فيصل بن بندر يرعى حفل الزواج الجماعي الثامن بجمعية إنسان.. الأحد المقبل    المملكة واليمن تتفقان على تأسيس 3 شركات للطاقة والاتصالات والمعارض    اليوم العالمي للغة العربية يؤكد أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والثقافة العربية    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    "الوعلان للتجارة" تفتتح في الرياض مركز "رينو" المتكامل لخدمات الصيانة العصرية    القبض على ثلاثة مقيمين لترويجهم مادتي الامفيتامين والميثامفيتامين المخدرتين بتبوك    نائب وزير الخارجية يفتتح القسم القنصلي بسفارة المملكة في السودان    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    أسمنت المنطقة الجنوبية توقع شراكة مع الهيئة الملكية وصلب ستيل لتعزيز التكامل الصناعي في جازان    تنفيذ حكم القتل بحق مواطنيْن بتهم الخيانة والانضمام لكيانات إرهابية    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    "مجدٍ مباري" احتفاءً بمرور 200 عام على تأسيس الدولة السعودية الثانية    إقبال جماهيري كبير في اليوم الثالث من ملتقى القراءة الدولي    200 فرصة في استثمر بالمدينة    «العالم الإسلامي»: ندين عملية الدهس في ألمانيا.. ونتضامن مع ذوي الضحايا    إصابة 14 شخصاً في تل أبيب جراء صاروخ أطلق من اليمن    «عكاظ» تنشر توصيات اجتماع النواب العموم العرب في نيوم    التعادل يسيطر على مباريات الجولة الأولى في «خليجي 26»    «الأرصاد»: طقس «الشمالية» 4 تحت الصفر.. وثلوج على «اللوز»    ضبط 20,159 وافداً مخالفاً وترحيل 9,461    مدرب البحرين: رينارد مختلف عن مانشيني    فتيات الشباب يتربعن على قمة التايكوندو    «كنوز السعودية».. رحلة ثقافية تعيد تعريف الهوية الإعلامية للمملكة    وفد «هارفارد» يستكشف «جدة التاريخية»    حوار ثقافي سعودي عراقي في المجال الموسيقي    ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون مجمع طباعة المصحف الشريف    رينارد: مواجهة البحرين صعبة.. وهدفنا الكأس الخليجية    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    هل يجوز البيع بسعرين ؟!    «يوتيوب» تكافح العناوين المضللة لمقاطع الفيديو    مدرب الكويت: عانينا من سوء الحظ    سمو ولي العهد يطمئن على صحة ملك المغرب    التعادل الإيجابي يحسم مواجهة الكويت وعُمان في افتتاح خليجي 26    السعودية أيقونة العطاء والتضامن الإنساني في العالم    الحربان العالميتان.. !    معرض وزارة الداخلية (واحة الأمن).. مسيرة أمن وازدهار وجودة حياة لكل الوطن    رحلة إبداعية    «موسم الدرعية».. احتفاء بالتاريخ والثقافة والفنون    رواية الحرب الخفيّة ضد السعوديين والسعودية    لمحات من حروب الإسلام    12 مليون زائر يشهدون أحداثاً استثنائية في «موسم الرياض»    رأس وفد المملكة في "ورشة العمل رفيعة المستوى".. وزير التجارة: تبنّى العالم المتزايد للرقمنة أحدث تحولاً في موثوقية التجارة    وزير الطاقة وثقافة الاعتذار للمستهلك    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    المؤتمر الإعلامي الثاني للتصلب المتعدد: تعزيز التوعية وتكامل الجهود    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    أمير القصيم يرعى انطلاق ملتقى المكتبات    محمد بن ناصر يفتتح شاطئ ملكية جازان    ضيوف خادم الحرمين يشيدون بعناية المملكة بكتاب الله طباعة ونشرًا وتعليمًا    المركز الوطني للعمليات الأمنية يواصل استقباله زوار معرض (واحة الأمن)    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المعرض التوعوي "ولاء" بالكلية التقنية    شيخ شمل قبائل الحسيني والنجوع يهنى القيادة الرشيدة بمناسبة افتتاح كورنيش الهيئة الملكية في بيش    الأمير محمد بن ناصر يفتتح شاطئ الهيئة الملكية بمدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية    السيسي: الاعتداءات تهدد وحدة وسيادة سورية    رئيس الوزراء العراقي يغادر العُلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اصدقاء فيرجينيا وولف :أول معرض كبير لفن "بلومزبري" في لندن
نشر في الحياة يوم 05 - 01 - 2000

لا يشبه دخول ال"تايت غاليري" - معبد الفن اللندني الواقع على الضفة الجنوبية من نهر التيمز - في يوم من مثل هذه الأيام الخريفية المشرفة على نهاية قرن وألفية، زيارة عادية لمتحف من المتاحف أو لمعرض من المعارض المتلاحقة والروتينية، خصوصاً إذا كان المرء مأخوذاً، لا بل "دائخاً"، بفكرة انقضاء العصر والانتقال الى سواه، لما يشهده من حمى ثقافية واستهلاكية في قريته العالمية الممتدة حوله على مدى النظر وما بعده، من ناحية، وان كان ممن يترقب هذا المعرض بالذات بشيء من اللهفة، لما يطرحه من اسئلة تتعدى كونه معرضاً لزمرة من الفنانين التشكيليين الانكليز، من ناحية أخرى.
