بين التعصب والقسوة على النفس يعيش الآلاف من خبراء كرة القدم في مصر، وهو الأمر الذي ينعكس سريعاً على آرائهم وتعليقاتهم ثم على الجماهير التي تصدق كل كلمة تصدر عنهم. وتجلت تلك المواقف بعد فوز مصر الكبير على زامبيا 2-صفر مساء الأحد الماضي في كانو في كأس الأمم الافريقية، وهو الفوز الذي أسعد الملايين من عشاق اللعبة، خصوصاً وأن التشاؤم كان يسود الجميع وفقاًَ للآراء القاتمة من هؤلاء الخبراء. وحتى لا يظهر الخبراء في صورة المخطئ أصر معظمهم على التقليل من شأن الفوز ومن شأن المدرب الفرنسي جيرار جيلي المدير الفني للمنتخب ومن شأن بعض اللاعبين بل ومن شأن منتخب زامبيا ذاته، وتحولوا الى تشويه الفوز بشكل زائد مع الإشارة إلى أن "السييء لم يصل بعد، لكنه قادم لا محالة". عصام بهيج المدير الفني للقناة وهو لاعب ومدرب سابق في الزمالك ويصدر مجلة رياضية تحمل اسم "الزملكاوية"، قال: "الإعلام الأهلاوي القوي هو الذي يشكل منتخب مصر، وهو نجح في فرض إبراهيم حسن الظهير الأيمن على المنتخب رغم أنه بعيد عن المباريات منذ شهرين"، ونسي بهيج أن الإعلام المنتمي الى النادي الأهلي كان الأكثر قسوة على ابراهيم وشقيقه حسام في الشهور الأخيرة، وأن أنصار الأهلي - الإدارة والمدربون والاعضاء ورجال الإعلام - غضبوا جداً من قرار جيلي بضم ابراهيم حسن لأنه رفض طاعة الألماني راينر تسوبيل المدير الفني للاهلي، واعتبروا ضمه بمثابة دعوة لمزيد من العصيان. وانتهز الكثيرون الفرصة وعلى رأسهم اسامة خليل وهو لاعب ومدرب سابق في الاسماعيلي، وهاجم جيلي بكل قسوة وأكد أنه لا يفهم شيئاً في التدريب، وأن إشراكه ابراهيم حسن بعد غيبة 50 يوماً عن المباريات يمثل خرقاً لقواعد كرة القدم، ولم يدرك اسامة أن كالوشا بواليا قائد زامبيا وأحسن لاعبيها في مباراة مصر لم يلعب مع المنتخب منذ عامين ولم يشارك رسميا مع أي فريق قبل انطلاق البطولة ب3 اشهر. وكان بونفرير مدرب نيجيريا ضم ايمانويل امونيكي وأشركه في نهاية مباراة تونس رغم أن امونيكي بعيد عن المباريات منذ عامين كاملين. وخرج ثالث للتأكيد على أن جيلي فاشل في عمليات التغيير بدليل إخراجه ياسر رضوان صاحب الهدف الأول وابقاء ابراهيم حسن، ولم يدرك هذا الخبير أن رضوان بذل جهداً كبيراً في الشوط الأول وقل جهده في الثاني وجاء تغييره حتمياً. وانبرى رابع للتأكيد على أن جيلي لم يفعل جديداً، وأنه يسير على الطريق ذاتها التي سار عليها محمود الجوهري المدير الفني السابق للمنتخب. ومع تقديرنا الكامل للجوهري، وهو أحد المدربين الممتازين في تاريخ كرة القدم العربية والافريقية إلا أن جيلي له أسلوبه بدليل أن تشكيلة المنتخب الاساسية ضمت أربعة لاعبين يشتركون للمرة الأولى هم ابراهيم سعيد وايمن عبدالعزيز وطارق السعيد وأحمد صلاح حسني وكلهم دون 22 عاماًَ، وأعاد جيلي اللاعب هادي خشبة إلى المنتخب وكان مستبعداً في عصر الجوهري، واشركه في مركز الظهير الحر وهو يلعب في مركز مدافع الوسط، وأجرى تغييراً شاملاً في عمق خط الدفاع بإشراك السقا وخشبة وسعيد بدلاً من الدفاع التقليدي في عصر الجوهري، وكان يضم هاني رمزي وسمير كمونة ومحمد يوسف ومدحت عبدالهادي. ولا يمكن أن يكون وجود 5 لاعبين من التشكيلة التي قادها الجوهري قبل 7 شهور فقط سبباً في الادعاء أن جيلي يقلد سلفه. ونحو مزيد من التقليل من الفوز ادعى الخبراء أن منتخب زامبيا هو الأضعف في المجموعة، وبدأوا في محاولة تضخيم صورة السنغال وبوركينافاسو رغم الفارق الشاسع بين نتائج ومستوى زامبيا والمنتخبين الآخرين. وزاد الطين بلة محاولات كاذبة أو جاهلة بالتركيز على أن حادثة سقوط طائرة منتخب زامبيا كانت سبباً في الفوز المصري الكبير، ونسوا جميعاً أن الطائرة سقطت في صيف 1993 وأودت بحياة العديد من نجوم المنتخب، لكن زامبيا استعادت توازنها سريعاً، ووصل منتخبها بجدارة الى المركز الثاني في كأس الأمم الافريقية 1994 وخسر المباراة النهائية بصعوبة من نيجيريا 2-1، وفاز منتخب زامبيا على مصر 3-1 في كأس الأمم 1996، وعندما خسرت زامبيا بعد 7 سنوات من الحادثة أمام مصر تذكروا حادثة الطائرة. صحيح... الغرض مرض.