بدأت مرحلة جديدة في المواجهة الإسرائيلية - الفلسطينية، تتجاوز أحداث العنف والقصف بمدافع الطائرات والدبابات والرشاشات، التي كانت لا تزال مستمرة أمس، إلى مرحلة الاستعداد لصراع عسكري وسياسي طويل الأمد، عبرت عنه إسرائيل على لسان كبار قادتها بوجهة عسكرية، كما عبر عنه العديد من القادة العرب بوجهة سياسية. فالإسرائيليون تحدثوا عن "صراع طويل"، والعرب تحدثوا عن أسس جديدة للمفاوضات إذا تجددت، فيما أعلن الفلسطينيون أن الانتفاضة ستستمر بكل الوسائل. راجع ص4 و 5 ولم يستبعد جنرالات الجيش الإسرائيلي توسع المواجهات لتشمل سورية ولبنان، فيما أبلغ مسؤول إسرائيلي اذاعة الجيش تسريع وصول غواصة بنيت في المانيا، إلى إسرائيل "لأسباب أمنية". وأكد الكولونيل يوفال للاذاعة ان "وصول الغواصة تيكوما إلى إسرائيل، الذي كان يفترض أن يعلن رسمياً أمس قد تم تسريعه لأسباب أمنية، والتوقف الذي قمنا به منتصف الطريق في ميناء أجنبي، اختصر". وأشارت الاذاعة إلى أن المسؤول رفض التعليق على معلومات أفادت أن الغواصة مزودة قدرات نووية. وكانت صحيفة "معاريف" أوضحت أن سبب تسريع وصول الغواصة الذي أبقي سراً، هو مخاوف من حصول اعتداء. وقتل امس فلسطينيان خلال اشتباكات مع القوات الاسرائيلية في الضفة وغزة، واطلقت دبابات اربع قذائف على اهداف في مدينة رام الله، فيما اجتمع الرئيس بيل كلينتون مع ابرز مستشاريه لشؤون الامن القومي. وذكر الناطق باسم البيت الابيض جيك سيورت ان الاجتماع خصص "لعرض المستجدات بعد القمة العربية وقمة شرم الشيخ". وشدد على "تطبيق الاجراءات التي تم التوصل اليها في شرم الشيخ"، معتبراً ان "لا سبيل اخر لاعادة الهدوء الى الشوارع". وكان الامين العام للامم المتحدة كوفي انان ابلغ سفراء المجموعة العربية انه يواصل اتصالاته بواشنطن لتشكيل لجنة للتحقيق في الاحداث الاخيرة. وتطبيقاً لمبدأ "الفصل" العنصري الذي باشرته إسرائيل، لتفرض سيطرتها على المناطق التي لا تريد الانسحاب منها، وتحاصر الفلسطينيين داخل معازل، في المناطق التي تريد الانسحاب منها، أقامت أمس حائطاً من الاسمنت ليفصل بين قرية بيت جالا وحي غيلو الاستيطاني اليهودي داخل أراضي القدسالشرقية، وذلك بعد التراشق بالرصاص بين القرية والمستوطنة خلال الأيام الثلاثة الماضية، والذي توجته إسرائيل بقصف مدفعي على منازل القرية. وقال أحد سكان المستوطنة: "كان لدينا منظر بديع تحول الآن إلى سور برلين". وإضافة إلى خطة "الفصل" العنصري، أنذر جنرالات إسرائيل بأن الجيش يعد نفسه لموجة عنف طويلة، من أجل مواجهة احتمال إعلان الفلسطينيين دولة مستقلة. وقال الجنرال رون كيتري لإذاعة الجيش الإسرائيلي: "تقدير القيادة العامة للموقف الذي لخصه رئيس الأركان هو اننا لا نتحدث عن مغامرة صغيرة... والتحرك باتجاه اجراءات طويلة الأجل". وأضاف ان الفلسطينيين اتخذوا قراراً استراتيجياً يقضي بأنهم بطريقة أو بأخرى، يسيرون في اتجاه إقامة دولة فلسطينية مستقلة تكون عاصمتها القدس". وتحدث عن احتمال توسع المواجهات لتشمل لبنان وسورية، وقال إن الجيش يستعد لاحتمال أن يوسع مقاتلو "حزب الله" نطاق القتال ليشمل حدود إسرائيل الشمالية، و"ربما يمتد كذلك إلى سورية". وأضاف: "نحتاج لمعرفة نيات حزب الله في الشمال... إنهم يشيرون مرات إلى نيتهم اشعال النار... وهذا من شأنه الزج بسورية بطريقة أو بأخرى". وتوالت التصريحات العسكرية الإسرائيلية، وكلها تصب في الاتجاه نفسه، إذ قال شاؤول موفاز رئيس الأركان: "سنتخذ مزيداً من الخطوات". فيما شدد مساعد لرئيس الوزراء على أن الدولة العبرية ستصعد ردها على إطلاق النار الفلسطيني". وقال رئيس الوزراء ايهود باراك إن الفلسطينيين "اختاروا طريق الصراع في محاولة لاجبارنا على الاذعان والتنازل... لن يكسبوا شيئاً بالعنف، فنحن نعرف كيف نعمل، وكيف نقف متحدين في مواجهة العنف كي نفوز". وبرز في مواجهة هذا التوجه العسكري الإسرائيلي، توجه سياسي عربي جديد، تم التعبير عنه بأساليب شتى، فأجرى فاروق الشرع وزير خارجية سورية اتصالاً بنظيره الروسي ايغور ايفانوف وحمّل إسرائيل مسؤولية استمرار أعمال العنف، و"تداعياته" على الشرق الأوسط. وقال إن الدولة العبرية مسؤولة عن "التصعيد القمعي ضد المواطنين الفلسطينيين، وعن استمرار أعمال العنف، وتداعياته الخطيرة على أمن المنطقة واستقرارها". وحذر وزير الداخلية البحريني الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة أمس من "انعكاسات قضايا السلام" في الشرق الأوسط على "مسيرة الأمن" في منطقة الخليج. وقال في افتتاح اجتماع وزراء الداخلية في الدول الأعضاء في مجلس التعاون إن الأحداث "أفرزت موقفاً جديداً، علينا أن نضع له استراتيجية أمنية مستقبلية". وأعلن وزير خارجية مصر عمرو موسى موقفاً عربياً جديداً من عملية التسوية، حين قال "إن عملية التسوية التي عرفناها طوال السنوات السابقة انتهت، وان أحداً من العرب والفلسطينيين لن يقبل العودة إلى طاولة المفاوضات وفق المعايير السابقة". وأكد أن الأولوية هي من أجل "وضع أسس جديدة ترسم إطاراً نهائياً للحل كما يتصوره العرب ويريدونه، ليتم اتخاذه إطاراً لاحقاً للتفاوض". وتحدث موسى إلى صحيفة "السفير" اللبنانية عن الانحياز الأميركي إلى إسرائيل. في غضون ذلك، أصدرت حركة فتح في غزة بياناً أكدت فيه أن الانتفاضة متواصلة "حتى دحر الاحتلال الصهيوني" وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. واعتبر البيان ان "مقاومة الاحتلال الصهيوني الغاصب والتصدي للعدوان الإسرائيلي البربري الذي يتعرض له شعبنا في أنحاء الوطن كافة، حق كفلته الشرعية الدولية". وشدد على "التصدي للعدوان الغاشم بكل الوسائل المتوافرة". موريتانيا ضد الاجماع العربي على صعيد آخر، بددت الحكومة الموريتانية أمس آمالاً سادت الشارع الموريتاني، بالتوجه إلى قطع علاقاتها مع إسرائيل واغلاق سفارتها. إذ بثت وكالة الأنباء الرسمية تعليقاً رفضت فيه السلطات ما سمته "الانجراف وراء تيار المزايدين والمحرضين على العنف". ودعا البيان كل الأطراف إلى "الرجوع فوراً إلى إعلان شرم الشيخ وما اشتمل عليه من نقاط"، متجاهلاً القمة العربية وقراراتها. ودعا البيان إلى التمسك ب"خيار السلام، و... العودة إلى طريق التفاوض... لأن عالم اليوم لا يسمح إلا بالحوار". واعتبر مراقبون هذا البيان قراراً بمواصلة العلاقات الكاملة مع إسرائيل. وكانت اشاعات سرت صباح أمس بأن السلطة قررت اغلاق السفارة الإسرائيلية في نواكشوط، لقيت الاستحسان في شارع يتسم بالغضب ورفض أي علاقة مع الدولة العبرية. ويلتزم كثيرون منازلهم ليلاً لمشاهدة تغطيات وسائل الإعلام للأحداث الجارية في فلسطين، فيما تتواصل الاحتجاجات في الجامعة وفي الشوارع.