اذا كُرّس فلاديمير بوتين رئيساً لروسيا في انتخابات آذار مارس فإن موسيقى جنائزية ستُعزف عند دخوله الكرملين، وحلاوة النصر ستغدو معجونة بمرارة الموت وارقام القتلى سوف تنافس اعداد المقترعين لصالح رئيس يجعل من الحرب الشيشانية حصاناً ومرتكزاً للوثوب الى السلطة. ومنذ تعيينه لرئاسة الحكومة وتوليه صلاحيات الرئاسة الاولى اثر استقالة بوريس يلتسن، حقق بوتين شعبية غير مسبوقة بفضل ادارته الحملة القوقازية التي أمست تعبيراً عن توق الروس إلى سلطة تضمن لهم الامن في الداخل وتحيي، في ذاكرتهم على الاقل، امجاداً غابرة لدولة كانت واحدة من القوتين الاعظم. وبدا ان سيناريو "الحرب الانتخابية" في الشيشان وضع في صورة محكمة، وكشف الرئيس السابق بوريس يلتسن محاوره الاساسية بإعلانه ان السيطرة على غروزني سوف تتم ب"أيد شيشانية" مشيراً الى المتعاونين مع موسكو، وتعقب ذلك حرب تدوم شهرين فقط أي أنها ستنتهي قبل فترة قصيرة من موعد الانتخابات، وبذا فإن المدافع التي تدكّ غروزني ستشرع في الوقت ذاته ابواب الكرملين امام صانع النصر في ام المعارك الروسية. بيد ان احداث الايام الاخيرة بدأت تثير رياحاً لا تشتهيها سفن السلطة الفيديرالية، فهي اعلنت ان المقاتلين الشيشانيين قاب قوسين من الهزيمة او الموت أو الاستسلام بعد ان قامت الطائرات بمئات الغارات المكثفة، ثم صالت المدفعية وجالت الراجمات واخيراً احكمت اطواق الحصار. الا ان المدن التي استغرق "تحريرها" اياماً واسابيع بعد دكّها ثم "تمشيطها" لاخلائها من الرجال القادرين على حمل السلاح، استعادها الشيشانيون في ساعات، والقوات الفيديرالية التي كانت تعلن عن مقتل ثلاثة من جنودها مقابل كل 300 من عناصر الخصم اخذت تعترف، على استحياء، بأن الحرب تحصد العشرات من منتسبيها. وفوجئ الكرملين الذي رسم ل"الانتخابات الحربية" لوحة وردية حينما وجد انها تغدو مرة قانية كالدم البشري أو سوداء مثل حطام العمارات التي هُدمت على رؤوس ساكنيها في غروزني. وبدأ تخبط ينم عن بلبلة وحيرة، إذ يُعلن اليوم عن اقالة اهم جنرالين يمثلان "صقور" الحرب، وبعد ساعات يقول رئيس الدولة انه "لن يفرط" بهما وترفض موسكو عرض الرئيس اصلان مسخادوف اعلان هدنة لإخلاء جثث القتلى، ثم تعلن من جانب واحد "توقفاً" في العمليات من ابرز الدلائل عليه… تكثيف القصف المدفعي. ويبدو ان بوتين رفض مقترحات قدمها عدد من الساسة والمحللين ودعوه فيها الى وقف الحرب حينما كانت القوات الفيديرالية تحاصر غروزني وقادرة على التفاوض من واقع القوة، والانتقال من على جمل الحرب الى ظهر ناقة السلام لبلوغ الهدف اياه… عرش الكرملين. ولكن الارجح ان بوتين قرر الاطاحة بغصن الزيتون وجعل البندقية سلماً لصعود الهرم، ولكن يبدو ان ركائز الدرج اخذت تهتز الآن.