كانت تلك هي المرة الاولى التي تنفّذ فيها اسرائيل سياستها "الجديدة" القائمة على اساس "مبادلة الارض بالسلام". صحيح ان "الارض" المعنية بهذا لم تكن ارضاً اسرائيلية، بل ارضاً مصرية كل ما في الامر ان مصر استعادتها لتعطي اسرائيل مقابلها سلاماً اعتبر مكسباً اساسياً للدولة العبرية. ولكن كان من الواضح انها المرة الاولى التي تبارح فيها اسرائيل ارضاً احتلها منذ انشائها. ومع ذلك، رغم ان المسألة كانت مسألة ارض مصرية تُعاد الى مصر، فان القوات المسلحة الاسرائيلية اضطرت، للمناسبة، لأن تخوض اول معركة حقيقية في تاريخها ضد مواطنين اسرائيليين، بغية دفعهم لمبارحة ارض سيناء. فالارض المعنية كانت شبه جزيرة سيناء. والمناسبة كانت، في يوم 25 نسان ابريل 1982، انسحاب آخر القوات والمواطنين الاسرائيليين من ارضها، تطبيقاً لبعض بنود اتفاقية السلام الاسرائيلية - المصرية التي كانت قد عُقدت قبل ذلك بثلاثة اعوام ايلول/ سبتمبر 1978. كانت اسرائيل قد احتلت سيناء خلال حرب الايام الستة في 1967. وبعد ذلك، واذ تبين للسلطات الحاكمة ان الاحتفاظ بسيناء أمر اسطوري ولا يمكن له ان يتم، أبقت على احتلالها لها حتى تتمكن، مع مرور الوقت، من ان تستخدمها كعملة مقايضة في اي تفاوض مقبل مع المصريين. وبالفعل كانت استعادة سيناء واحدة من الحجج الاساسية التي استخدمها الرئيس الراحل انور السادات حين قام بخطوته التاريخية - والغامضة جزئياً حتى الآن - التي قادته الى القدس والى مصالحة مصر مع اسرائيل والى اتفاقية كامب ديفيد، والى بدء فرض حضور اسرائيلي ككيان معترف به في المنطفة. يقيناً ان استعادة مصر لشبه جزيرة سيناء كانت اكبر انتصار حققه انور السادات خلال رئاسته لمصر، لأن السادات عرف، بهذا، كيف "يرغم اسرائيل" - حسب تعبيره هو بنفسه - على اعادة ارض كانت قد احتلتها. فالحال ان جلاء اسرائيل عن سيناء، وهو جلاء تمّ على ثلاث مراحل - وظلت له ملحقات قانونية واشكالات لم تُحلّ الا بعد ذلك بسنوات طويلة - وبدأ بالجلاء عن مدينة العريش عاصمة سيناء يوم 25 ايار مايو 1979، شكل بالنسبة الى اليمين الاسرائيلي المتطرف، كما بالنسبة الى سكان المستوطنات، نكسة سياسية واستراتيجية "لا تغتفر" - حسب تعبير احد قادة ذلك اليمين. كان اخلاء المواقع الشمالية وما فيها من مستوطنات، آخر المراحل، ولئن كانت المراحل.