الاختلاط بين الرجال والنساء هو شكل من أشكال الحياة والوجود الذي لا يمكن مدافعته بأي حال، وهو تمامًا كاختلاط الإنسان بكل موجود في بيئته وعالمه. لكن السؤال المطروح هنا هو: ما مدى فهمنا لثقافة الاختلاط البشري، وما مقدار وعي النساء والرجال بالتفاعل الإيجابي النزيه في الفضاء العام؟ في معظم الحالات (الخطأ) يبرر الرجل سلوكه السيئ مع المرأة بالعفوية والتعود، وبعضهم يسبغ على الأمر صفة أخرى، وهي أن نمطه الفكري الغربي التحرري يجعله متجاوزًا للتعقيدات الشرقية القهرية! وهذا في العادة نوع خطير لأنه يشعر المرأة أن عليها مجاراة روحه التي صقلتها التجارب الحضارية وعقله المتفلسف، الذي يصور له أن تحديقه فيها- مثلًا- أو محاولة لمسها إنما هو نوع من الاتصال السسيوجيوثقافي! حسنًا... على الجانب الآخر، هناك المرأة التي نشأت بعقدة الضعف وعدم الندية، معقودة هناك في طفولتها البعيدة، تتخللها حتى وهي تتطور فكريًا أو ماديًا أو مهنيًا. كما تكرس بعض المجتمعات فكرة ضعف المرأة وتضاؤل قيمتها مقارنة بالرجل. ورغم السلبية الواضحة لهذه الفكرة وتأثيرها العميق في النساء، فإنها تُسوَّق بطريقة ماكرة مخادعة، بداية من تفادي التشخيص والتسمية المجردة لصفة الضعف التي هي نقيض القوة. ثم بتعليق هذا الضعف على مسطحات ظرفية لا يمكن الإمساك بها مجردة، وتصويرها بشكل إيجابي، كما هي الحال في الارتباط التقليدي بين الضعف والأنوثة، أو الضعف والحياء، أو الضعف وطاقة الاستقبال، أو الضعف والإتيكيت، أو الضعف والعرف الاجتماعي، وهكذا... فنجد مثلًا أن الإفصاح والجدل والصوت المرتفع واتخاذ المواقف الصارمة تُصنَّف كمظاهر ذكورية خشنة خادشة للأنوثة، وعليه ينبغي للمرأة صون أنوثتها بإتقان الدهاء والتلون والمكر لتنتصر لموقفها أو لتحصل على ما تريد. وبمرور الوقت تتشكل لدى المرأة شخصية زائفة مختلفة عن حقيقتها. فتقبل ما لا تريد، وتفشل في فعل الرفض، وتتحمل المواقف التي تسيء لها، وتختار الانسحاب حين يخطئ الرجل، بل قد تتحمل الاعتداء أو التطاول على حدودها وكيانها تحت مبرر اللطافة واللباقة والذوق الاجتماعي. في رأيي، يجب أن نعيد النظر في تربية المرأة منذ طفولتها، وتشكيل قوتها الروحية وتمكينها من تطوير ذكائها حيال جسدها وحدودها مع الآخرين. على المرأة أن تدرب عقلها على التفريق بين الرجل الذي تختار أن تصدر نفسها له كأنثى، والآخر الذي قد يكون زميل عمل أو صديق فكر أو حتى شخصًا عابرًا في ممرات ودروب الحياة، وهنا يجب أن تحضر بإنسانية مكتملة وحدود واضحة وعقل مدرك. ختامًا... للتربية دور مهم هنا. فالطفلة التي تشعر بأفضلية شقيقها الذكر أو الشابة التي تُنتقد لتأخر ارتباطها برجل، أو المطلقة التي تتعرض للضغط باعتبارها أخفقت في الاحتفاظ برجل... كل هذه المنظومة من الأفكار تثقل على أرواح النساء وتبرمجهن على أن الذكورة عذر خلقي، وتجعل للعامة والخاصة من الرجال عليهن درجة.