والمعرض الذي نحن بصدده هنا، هو معرض "فن بلومزبري" المتمثل في غاليري "تايت" بالثالوث الفني روجر فراي وفانيسا بيل ودنكن غرانت، وهو أول معرض جماعي للوحاتهم في بريطانيا وهو في الوقت عينه، معرض عابر لعتبة الألفية فعلاً، اذ كان افتتاحه في الرابع من تشرين الثاني 1999 ويستمر حتى أواخر كانون الثاني 2000. فهل هو عابر لعتبة العصر في كل ما للكلمة من معنى، أي هل فيه ما يستحق نقله وحمله ورفعه الى السنة الجديدة وبها الى مطلع الفية جديدة؟
سأحاول التفكر في الاجابة عن هذا السؤال على نحو يطوّق الموضوع في خطوط عريضة، انما من وجهة نظر ذاتية، تترك مجالاً للشك.
"بلومزبري" اسم علم يدل الى حي من أحياء لندن كان في بداية القرن مركزاً لعالم النشر يحدد معالمه اليوم المتحف البريطاني وجامعة لندن بفروعها. وارتبط الحي بجيل من المثقفين والأدباء والفنانين الذين سكنوه حتى الحرب العالمية الثانية، فصار مصطلحاً ثقافياً يدل الى جماعة ما تزال تثير الجدل وفضول الباحثين المتزايد منذ الستينات الى اليوم.
تكوّنت نواة جماعة بلومزبري في اوائل هذا القرن بفعل الجاذبية وقواها المتنوعة التي تقوى حيناً بين من يتباينون من البشر ثقافة وفناً ومحتداً وجنساً وحيناً آخر بين من يتماثلون منهم. والتفت حول النواة على مرور الزمن جماعات أخرى ظلت تدور في فلكها أو تتفاعل مع ما تولّده من أفكار ومبادئ ومواقف، بحيث ان الناظر اليها، أو بالأحرى، الى ما تركته من آثار، قد يتيه، أول الأمر، في دغل ما كُتب ونُشر عن أفرادها من سير وسير ذاتية ووثائق ومراسلات تلقي ضوءاً على جوانب من حياة هؤلاء الذين شكلوا بعلاقاتهم على أنواعها، علاقات القربى والزواج والصداقة، وبتفاعلهم الفكري والابداعي تلك "الشبكة" التي هي "جماعة بلومزبري" بصحيح المعنى.
لكن الصورة سرعان ما تتضح ان صبر الناظر وتروّى وظل متوخيا أقران التفصيل بالكل. وحتى لو اكتفى باختلاس النظر الى الظاهرة من هذا المنظور، الذي يهمل أموراً كثيراً فإنه يكون قد وجد بذلك أول اشارة الى الاجابة عن السؤال المطروح في البداية. ومن أجل توضيح ما أقصد أريد ان أذكر ملاحظة ساخرة يتداولها هنا في بريطانيا المدمنون على الإنترنت لأسباب مهنية أو شخصية، فيقولون: عارض من عوارض سقمك من هذا العصر هو انك تثرثر يومياً عبر الإنترنت بالطبع مع شخص في افريقيا الجنوبية لم تلتقه يوماً، في حين انك لم تسلم على جارك منذ موسم الأعياد الماضي!
