تشهد كوت ديفوار حالياً أجواء سياسية مشحونة بالتوتر في انتظار استعادة الحياة الديموقراطية التي أطاحها انقلاب 24/12/99 الذي قاده رئيس أركان الجيش آنذاك الجنرال روبير غي. وتعرض غي لمحاولة اغتيال يوم 18 أيلول سبتمبر الماضي بسبب اعتزامه ترشيح نفسه في انتخابات الرئاسة التي ستجري في 22 تشرين الأول اكتوبر الجاري. أحدث الانقلاب العسكري ردود فعل سلبية محلياً واقليمياً ودولياً باعتباره - على الصعيد المحلي - الأول الذي تشهده البلاد منذ استقلالها في الستينات، ما يعتبر خروجاً على التقاليد وما تميز به هذا البلد من استقرار ونمو. واطلق على البلد طوال فترة 34 عاماً من حكم زعيمه الراحل هوبوانييه وحتى وفاته في 3/2/92 لؤلؤة التاج الفرنسي أو سويسرا غرب افريقيا. واستقطبت كوت ديفوار بفضل أوضاعها المتميزة اقتصادياً، جاليات افريقية عدة قرابة 5.4 مليون نسمة من ضمن 16 مليون نسمة مجمل تعدادها من رعايا دول مجاورة كبوركينا فاسو، التوغو، غينيا، غانا، مالي، السنغال، بنين، موريتانيا، والكاميرون. أحدث الانقلاب صدمة كبرى لفرنسا نظراً لروابطها التاريخية الوثيقة بنظام الرئيس السابق بوانييه وخليفته بيدييه، وكان بالنسبة الى الولاياتالمتحدة ضربة اجهاض لعملية التحول الديموقراطي التي انتشرت في أعقاب قمة لابول في مطلع التسعينات وحققت نجاحاً تمثل اخيراً في اجراء الانتخابات الرئاسية في نيجيريا في آذار مارس 1999. واقليمياً كان طبيعياً ان تهتم القارة كلها بما حدث في كوت ديفوار بالنظر الى وزنها الخاص في المنطقة ناتج قومي يبلغ 10 باليين دولار وهو دخل يفوق جارتها غانا التي تحقق 7 بلايين لمجموع 20 مليون نسمة ولا يبزها في المنطقة سوى نيجيريا. ومن أهم الضغوط الاقليمية التي تعرض لها الرئيس قرار القمة الافريقية التي عقدت في الجزائر العام الماضي وأكد عدم اعتراف منظمة الوحدة الافريقية بأي نظام يتولى السلطة عن طريق الانقلاب العسكري. وترجم القرار نفسه بعدم توجيه الدعوة للرئيس غي لحضور القمة الافريقية الأخيرة في لومي بعد ان هدد كل من الرئيسين اوماسانغو نيجيريا ومبيكي جنوب افريقيا بمغادرة المؤتمر اذا حضر وفد عسكري من كوت ديفوار. وامتثالاً لمجمل هذه الضغوط اعلن الجنرال غي منذ مطلع العام الجاري عزمه على اعداد مسودة دستور جديد للبلاد تم اقراره باستفتاء شعبي في 27 تموز يوليو الماضي، على رغم اعتراض حفنة من العسكريين في 22 حزيران يونيو على اجراء الاستفتاء. واكتسب هذا الدستور أهمية خاصة نظراً لما استحدثه من ايجابيات خفض سن الناخب من 21 الى 18 سنة، قصر مدة الرئاسة على 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، اشترط أن يكون سن المرشح للرئاسة فوق ال 45 ودون ال 75، وألا يكون فخوراً بانتمائه لجنسية اخرى. ومن المقرر ان تجري الانتخابات الرئاسية في 22 الجاري في جو متوتر، علماً انه تقدم لها حتى الآن 18 مرشحاً ويرجح أن تشهد تنافساً بين اربعة أقطاب رئيسية هي: 1- حزب التجمع الوطني. حزب المعارضة الرئيسية في البلاد يرأسه رئيس الوزراء السابق ألساني اوتارا. وعلى رغم ان النص الدستوري الجديد الخاص بالشروط الواجب توافرها في المرشح شرط الجنسية قد يفسر بطريقة تمنع ترشيحه نظراً لانحداره من أصل غير عاجي بوركينا فاسو إلا أنه يؤكد