لم يشعر الناس في السعودية بمضي سنة كاملة على بدء احتفالاتهم بمرور مئة عام على دخول مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود عاصمتهم الرياض في الخامس من شهر شوال 1319ه، إذ قبل ان تنقضي آخر أيام المئوية في العام الهجري الجاري 1420، كانت أيام الألفية الميلادية الثالثة قد بدأت. وهكذا حلت الألفية بدل المئوية في السعودية، فأطلق الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض، في احتفال أقيم مساء أمس في قاعة الرئاسة العامة لرعاية الشباب، بمناسبة اختيار الرياض عاصمة الثقافة العربية للعام 2000، بدء سلسلة الفعاليات الثقافية التي ستقام طوال العام في كل مناطق المملكة العربية السعودية ومدنها، وفي معظم سفاراتها في الدول العربية والأجنبية. ولم يكن ذلك محض مصادفة من مصادفات العام 2000 وتوابع فلكه الصفري المثلث. إذ سبقت قدومه بعامين موافقة وزراء الثقافة العرب في الشارقة، على ترشيح المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو الرياض عاصمة الثقافة العربية. كان الأمير الراحل فيصل بن فهد بن عبدالعزيز حرص على أن يزيد الصفرين المئوين صفراً ثالثاً لتكون الرياض في سنة 2000 عاصمة للثقافة، وتوفي قبيل ان تتجسد الفكرة أمامه. وجاءت "الرياض" بعد "بيروت" مباشرة. الرياض التي لا يوجد فيها دار واحدة للسينما أو للمسرح، تتسلم من بيروت المزدهرة والمزدانة بمسارحها ودورها ومقاهيها الثقافية، راية الثقافة العربية، فتغري المتشائمين بعقد المقارنات واكتشاف المفارقات، وبالجمود عند مرحلة واحدة من مراحل تعريف الثقافة، ذات المفهوم الواسع والمضمون المخنوق في اللحظة الغائبة، وهي لحظة الحاضر. قبل أشهر قليلة رأينا على شاشات الفضائىات كيف كان الكثيرون من أبناء العم، قبل البعيدين، يخوضون غمار المنافسة على رئاسة اليونسكو ضد الدكتور غازي القصيبي وليس معهم غير تلك الأسلحة: "كيف يكون القصيبي رئيساً لليونسكو وهو الذي يأتي من بلد لا توجد فيه مسارح ولا سينما؟ لكن الياباني كويشيرو ماتسورا الذي فاز برئاسة اليونسكو، كان له دوره في مفاجآت ألفية الرياض، فهو حضر احتفال البارحة في الرياض، وقد يكون خرج بانطباع أو بصيغة أخرى للتعريف بمنافسه الدكتور القصيبي، لا تتناقض مع الواقع العفوي المعجز في كل الافتراضات. وربما لو كان مناصراً للقصيبي لاستطاع أبطال ضجيج الحجج المجوفة للمحاججين على الفور: يكفيه أن يقول نعم لقد جاء هذا الرجل من بيئة لا مسرح فيها ولا سينما، من دولة عمرها ثلاثة قرون، أرضها مترامية الأطراف، وهي البلد نفسه الذي خرجت منه الأرواح والدماء التي نشرت الرسالات السماوية وأنجبت الأنبياء والقادة الذين بسطوا الحق على أنحاء الأرض. وأما الثقافة فإن الشعراء العظام بمن فيهم الذين علقت قصائدهم على الكعبة المشرفة هم واللغة العربية التي لا تشيخ خرجوا من رحمها الصلب، نعم هو من بلد لا زرع فيه إلا أن شجرتها النخلة، لا زرع فيها ولا ماء، ولا يشارك الإنسان في جدبها إلا حيوانان هما الجمل والحصان العربي. كما أنها، وهي خالية من أي سينما أو مسرح، تزدحم بأجيال الأنترنت.