حين ننظر الى دائرة بلومزبري وغنى التفاعل الشخصي بين أنصارها والى ما ولّده هذا التفاعل من جو شغف عصف بتقاليد العصر الفيكتورياني مذيباً جليده وفاتحاً الأبواب لهواء منعش محرر، فاننا نستطيع ان "نحزر" ربما، ما هي الأشياء التي سيكون علينا الاستغناء عنها، في القرن الجديد، اذا استسلمنا بتهور أو سذاجة للحلم بالتقدم التكنولوجي. وزيارة المعرض فتأمل ما يبطنه من ايحاءات وأبعاد، هي على كل حال دعوة لنا، نحن الذين اقتربنا من عتبة العصر، لالتفاتة أخيرة الى الوراء، الى المئة عام الخاتمة للألفية، من أجل مراجعة حساباتنا قبل العبور، ومن أجل التأكد من أن ما تزودنا به هو فعلا ما نحن في أمسّ الحاجة إليه.
هذا من ناحية. وهي خطرة بلا ريب. لكنني مضطرة الى تأجيل الاسترسال فيها الى موضع آخر، لأنها قد تبدو خارج الموضوع ولأنني أريد، انصافاً لهذا المعرض الملهم الجميل الذي اعطاني الذريعة لكتابة هذا المقال ألا أكون من يؤخركم عن دخول قاعاته الرحبة.
يتوزع المعرض على تسع قاعات رئيسة سبع منها مخصصة للأعمال الفنية نفسها واثنتان للمواد التوثيقية يمكن للزائر أن يتنزه فيها على كيفه، وهذا يعني، يمكن له إما أن يتبع الخيط الهادي الذي زوده به منظمو المعرض، اما ان يتبع ميوله الفنية وغيرها، فيجول القاعات حرّا، مستسلماً للانطباعات القوية، لرقصة "الكتل والأشكال والألوان"، على حد قول فراي، المنظِّر الجمالي للجماعة، من دون البحث عن المنطق والاتساق في هذا كله ومن دون الاكتراث لما يجمع بين هذا الاسلوب وذاك، وبين هذه اللوحة وتلك... وفي ذلك أيضاً متعة، وحتى فائدة لا يستهان بها، لأمثالنا من المدمنين على روتين العصر ورتابته. لكن، بما أني أرى نفسي عاجزة عن نقل ما يراودنا عند زيارة المعرض، وربما في حضرة كل ابداع انساني، نقلاً أميناً بالألفاظ، فأفضل اتباع الطريقة الأولى والقف بامتنان الخيط الهادي.
زود منظمو المعرض كل قاعة بشعار يشير الى ما "يجري فيها على الأرض"، ويرمز في الوقت نفسه، الى ابعاد ما ذكرته آنفاً من تفاعل ثقافي بين أنصارها. فكل شعار هو كذلك عنوان لعمل من الأعمال الأدبية المكتوبة بقلم أحد أعضاء دائرة بلومزبري أو أنصارها من الأدباء والمفكرين. وهكذا يمكننا، ونحن ننتقل من قسم الى آخر، لا أن نتابع محطات الانتاج الفني لرسامي بلومزبري الثلاثة الحاضرين وحسب، بل ان نكتشف، أو نعيد اكتشاف، جوانب من الجو الأدبي والفكري المحيط بالجماعة أيضاً واعترف بأن المواد المعروضة الى جانب اللوحات الأصلية وفي القاعات المخصصة للتوثيق: المخطوطات، الكتب في طبعاتها الأصلية، الصور الفوتوغرافية، اثارت رغبتي في المزيد من الاطلاع والتعمق.
