كما للقلاع والسيوف والابواب والمقاهي حكايات، تحكي الاطعمة الدمشقية والمطبخ الشامي قصصها وطقوسها. ومن يعرف دمشق ويجيد التكلم عن طقوسها لن تغيب عن باله ابدا مطاعمها الشعبية المنتشرة في كل زاوية وشارع. فمن الاحياء القديمة كالميدان والشاغور والقنوات والشيخ محي الدين الى الاحياء الحديثة كالمزة الجديدة والشعلان والحمراءتنتشر شبكة من مطاعم الفول والحمص والتسقية والفلافل تغزو الحارات وتستقطب الزبائن على مدار الساعة. ولان التاريخ نسي ان يسجل بداية ظهور هذه الاطعمة الشعبية، فهو لم يغفل ذكرها في اسفاره. وتحكي هذه المأكولات الشعبية قصة كرم اهل المدينة وتقاليدهم في اشباع العين قبل الفم. ويقول ابو دياب صاحب احد اقدم المطاعم الشعبية في دمشق :"لم يذكر التاريخ بداية ظهور الاطعمة الشعبية لكن من المؤكد انها اكلات شامية مئة في المئة". وتغزو مطاعم الفول والحمص والتسقية الحارات وتستقطب الزبائن من الصباح الباكر وخصوصاً في ايام الجمعة. وكانت كل هذه المأكولات تحضر في البيوت الدمشقية لفطور يوم الجمعة المميز والغني والمتنوع او للسيران الدمشقي. اما في الايام العادية فيجلب واحد من اصنافها او جميعها من دكان الفوال حيث تباع على اصولها الى المنازل. واضاف ابو دياب "كما لطبخ الفول قواعد واصول كذلك لاكل الفول طقوس فلا طعام من دون غسل الايدي فهو يؤكل تغميسا بالخبز بلا ملاعق ومن صحن واحد حتى تصل قطرات الزيت حتى رسغ اليد". ويطهى الفول في قدور كبيرة على نار هادئة. وسمي بالفول المدمس لانه مغطى ومدفون. ويتميز دكان الفوال بالنظافة حيث تصف صواني الحمص الحَب في مكان ظاهر من الدكان الى جانب اوعية البندورة المفرومة وقناني الزيت. وتتدلى من السقف ضمات البقدونس وعلى نافذة المطعم الخشبية توضع صينية الحمص المسلوق الذي يؤكل احيانا مع الملح والكمون فيعرف باسم "بليلة". وترسم انواع المخللات المنقوعة في قطرميزات زجاجية مصفوفة على رف خشبي طويل، لوحة فنية زاخرة بالالوان في مقدمتها اللون الاخضر لمخلل الخيار ثم "طواحين اللفت" الحمراء ثم خليط من الالوان وصولاً الى اللون الخمري لمخلل الباذنجان. ويحافظ دكان صغير للفول في سوق "القرماني" القديم على قطرميزا ت مخلل اثرية تعود الى اكثر من مئة سنة. واعتبر صاحب المحل انها "صلة الوصل مع اجدادي الذين عملو في هذه المهنة منذ بداية القرن". ويقدم هذا المطعم الفول ضمن صحون فخارية قديمة. ويقوم بتجديد صحن الزبون لمرة واحدة دون مقابل محافظة منه على "عادة اجداده بائعي ايام زمان".حيث كان بامكان الزبون ان يأكل الفول والمسبحة حتى الشبع بسعر صحن واحد ويكفي ان يقول بعد انتهاء صحنه كلمة واحدة "صلحو" حتى يتجدد صحن الفول مع كل مستلزماته من حمض وزيت وبندورة دون مقابل. اما التسقية الشامية فهي فتة الحمص مع اللبن او "البدوة" والسمن او الزيت المكسور ب"القلي العربي" حتى يصبح كالحليب ويضاف اليه الكمون و تؤكل من اوعية زجاجية. وتشتهر بها مطاعم الشيخ محي الدين مثل "بوز الجدي" اذ يقول صاحب احد المحال :"سميت التسقية و الفول بالمأكولات الشعبية لفوائدها ورخص اسعارها حتى قيل عن الفول انه لحم الفقراء". وصارت هذه المأكولات تنتقل من دكاكين الفوالين الى المطاعم والفنادق التي سلبتها ميزتها الشعبية. ويقول احد الشبان :"اكل الفول له اصول لايمكن ان تتم في فنادق الخمسة نجوم".ويضيف اخر :"تختلف طعمة الفول من مكان الى اخر وهو بعكس باقي المأكولات كل ما غلى ثمنه ساء طعمه". وادى مزج التقليدي بالحديث الى تدني نوعية المواد وارتفاع اسعارها بصورة لافتة. فصحن الفول عند اي فوّال يكلف 25 ليرة سورية يرتفع اكثر من ثلاث اضعاف في المطاعم السياحية. غير ان بعض المطاعم الشعبية المختصة بمثل هذه الاطعمة حافظ على نوعيتها واسعارها الرخيصة ونجح في الاستمرار بالتقاليد القديمة مثل مطاعم الشيخ محي الدين المشهورة ب "بوزالجدي" ومطاعم القنوات التي تستقطب الزبائن على مدار الساعة.