا أنه يمكن التخفيف من آثاره في الأفراد والمجتمع بإنشاء المؤسسات التي تحمي المجموعات الضعيفة وتقوية سبل الردع والحماية الصحية. جنسية الأم حق لأطفالها، لماذا تتجه هذه القضية للتصعيد مع أنها من أبسط الحقوق الإنسانية؟ - جنسية الأم السعودية حق لأطفالها ولزوجها، مثلها مثل الرجل ويجب العمل على استمرار المطالبة بإقرار حق المرأة في أن تعطي جنسيتها لأبنائها وزوجها. الملاحظ أن معظم الدول العربية خلافاً للدول في العالم أجمع، كانت تتبع هذا المبدأ حتى عهد قريب، وحالياً تمت مراجعة هذا القانون في عدد من الدول العربية بعد مطالبة النساء بتعديله، وتم ذلك في المغرب والجزائر وتونس ومصر. وهناك حملات في عدد آخر من الدول مثل لبنان والأردن تطالب النساء بتعديل هذا القانون الذي يضر بالعائلة وتماسكها. يجب إعداد دراسة، لرؤية ما تواجهه النساء، من صعوبات حياتية جراء هذا القانون الذي يسمح للرجل بإعطاء الجنسية لزوجته الأجنبية، ويمنع المرأة السعودية من الحق نفسه. ويمكن القول إن قانون الجنسية يعطي معاملة خاصة للرجال السعوديين من دون النساء، كأن يقال تعطي المرأة جنسيتها للأولاد من دون البنات عند بلوغ سن ال18. وهذه المعاملة أيضاً فيها تمييز ضد المرأة وإنقاص من مواطنتها، والتمييز هنا غير قانوني وغير مبرر والمطلوب إعطاء الفرص المتساوية للجنسين في جميع الحقوق، وعدم الاعتماد على مبدأ النتائج المتساوية، كأن يقال إن المرأة إذا تزوجت من سعودي تحصل على الجنسية، والتقصير نابع من عندنا – نحن النساء - فنحن حتى الآن لم نتصدَ لإصلاح الغبن والتمييز الواقع علينا إلا بشكل محدود جداً. مدونات الأسرة وقوانين الأحوال الشخصية للمرأة، لماذا في رأيك، يتأخر البت فيها؟ - لا حق لمن ليست له مطالب، القضايا الحقوقية التي على النساء في السعودية المطالبة بها عديدة، والفرصة مواتية بوجود الملك عبدالله - حفظه الله - لاستماعه إلى النساء وإعطائه أهمية لقضاياهن ومطالبهن، من أهم القضايا التي تحتاج إلى المتابعة المستمرة، سن أو تقنين قانون للأحوال الشخصية وهي ليست للمرأة وحدها، بل تنبع أهميتها من أهمية الأسرة والعائلة والتي تم التركيز عليها في قانون الحكم السعودي، والحفاظ على تماسك العائلة وحماية أفرادها. والواضح أن النساء هن المتضررات بشكل أكبر ومباشر من عدم التقنين، كذلك هناك أهمية لقضية التوعية والتثقيف وتعريف النساء بما لهن وما عليهن من حقوق في الزواج والطلاق وحضانة الأطفال، ولمن تترك متابعة هذه القضايا؟ يصعب على الأفراد متابعتها، وهناك مسؤولية جماعية للمتابعة. ويجب أن تقوم الجهات البحثية مثل مراكز الأبحاث في الجامعات بإعداد الدراسات التي توضح الظروف الصعبة التي تعيشها النساء من جراء تأخر البت في تقنين قانون الأحوال الشخصية. وتقديم نتائج الدراسات بشكل دوري للجهات التشريعية مثل مجلس الشورى والجهات التنفيذية مثل مجلس الوزراء ووزارات العدل والشؤون الاجتماعية لتتبناها. وطبعاً نتحمل - نحن النساء - مسؤولية المتابعة، من خلال الجمعيات النسائية، كما أن المستشارات اللاتي تم تعيينهن كممثلات للنساء ومستشارات لمجلس الشورى دور رئيسي في متابعة تنفيذ هذه القضايا وغيرها من المسؤوليات. وبحكم أنه ليست هناك في السعودية حتى الآن هيئة نسائية عليا تعتني بشؤون النساء وتتابعها، كما نصَّ على ذلك قرار مجلس الوزراء ومنذ ست سنوات، هؤلاء النساء المكلفات والمعينات رسمياً كمستشارات عن النساء في السعوديات كافة، عليهن المتابعة كذلك النساء المعينات في الوزارات المختلفة، واللجان النسائية في غرف التجارة والصناعة. تصدُر قرارات حكومية لتصحيح أوضاع المرأة ولكنها لا تفعل، لماذا يحدث هذا، في رأيك؟ - لأنه ليس هناك متابع دءوب ويومي معني بتفعيل هذه القضايا. والسؤال المطلوب الإجابة عنه: من المعني بالقرارات التي تصدرها الحكومة لتصحيح أوضاع النساء، هل هم الرجال؟ كلا بل النساء ومن جميع القطاعات والفئات الاجتماعية، وهن وعائلاتهن المستفيد من هذه القرارات. والمفترض أنه عند إصدار أي قرار بهذه الأهمية، فيجب أن يتضمن تحديد الجهة المعنية بالتنفيذ، وتحديد الفترة الزمنية للتنفيذ، وتضمين القرار قراراً آخر بتحديد موازنة معينة للتنفيذ، من دون ذلك تفقد القرارات أهميتها. وفي الوقت نفسه أود التذكير بأهمية تنفيذ القرار الوزاري الذي صدر عن مجلس الوزراء في العام 2004، بضرورة تشكيل هيئة عليا معنية بشؤون النساء، والتي يصح أن تكون هي الحل وعليها المسؤولية في متابعة تنفيذ القرارات. وفي رأيي يمكن أن تنوب النساء المعينات كمستشارات لمجلس الشورى حول قضايا النساء وهن 12، كحل موقت لمتابعة تنفيذ ما يصدر من قرارات لإصلاح وضع النساء والنهوض بأحوالهن، أي يمكن لعموم النساء في السعودية ومن خلال اللجان النسائية في غرف التجارة والمعينات في الوزارات الحكومية أن يطلبنَ ويعلنَّ أنهنَّ يساندنَ قرار الملك ورغبته عندما عين 12 امرأة في وظيفة مستشارة لمجلس الشورى أن يعتبرن مستشارات أيضاً لمجلس الوزراء لمتابعة القرارات الصادرة عن الملك عبدالله بن عبدالعزيز وعن مجلس الشورى ومجلس الوزراء. عون الرجل وعون المرأة المرأة تجد عوناً من الرجل أكثر من المرأة نفسها في تبني بعض الحلول لقضاياهن، ما رأيك؟ - ليس صحيحاً أن المرأة لا تجد عوناً من النساء، جميع النساء يشعرن بالتمييز الواقع عليهن، إلا أن المنابر المناسبة لإظهار هذا العون للنساء غير متوافرة للنساء السعوديات، وأنا أسمع وأقرأ للصحفيات والكاتبات اللاتي يتكلمن عن معاناة المرأة. والحقيقة أن المنابر ومواقع صنع القرار ممنوحة للرجال فقط وبشكل مكثف، لذلك يظهر وكأن الرجال هم وحدهم من يساند النساء، ودعم الرجل السعودي المرأة المتعلمة والعاملة أمر صحي في المجتمع ولأنه - أي الرجل - والعائلة هما المستفيدان من دعم النساء ليزيد من تعاظم إسهامهن في تنمية الوطن، ويجب التأكيد على أهمية مشاركة الرجال في دعم استعادة المرأة دورها الكامل في المجتمع، وفتح المجال للنساء لإبداء الرأي وسماع صوتهن في القضايا التي تهمها، والتي تعود بالفائدة على المجتمع والوطن. جمعيات حقوق الإنسان في الخليج هل أنشئت على أرض صلبة أم مجرد اجتهادات وحماس أعضاء فقط؟ - الحاجة كبيرة إلى جمعيات حقوق الإنسان في المجتمع الخليجي، للمشاركة في الرقابة على أداء المؤسسات وللتوعية الدائمة بقضايا حقوق الإنسان، والانتهاكات الحاصلة. كما أن تجربة جمعيات حقوق الإنسان أظهرت معانيَ جديدةً لحياة كريمة ضمن الجماعة، قضايا حقوق الإنسان كما شرعتها الأديان وأكدتها بروتوكولات الأممالمتحدة، مثلاً وليس حصراً، حق العمل والتعليم للجميع، الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية... إلخ، حق التعبير عن الرأي، حق عدم التسريح القسري من العمل، وعدم التعذيب عند الاحتجاز، وتقوم هذه الجمعيات بدور مهم في تعريف المجتمعات المحلية بأهمية الدفاع عن المظلومين والمهمَّشين الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم. كما أنها توضح القضايا التي تتوسع حديثاً بأشكال جديدة ويعاد العمل بها بعد تحريمها دولياً مثل الاتجار بالبشر، واستغلالهم جنسياً، كما توسعت قضايا العنف ضد المرأة والأطفال فلم تعد فقط عنفاً منزلياً، بل توسعت بحكم خروج المرأة للعمل في المجال العام خارج المنزل، ومهما كانت أرضيات تأسيس هذه الجمعيات فهناك حاجات كبيرة لوجودها، وأعتقد أنه مع تراكم التجربة للجمعيات يمكن أن تتطور هي نفسها وتمارس نقداً ذاتياً ومراجعة وتطويراً لبرامجها. المجتمع الخليجي ترتفع فيه نسبة الشباب، هل سيرثون تركة ثقيلة، أم أن هناك مستقبلاً جديداً سيضيء لهم كل شيء؟ - حالياً نحن ورثنا تركة من العادات والتقاليد الثقيلة، ولا خلاص إلا من خلال سن قوانين جديدة تنبع من القرارات والإعلانات والتوصيات الدولية، والتي أسهمت في صياغتها وصادقت عليها دول المنطقة ومنها المملكة، وهي طبعاً تحاكي الشرائع الدينية بمضامينها وأخلاقها العليا.