تسمح لنا القاعة "رقم واحد" بالاتصال والتواصل البصري الأول الذي يمنحنا بدوره بعض الانطباعات الأولية "Some Early Impressions" 1903 شعار القاعة وعنوان كتاب من تأليف الأديب والفيلسوف سير لسلي ستيفن، والد فرجينيا وولف حول أسلوب كل واحد من فناني بلومزبري الثلاثة قبل توطيد روابط الصداقة والتعاون بينهم في 1911 و1912. نشاهد ل دنكن غرانت عدداً من اللوحات تصوّر شخصيات من دائرة بلومزبري، مثل الاقتصادي الانكليزي الشهير مينارد كاينز والأديبة فرجينيا وولف والكاتب لتن سترايتشي وأخيه الأصغر جيمس سترايتشي الذي صار خبيراً في التحليل النفسي ومترجماً لفرويد الى الانكليزية. وتلفت اللوحات بقدرتها على استحضار شخصية الموديل، وبذوق غرانت الميال الى الاكزوتيكي والحسي والابتعاد التدريجي عن الدقة الأنيقة في التصرف بالألوان والمساحات. أما أعمال روجر فراي فتعكس منذ البداية انشغاله بحركة الانطباعية المتأخرة الذي كان له أثر مهم في سيرورة الفن البريطاني.
في القاعة الثانية التي تضم لوحات من 1911 إلى 1913، نصير في قلب الموضوع ونبدأ رحلة الاكتشاف "The Voyage out"، واية فرجينيا وولف الأولى، 1915. ففي خريف بدا كغيره في مدينة لندن، افتتح روجر فراي معرضه الشهير "مانيه والانطباعية المتأخرة" عارضاً للمرة الأولى في بريطانيا 1910 أعمالاً أصلية لكل من سيزان وغوغان وفان غوغ وماتيس وبيكاسو. ومن يعيش اليوم على القارة الأوروبية "الناضجة" والمصممة على التوحيد مهما كلّف الثمن، يصعب عليه بالفعل تخيل سطوة الصدمة التي أثارها المعرض في صفوف الجمهور الانكليزي المتزين باخلاق العصر الفكتورياني ومنفعيته في الذوق وحيائه الذي خدشه ذلك المعرض "البورنوغرافي" كما وصفه بعض النقاد يومها أما من يقطن انحاء أخرى فقد يسهل عليه تصور ذلك الزلزال. لكن الفنانين الانكليز الشباب رحبوا بجديد المعرض ملهوفين والتفّوا حول جماعة بلومزبري التي صارت عنصراً أساسياً في المشهد الفني الطليعي في لندن ومحركاً له. وتوضح الأعمال المعروضة من تلك الحقبة مدى التطرف في الحداثة الناتج عن التفاعل مع ما دار من تجارب فنية في الخارج مثال لوحة فانيسا بل الشهيرة المعروضة هنا "Studland Beach".
تدعونا القاعة الثالثة لتأمل بعض السير "Essays in Biography"، 1933، كتاب من تأليف الاقتصادي الانكليزي جون مينارد كينز، من خلال لوحات الportraits الحميمة العائدة الى الفترة الواقعة بين 1910 و1925. وكان "البورتريه"، الباحث عن هوية الذات والآخر، وجهاً محورياً من وجوه فن بلومزبري الذي لا يمكن فصله عن الذوات الانسانية التي انتجته في تفاعلها. وتصور هذه اللوحات شخصيات تنتمي الى "الدائرة الداخلية" لبلومزبري أي الى "الخاصة"، وكذلك أشخاصاً من العالم الأدبي والفني الأوسع الذي بدأت الجماعة تقيم علاقات معه. وفي 1913 بلغ بلّ وغرانت ذروة في استعمالهما اللون الصارخ والباهر متفاعلين مع ال"فوفية" Fauvism وأسلوب اللون المتحرر الذي طوّره ماتيس ودرين.
تعرض القاعة الرابعة تحت شعار "A Room of One's Own" كتابات لفرجينيا وولف حول حقوق المرأة 1929 لوحات "الطبيعة الميتة" التي تعود الى 1914 - 1919. والطبيعة الميتة still life هي الى جانب البورتريه موضوع مفضّل في فن بلومزبري. وقد لاحظ روجر فراي، وهو يحلل سيزان، ان الفنان أكثر ما يكون حراً في التركيز على البصري المحض الذي كان عزيزاً عليه وحاضراً و"دارجاً" في الحقبة ما قبل الحرب العالمية الأولى في مفهوم "الفن البصري المحض"، حين يرسم الطبيعة الميتة، لأنها غالباً ما تخلو من الانفعالات والأفكار الانسانية المعقدة. فلوحات بل وغرانت هي استجابة لمختلف التيارات وتلبية للدعوة الى التجريب البصري، فهناك لوحات شعرية وأخرى تميل الى التجريد واستخدام الكولاج، مثل لوحة بلّ الشهيرة "الحلف الثلاثي" 1913، التي توظّف أجزاء من جرائد وخرائط تشير الى الحرب.