اعتزامه خوض معركة الرئاسة وخوض معركة قانونية ضد هذا النص امام المحكمة الدستورية العليا. ويحسب للسيد أوتارا خبرته السياسية والدولية الواسعة، اذ شغل منصب رئيس الوزراء لمدة عشر سنوات وكان أول رئيس وزراء يختاره الزعيم الراحل بوانييه من خارج قبائل الباولية حتى استقالته في 9/7/92. وشغل قبل ذلك مناصب نائب رئيس صندوق النقد الدولي FMI ومدير البنك المركزي لدول غرب افريقيا BCEAO. وبحكم كونه من كبار القيادات السياسية المسلمة فهو قادر على استحواذ أصوات الشماليين واعادة تحقيق التوازن السياسي المفقود بين شمال فقير مسلم يمثل 40 في المئة من السكان، وجنوب مسيحي يستحوذ على معظم مشاريع البنية التحتية الزراعية والصناعية للبلاد. ويعتقد أوتارا أنه ليس هناك ما يمنع عملياً تولي مسلم الرئاسة في بلد غالبيته من المسيحيين أسوة بما حدث في السنغال حينما تولى سنغور الرئاسة في بلد 90 في المئة من سكانه من المسلمين. ويحذر المتشددون من حزب الرئيس السابق كونان بيدييه من خطورة تولي مسلم رئاسة البلاد وأخذوا بالتحرك لإعاقة ترشيحه تحت شعار "كل شيء ما عدا أوتارا" المتهم بأنه كان السبب في وقوع انقلاب 24/12/99 وعرّض البلاد الى تجربة عسكرية لم تكن في حاجة لها باعتبار انه كان مقرراً من قبل الرئيس بيدييه اجراء الانتخابات بعد 6 شهور فقط من وقوع الانقلاب. 2- الحزب الديموقراطي لكوت ديفوار P.D.C.I. وهو الحزب التاريخي في البلاد الذي أسسه الزعيم الراحل بوانييه وينتمي اليه الرئيس المخلوع هنري كوفان بيدييه ويتركز نشاطه في العاصمة أو الجنوب وفي أوساط اتحادات الشباب والمرأة. ويعتبر الأخير نفسه الرئيس الشرعي للبلاد حتى تاريخ انتهاء مدته الدستورية في 22 الجاري، وعلى رغم تمتعه بتأييد قبائل الباولية إلا انه يصعب تصور فوزه في أي انتخابات مقبلة مع عدم استبعاد نجاح شخصيات أخرى بخلافته من الحزب بسبب كشف الجنرال الكثير من فساد نظامه وماضيه الاستبدادي وتصرفه على أنه الوريث الأبدي لنظام بوانييه، وأنه كان مسؤولاً عن اشعال الكراهية ضد الأجانب وعن طرد 15 ألف بوركيني من اقليم دايو، كما لا يعقل ان تسمح المؤسسة العسكرية بعودته للرئاسة بعد ان قامت بانقلاب ضده. 3- حزب الجبهة الشعبية الثورية. وهو الحزب الثوري الاشتراكي الذي ناصب الرئيس الراحل بوانييه العداء منذ مطلع التسعينات. ويركز حملته على أنه وحده الذي حمى قادة ال P.D.C.I وهم الهدف المفصل للعسكريين خلال الشهور الأولى للانقلاب، فضلاً عما يتمتع به من صلات وثيقة مع قيادات الحزب الاشتراكي الفرنسي. 4- الجنرال روبير غي الذي تعرض لمحاولة اغتيال يرجح أنها بسبب ترشيح نفسه للرئاسة. ويفضل البعض استمراره في موقعه العسكري لتحويل الجيش العاجي الى جيش وطني. تبقى في النهاية مجموعة اسئلة منها: ما مدى جدية الجنرال غي في اجراء الانتخابات في موعدها؟ وهل يعتزم التخلي عن السلطة مستقبلاً وتسليمها للمدنيين في حال فشله في الانتخابات؟ وهل ستنجح الانتخابات في تحقيق الانتقال السلمي نحو مجتمع ديموقراطي ينهي الصراع العرقي القديم بين القبائل الرئيسية الأربع؟ وهل تنجح الانتخابات في حل الخلافات واذابة الحساسيات الكائنة بين المسيحيين والمسلمين؟ * عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية.