تعرّضت السفارة البريطانية في صنعاء لانفجار أمس بعد 24 ساعة من التفجير الكبير الذي استهدف المدمّرة الأميركية "كول" في ميناء عدن والذي أسفر عن مقتل 17 بحّاراً من المارينز. وعلمت "الحياة"، في القاهرة، أن محققين اميركيين يحاولون حالياً التأكد من معلومات عن اجتماع عقد في مدينة قندهار الافغانية قبل اسابيع وحضره اسامة بن لادن وعدد من قادة الاصوليين، وربما يكون تم خلاله الترتيب لتنفيذ عمليات ضد المصالح الاميركية والبريطانية في اليمن. لكن السلطات اليمنية جددت أمس تمسكها بأن تفجير المدمّرة "كول" لم يكن مدبّراً، في رد غير مباشر على المسؤولين الأميركيين الذين قالوا أول من أمس ان "انتحاريين" إثنين فجّرا على ما يبدو المدمرة في ميناء عدن. وتكرر الأمر نفسه تقريباً مع حادثة السفارة البريطانية. إذ قال وزير الخارجية البريطاني روبن كوك ان السفارة تعرّضت لهجوم بقنبلة أوقعت أضراراً مادية فقط. لكن وزارة الداخلية اليمنية ردّت بأن الحادث نجم عن انفجار مولّد كهربائي في مقر السفارة. وتركّزت الأنظار أمس على معرفة هوية الجهة التي هاجمت المدمّرة الأميركية. وتبنت منظمتان إسلاميتان مجهولتان العملية، لكن المحققين الأميركيين الذين وصلوا الى عدن التزموا الصمت. وعلى رغم ان اليمنيين يشعرون بتضامن كبير مع الفلسطينيين ويأخذون على أميركا وقوفها الى جانب الدولة العبرية، إلا ان الشعور العام في عدن كان شعوراً بالأسى على الضحايا المارينز، خصوصاً ان قطاعاً مهماً من سكان هذه المدينة يعيش على الموارد التي تأتيهم من الميناء. وفي القاهرة، علمت "الحياة" أن محققين اميركيين يفحصون حالياً معلومات عن اجتماع عقد في مدينة قندهار قبل اسابيع وحضره اسامة بن لادن وعدد من قادة الاصوليين ربما يكون تم خلاله الترتيب لتنفيذ عمليات ضد المصالح الاميركية والبريطانية في اليمن. وأفادت مصادر غربية أن الاجتماع المذكور حضره، الى إبن لادن، الزعيم السابق ل"جماعة الجهاد" المصرية الدكتور ايمن الظواهري والقيادي البارز في التنظيم ثروت صلاح شحاتة، اضافة الى خمسة آخرين لم تعرف اسماؤهم الحقيقية وإنما الاسماء الكودية وهم: "ابو زكريا" و"الشيخ اسماعيل" و"الشيخ افنان" و"الشيخ ادريس" و"أبو خطاب". واضافت المصادر أن الاستخبارات الاميركية "سي. اي. اي" رصدت انتقال الخمسة وهم من المصريين والاردنيين من قندهار الى كابول قبل نحو اسبوعين ثم غادروها لاحقاً الى أماكن اخرى لم تُعرف بعد. وكشفت أن المحققين الاميركيين يدرسون معلومات عن قيام مهندس كيماوي مصري معروف في اوساط الاصوليين باسم "أبو خباب" واسمه الحقيقي مدحت مرسي بتدريب عناصر اسلامية على عمليات التفجير والهجمات الانتحارية. وأشارت الى أن مرسي تعاون مع مختلف التنظيمات الدينية التي وجدت بكثافة على الأراضي الأفغانية خلال الثمانينات وفي منتصف التسعينات، لكن العلاقة بينه وبين إبن لادن والظواهري توطدت في السنوات الاخيرة واستعان به الافغان لتدريب عناصر تابعة لتنظيم "القاعدة" و"الجبهة الاسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين" التي اسسها إبن لادن والظواهري ومعهما جماعتان من باكستان وأخرى من بنغلادش في شباط فبراير العام 1998. وتضمن البيان التأسيسي للجبهة فتوى توجب على المسلمين "قتل الاميركيين ونهب أموالهم اينما وجدوا". وأشارت المصادر الى أن لدى السلطات الاميركية معلومات عن اصوليين مقيمين في اليمن منذ سنوات فضلوا الانشقاق عن تنظيم "جماعة الجهاد" بعدما تخلى الظواهري العام الماضي عن موقع القيادة فيه وابقوا علاقتهم به وبابن لادن في اطار "الجبهة"، وأن بعض هؤلاء تدرب على يدي مرسي داخل الأراضي الأفغانية. واستبعدت المصادر أن يكون لتنظيم "الجماعة الاسلامية" المصرية علاقة بعمليتي اليمن على رغم البيان الذي اصدره اخيراً الزعيم الروحي للجماعة الدكتور عمر عبدالرحمن الذي يقضي عقوبة السجن مدى الحياة في احد السجون الاميركية، وتضمن فتوى توجب قتل اليهود. وأوضحت أن خبراء امنيين اميركيين فسروا بيان الشيخ بأنه من قبيل تسجيل المواقف وسط زخم حال العداء بين العرب والمسلمين ضد اسرائيل. وسألت "الحياة" محامي "الجماعات الاسلامية" في مصر السيد منتصر الزيات عن صحة المعلومات الاميركية فأشار إلى أن موقف ابن لادن والظواهري من اميركا "معروف". ولم يستبعد أن يكون تنظيم "القاعدة" أو عناصر تابعة "للجبهة الاسلامية" وراء عمليتي اليمن، موضحاً أن توجهات "الجماعة الاسلامية" وقادة "الجهاد" الموجودين في السجون المصرية "صارت تسير في اتجاه عدم تنفيذ عمليات داخل مصر على اساس انها لا تحقق الهدف منها وتخلق مناخاً معادياً للحركات الاصولية عموماً". ولفت الزيات الى بيان اصدره قادة "الجماعة الاسلامية" الاسبوع الماضي طالب الحركات الاسلامية بتوجيه جهودها وتركيزها على قضية القدس من دون خلق مشاكل مع الحكومات، وكذلك بيان آخر اصدره قبل يومين القيادي في "الجهاد" اسامة صديق علي ايوب المقيم في ألمانيا دعا فيه زملاءه الى وقف العمليات داخل مصر وتوجيه كل الجهود لتحرير المسجد الاقصى. ونفى الزيات ان يكون اسم مدحت مرسى ورد في أي من قضايا العنف الديني التي نظرت فيها محاكم عسكرية أو مدنية مصرية في السنوات العشر الاخيرة. لكنه اشار الى أن عدداً من قادة الاصوليين الذين عملوا مع إبن لادن خرجوا من مصر قبل سنوات طويلة ولم يكن لهم ملفات لدى اجهزة الأمن المصرية. واعتبر ان أميركا "تخلق المشاكل لنفسها وتؤجج المشاعر العدائية ضدها عن طريق سياساتها الخاطئة". وتساءل: "لماذا تصر اميركا على احتجاز الدكتور عمر عبدالرحمن؟"، و"كيف يمكن تبرير مساندة اميركا لإسرائيل امام شباب الإسلاميين الذين يضعون أرواحهم على اكفهم؟". واختتم قائلا: "السياسات الاميركية تجعل عمليات الاسلاميين ضد المصالح الاميركية مقبولة لدى الشعوب العربية والإسلامية بل تجعلها محل اشادة وفخر".