في القاعة رقم ستة تنتظرنا استراحة وفرصة لنشارك فراي رؤيته في الفن والتصميم "Vision and Design" دراسات بقلم روجر فراي، 1926، وهي تعرض نماذج ل"الفن التطبيقي" من ورشة "أوميغا" التي أسسها فراي بالتعاون مع بلّ وغرنت عام 1911 لغاية مزدوجة: لتطبيق ما استلهمه من الفوفية والانطباعية المتأخرة من جماليات، على فن التصميم الانكليزي الذي صار في نظره باهتاً ومنحطاً، ولتأمين مدخول ثابت للفنانين الطليعيين الانكليز من خلال العمل الحرفي المبدع.
احرزت التجربة في بداياتها نجاحاً كبيراً بفضل حماس الفنانين المشاركين، غير أن أحوال الورشة تدنت خلال الحرب، فاضطر فراي الى اغلاقها عام 1919. لكن رغم قصر التجربة كان لتصاميم اوميغا تأثيراً قوياً على فن التصميم والديكور الداخلي والمفروشات، لأنها لقّحت هذا الفن برؤية جديدة دفعته الى ابتكار ما يعد من أولى محاولات الحداثة في تاريخ الفن المعاصر. واذكر على سبيل المثال "الكولاج التجريدي المتحرك مع صوت" لدنكن غرانت، والمعروض في هذه الصالة.
في القاعة الثامنة التي تعرض الأعمال العائدة الى 1991 - 1918 يتسنى لنا ان نشاطر الفنانين "بدايتهم الجديدة" "Beginning Again"، سيرة ذاتية بقلم ليونارد وولف. انتقل دنكن غرانت الى الريف حيث كان عليه ان يعمل في المزارع، لرفضه الخدمة العسكرية في الحرب العالمية الأولى. فانضمت اليه فانيسا مع طفليها التي باتت تفضل الريف ورفقة دنكن على الحياة في لندن. فعاشوا بقية عمرهم في "تشارلستن"، بيتهم في ساسكس الذي تحول بعد وفاة ساكنيه الى متحف لفن بلومزبري. انتج غرانت في هذه الفترة عدداً من اللوحات الشخصية لفانيسا بينها واحدة تعد من أولى اللوحات لامرأة حامل في الفن البريطاني، 1918 وتعكس مشاعره الجديدة نحوها في فيض من الألوان الحادة التضاد كالأزرق والبرتقالي.
في القاعة التاسعة والأخيرة التي تضم لوحات مختارة من الفترة ما بعد عام 1920، يمكن لنا ان نختبر التحولات "Transformation"، كتابات لروجر فراي 1926 ونتأمل الأسلوب الناضج لكل من فناني بلومزبري الثلاثة وهم يتابعون عملهم على المواضيع المفضلة - الطبيعة، والطبيعة الميتة، والبورتريه: روجر فراي الذي صار من أشهر نقاد الفن ومنظريه في بريطانيا، فانيسا بل التي نشاهد لها الportrait الذاتي الشهير الذي رسمته قبل وفاتها بقليل عام 1961، دنكن غرانت الذي يتابع الرسم حتى الثمانين من عمره ليرسم مناظر طبيعية تلفت بصفائها، وصفاتها الشبيهة بالحلم، وخفّة جديدة في التعامل مع الريشة واللون.
