} القوات الروسية تحارب أشباحاً في الشيشان... هذا الاستنتاج قائم على حسابات بسيطة: فعشية الحرب اعلنت موسكو أنها ستواجه سبعة آلاف "ارهابي" في حين ان البيانات الرسمية تفيد أن عدد القتلى من المسلحين الشيشانيين، زاد عن عشرة آلاف، وإذا أضفنا زهاء 30 ألف جريح، يتضح ان الوحدات الروسية تطلق نيرانها على مقاتلين لا وجود لهم. أصبحت المبالغة أمراً مألوفاً لدى الجانبين الروسي والشيشاني، سواء في الأرقام التي يوردانها أو في اعلان "حقائق" والتراجع عنها لاحقاً. وآخر الأمثلة على ذلك الحديث عن أسر الجنرال ميخائيل مالوفييف ووجود شريط فيديو بأقواله، يتضح في ما بعد ان الروس عثروا على جثة الجنرال ووضعوها في دار الضباط في فلاديقوقاز. ومن يقرأ البيانات الروسية عليه ان يصدق ان الشيشانيين يعشقون الانتحار الجماعي! وهكذا حصل حينما قتل مئات من المدنيين في أحد أسواق غروزني واعلنت موسكو ان السبب يكمن في أن "ارهابيين" احتربوا في ما بينهم. وظلت تنفي سقوط صاروخ على السوق حتى بعد ان عرض حطامه. ويضع الاعلام الرسمي الروسي نفسه في مأزق يصعب الخروج منه. فهو يعلن ان الشيشانيين حصلوا على دعم عسكري واسع من الخارج وان لديهم قواعد تدريبية هائلة، في حين ان أرقام الخسائر الروسية تفيد ان الشيشاني يطلق ألف رصاصة ليصيب جندياً واحداً بخدش بسيط. والأرقام الرسمية تتحدث عن مصرع 3 جنود روس في مقابل كل مئة شيشاني، في حين ان "لجنة امهات الجنود" العاملة في موسكو أكدت ان الخسائر الفعلية أكبر بسبعة أضعاف من المعلنة وأنها ربت على ثلاثة آلاف قتيل وستة آلاف جريح. وأجرى تلفزيون "ان.تي.في" تحقيقاً ميدانياً اتضح من خلاله ان المستشفى العسكري في مدينة روستوف "يعالج" يومياً ما بين 30 و50 جثة وأن القطارات تنقل عشرات التوابيت كل يوم الى العمق الروسي. وما أن تجرأ عقيد في قوات الأمن الداخلي على الكشف عن مقتل 40 الى 50 عنصراً من القوات الروسية أثناء هجوم على طابور مدرع، حتى وقع العقاب الفوري... بمحطة التلفزيون التي بثت المقابلة مع الضابط. ومنع مراسلو "ان.تي.في" من المشاركة في رحلات ينظمها المركز الإعلامي لقوات القوقاز وذلك في خطوة اعتبرت بداية رسمية لفرض الرقابة على الإعلام. وسيتولى الاشراف على النقل "الصحيح" للأخبار سيرغي ياسترجيميسكي الذي عين أخيراً مساعداً لرئيس الدولة بالوكالة فلاديمير بوتين. وكان ياسترجيميسكي شغل فترة طويلة منصب السكرتير الصحافي للرئيس بوريس يلتسن. وعرفت عنه مهارته في "تفسير" الأحداث. ولم ينس الصحافيون كيف كان يتحدث اليهم عن "قبضة يلتسن القوية" حينما كان صاحب الكرملين على حافة القبر لاصابته بنوبة قلبية. وحرص ياسترجيميسكي العاشق للاناقة على أن يظهر في ثياب عسكرية مفصلة على مقاساته وفي مواقع قريبة من ميادين القتال. وينتظر أن يبدأ "تعديل" الصورة وفقاً لمقتضيات حملة الانتخابات الرئاسية لفلاديمير بوتين. ورغم ان الأخير نفى أن تكون للحرب صلة بالمعارك السياسية الداخلية فإن صحيفة "نوفايا غازيت" نشرت امس معلومات عن لقاء جرى بين القائد الميداني شامل باسايف ومدير الديوان الرئاسي الكسندر فولوشين في منزل ثري عربي في فرنسا. وذكرت الصحيفة ان اتفاقاً تم على "حرب صغيرة" لتعزيز مواقع الكرملين السياسية وهزيمة خصومه. وتكفل لباسايف تفوقاً على الرئيس اصلان مسخادوف. وذكرت الصحيفة ان الصراعات في موسكو أدت الى الإخلال بالاتفاق وخروج الحرب عن السيناريو الموضوع واتخاذها أبعاداً أوسع مما كان منتظراً. وقد يفسر ذلك أسباب التناقض في تحديد موعد نهاية العمليات. ففي بدايتها، ذكر ان غروزني سوف تسقط قبل انقضاء عام 1999. ولكن الألفية الجديدة بدأت ومر موعد ثان حدده الجنرالات وهو منتصف الشهر الجاري، وما برح القتال مندلعاً. وأعلنت موسكو عن وجود مئات "المرتزقة" العرب في الشيشان، حتى ان وكالة رصينة مثل "ايتار تاس" الرسمية ذكرت ان أحد رجال الشرطة أكد انه شاهد جثة "يبدو انها لعربي". ولم ترد موسكو رسمياً على مطالبات السفارات والمسؤولين العرب بتقديم أي وثائق أو براهيم على مشاركة عرب في القتال. وإذا صدق الجنرالات فإن "المرتزقة" اخذوا "يهربون" من غروزني بعد تطويقها أواخر الشهر الماضي، ولكنهم بدأوا... يعودون اليها أخيراً لمساعدة "الفلول" الموجودة هنا. كل ذلك كان سيبدو مقبولاً في حرب أشباح، إلا أن الرصاص في المعارك الحالية حقيقي والدماء ليست من مياه نهر سونجا التي نضبت.