سجّلت امس الخميس سابقة اخرى في مجلس الامن، في سلسلة السوابق التي اطلقها رئيس المجلس للشهر الجاري السفير الاميركي ريتشارد هولبروك، وتداخلت فيها الاعتبارات الاعلامية والانتخابية بتوسيع نطاق تعريف ما يهدد السلم والامن الدوليين. اذ خاطب السناتور الاميركي جيسي هيلمز مجلس الامن في سابقة لا مثيل لها خصوصاً ان السناتور المحافظ، وهو رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الاميركي، يُعرف بكراهيته للامم المتحدة وتحقيرها. حاضر هيلمز اعضاء مجلس الامن في جلسة علنية دعيت اليها شخصيات اميركية ودولية في ما وصفه هولبروك بأنه "يوم هيلمز" في الاممالمتحدة. وهاجم هيلمز سجل مجلس الامن، مع الاعتراف بدوره الايجابي في حرب الخليج. وقال: "رغم النجاح الاولي في قهر العدوان العراقي في حرب الخليج، فان مجلس الامن فشل كلياً في ايقاف صدام حسين عن سعيه الى بناء ادوات الجريمة الجماعية، وسمح له بتكرار ألاعيب طرد مفتشي "اونسكوم"، وبينهم اميركيون، وتركه حراً تماماً في السنة الماضية لصنع الاسلحة النووية والكيماوية للدمار الشامل". وتحدى هيلمز مبدأ "السيادة" بمفهومه التقليدي، وقال: "لا يمكن لصدام حسين ان يدافع عن اضطهاد الشعب العراقي مختبئاً وراء مزاعم السيادة الزائفة". وشدد على "رفض الاميركيين فكرة سيادة الاممالمتحدة التي تفترض انها مصدر شرعية سياسات الحكومة الاميركية، الخارجية والداخلية". وقال "ان المصدر الشرعي الوحيد لسياسات الحكومة الاميركية، وهذا ثابت، هو الشعب الاميركي". وزاد "اذاكان للامم المتحدة ان تدوم في القرن الواحد والعشرين فعليها ان تعترف بحدودها". وقال في ما يشبه التحذير: "ان الاممالمتحدة التي تصر على محاولة فرض رؤيتها على اميركا والعالم ستنهار تحت وزنها… واذا احترمت الاممالمتحدة حقوق سيادة الشعب الاميركي، وخدمته بصفتها اداة ديبلوماسية فاعلة، فانها ستكسب وتستحق احترامه ودعمه. اما اذا سعت الاممالمتحدة الى فرض سلطتها المفترضة على الشعب الاميركي من دون موافقته، فإنها بذلك تدعو الى المواجهة، وأود ان اكون صريحاً، الى حتمية انسحاب الولاياتالمتحدة" من المنظمة الدولية. واعرب هيلمز عن "طفح الكيل" لدى الاميركيين من "عدم التقدير والامتنان" من جانب الاممالمتحدة للمساهمات الاميركية. وفيما رحب اعضاء مجلس الامن بجلسة الاطلاع والمصارحة والتعارف واعترفت الاكثرية الساحقة بمركزية الولاياتالمتحدة المميزة في الاممالمتحدة، شدد البعض على ان على الولاياتالمتحدة مسؤولية الاستماع الى آراء الآخرين وتسديد ما عليها من نفقات. وجاءت الجلسة السابقة في اطار سوابق دراماتيكية وخلاّقة اطلقها ريتشارد هولبروك، بعضها لتركيز الانظار على قضايا افريقيا وابرزها اعتبار مرض ال"ايدز" مصدر خطر يهدد الامن والسلم الدوليين. وترأس نائب الرئيس الاميركي آل غور مجلس الامن اثناء جلسة "الايدز" في سابقة اولى اوائل الشهر، ثم استمع المجلس الى رئيس جنوب افريقيا السابق نلسون مانديلا اول من امس، ويستعد المجلس لجلسة خاصة بالكونغو الاسبوع المقبل حيث ستسجل سوابق اخرى. وفيما تلقى هولبروك كيلاً من المديح على افكاره الخلاقة، لاقى ايضاً بعض الانتقاد على "بدعة" السوابق القائمة على الانفتاح الكامل في الوقت الذي ترفض الولاياتالمتحدة تطبيق الانفتاح بمعايير واحدة. وبين افرازات السوابق ان شرفة مجلس الامن المخصصة للزوار والتي بقيت فارغة في السنوات القليلة الماضية عادت لتمتلئ بمبادرة من البعثة الاميركية وباجراءات مدروسة هدفها تشجيع تطوير علاقة بين الاميركيين والاممالمتحدة من جهة، وكسب نقاط اعلامية وانتخابية من جهة اخرى. وفي اطار المبادرة التي يطلقها هولبروك، كان مقرراً ان يجتمع ليل امس الخميس وزير الدفاع الاميركي وليام كوهين مع الامين العام كوفي أنان للبحث في آفاق مساعدة المؤسسة العسكرية الاميركية في اهداف مدنية للأمم المتحدة.