تفيد المراجع ان سمعة بلومزبري كجماعة طليعية انطفأت بعد الحرب العالمية الأولى، وهذا صحيح بلا شك. لكني أميل الى اغفال مثل هذه الملاحظات والتصنيفات أو احالتها الى مجلدات تاريخ الفن، واميل كذلك الى تذكر ما كتبه الأديب الألماني هرمن هسه في سياق آخر: ان المهم هنا، وفي غير محل أيضاً، هو الفعل والايماءة، لا الكلام، هو الحياة نفسها، لا التنظير عليها. وهكذا يمكن لي أن أضيف ان المعرض سحرني، فأكاد انظر الى الحياة على نحو مختلف، بعد زيارته، أرى أشياء وأشياء كان يمر عليها بصري مرور الكرام، تدرجات وظلالا وألواناً من الغنى والامتلاء. فهل هذه ميزة من مزايا الفن الملغزة التي تعصى على التعريف، وتقول عنها منشورات المعرض في اللغة الانكليزية بكل تواضع وبساطة life-enhancing quality لا جواب لمن يسأل هذا السؤال، إلا في التجربة. وبذلك نعود الى البداية ونكمل الدائرة. فما الذي سنحمله معنا الى العصر الجديد؟ ما الذي سيبقى صالحاً، وربما، مفعِّلا ومحسِّناً للحياة أيضاً؟
أنا شخصياً وجدت هنا وهناك، في لوحات هؤلاء الثلاثة وفي كتابات كل من فرجينيا وولف وروجر فراي وليونارد وولف وكلايف بل، وكلهم من قلب بلومزبري جميلاً يعبّر عن نبل المشاعر أو الآراء، سأبقى أحمله معي مثل كنز ثمين لا أقبل باستبداله بما يلائم العصر وروحه.
لكن، على هذه العتبة الزمنية لا بد للمرء أن يتساءل مع العلماء الكبار من أمثال سوزن غرينفيلد الذين بدأوا بتوديعه أي العصر بخطابات الى الجمهور العام: ماذا ينتظرنا في القرن الجديد وكل ما تكتشفه العلوم، وما يعد بفائدة أو بربح ما، سيطبَّق حتماً في المجال العملي؟ ولا بد له أن يسأل أيضاً: هل للطبيعة البشرية التي ظلت، على ما يبدو، هي هي منذ آماد، من حدود اذن وكيف تتعين؟ وهل سيبقى الانفتاح على الجديد، حتى لو بدا مهدداً لممتلكاتنا الأمينة، والتواصل الانساني الحر، حتى لو جاء على حساب ما يسود من تقاليد - هل سيبقيان اذن من مؤن الروح التي لا غنى عنها في القرن الجديد أيضاً؟ تلك المؤن التي تقينا جموداً، قد يكون هو عينه مسؤولاً عن تحويلنا الى الات وأدوات أي عن "انتهاك" طبيعتنا البشرية، تلك المؤن التي تبقينا متميزين عن أذكى ذكاء اصطناعي سيأتي به القرن الجديد بلا ريب، وربما، متفوقين عليه أيضاً، تلك المؤن التي يزودنا بها الفن والابداع؟
جماعة بلومزبري وأهم أفرادها
Virginia Woolf فيرجينا وولف: الشخصية المحورية في بلومزبري الحاضرة الى اليوم بقوة في رواياتها وكتاباتها وبعضها مترجمة الى العربية وبحروف سوداء عريضة على ملصق المعرض الذي استعرت شعاره عنواناً للمقال.
Vanessa Bell فانيسا بل: الرسامة الحاضرة في المعرض، شقيقة فيرجينيا. تزوجت من المفكر والناقد كلايف بلّ من جماعة خريجي كامبريدج وعاشت مع زميلها في الرسم دونكن غرانت.
Duncan Grant دنكن غرانت: الرسام الذي عاشت وتعاونت فانيسا معه في "تشارلستن" وفي ورشة "أوميغا".
Roger Fry روجر فراي: الرسام الثالث الحاضر في المعرض. اشتهر بتنظيمه المعارض الفنية في لندن في أوائل القرن، وبكتاباته النظرية في النقد وعلم الجمال.
Leonard Woolf ليونارد وولف: المفكر السياسي والناشر الذي تزوجت منه فرجينيا وأسست معه دار نشر "هوغارت برس" عام 1917.
John Maynard Keynes جون مينارد كاينز: اقتصادي بريطاني معروف، خريج كامبريدج، أسس مدرسة في التفكير الاقتصادي.
EM Forster إ.م. فورستر: الأديب الثاني في الجماعة الى جانب فرجينيا. اشتهر بأعمال تحولت الى أفلام مثل "A Room with a View" و"A Passage to India".
Lytton Strachey لتن سترايتشي: كاتب وناقد أدبي، خريج كامبريدج، يظهر في العديد من اللوحات، صديق دنكن وشريك حياة كارينغتن رسامة على هامش الجماعة، طور أسلوباً انطباعياً ذكياً في كتابة السير.
الخ...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.