يتمنى السفير الاميركي الجديد لدى الاممالمتحدة، ريتشارد هولبروك ان تكون وظيفته محطة موقتة يعبر منها الى مراتب وزارية مرموقة كما فعل بيل ريتشاردسون الذي عين وزيراً للطاقة، وقبله مادلين اولبرايت التي عبرت الى تولي وزارة الخارجية. هولبروك الطموح لا يدع التمنيات وحدها تقرر مستقبله، وانما يقرنها بالاجراءات المدروسة ضمن استراتيجية واضحة في ذهنه. فهو يكمّل الدائرة اللازمة مهنياً كي يصبح الأكثر تأهيلاً للوظيفة التي يصبوا اليها في ادارة ديموقراطية غير ادارة بيل كلينتون التي تنتهي ولايتها بعد أقل من سنة ونصف السنة. واستثماره الآن في الاممالمتحدة يأتي في اطار تعزيز امكاناته في الادارة المقبلة برئاسة نائب الرئيس الحالي وصديقه العزيز، آل غور. أو هكذا يتمنى. توقع هولبروك ان يخدم في الادارة الحالية بوظيفة أعلى من وظيفته كسفير لدى الاممالمتحدة، على رغم انها تقترن برتبة وزارية علماً بأن السفير لدى الاممالمتحدة عضو في الحلقة المحيطة بالرئيس التي تتخذ القرارات السياسية الأهم. والسفير الجديد يعتبر نفسه مؤهلاً لتولي وزارة الخارجية، لا بل يستحقها اكثر من اولبرايت. العلاقة بين اولبرايت وهولبروك ليست مبنية على الاعجاب المتبادل. واولبرايت كانت تفضل ألا يكون هولبروك سفيراً لدى الاممالمتحدة، كما كان هولبروك يفضل لو ان الزمن لم يضعه في رتبة أدنى من رتبتها. الأوساط الفكرية الاميركية والمجالس التي ينتمي اليها الاثنان تتساءل عن كيفية تعامل السفير والوزيرة وكيف ستؤثر علاقتهما على صنع السياسة الاميركية الخارجية وتنفيذها. البعض يتوقع صداماً لا بد منه نظراً الى شخصية كل منهما. والبعض الآخر يتوقع معركة سياسية هادئة حتى في عنفها كي يسجل كل منهما نقاطاً تضعف تأهيل الآخر للمناصب المرجوة في الإدارة المقبلة. عند تناول الملفات الدولية التي لها تأثير على الساحة السياسية الاميركية المحلية ليس متوقعاً ان يتعارك هولبروك واولبرايت علناً، انما قد يعمل كل منهما على إبراز نفسه على انه الفاعل الاساسي فيها. فهولبروك صاحب انجاز "اتفاق دايتون" في شأن البوسنة. وكان مكلفاً ملف قبرص والعمل على حل أزمة كوسوفو. خدم كسفير لدى المانيا وعمل مساعداً لوزير الخارجية للشؤون الأوروبية والكندية بتعيين من الرئيس بيل كلينتون في 1994. خبرته واسعة في الشؤون الدولية، ولعب أدواراً مهمة أثناء خدمته كمساعد لوزير الخارجية لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ عندما عينه الرئيس السابق جيمي كارتر في المنصب من 1977 الى 1981. انجازات اولبرايت، بالمقارنة، ليست عديدة وهي معروفة اكثر كسفيرة قوية اطلقت غضبها ولسانها ضد العراق وتمكنت من اسقاط الأمين العام السابق للامم المتحدة الدكتور بطرس غالي. تسعى اولبرايت الآن الى ان تترك بصماتها على سياسة جديدة وعلاقة جديدة بين الولاياتالمتحدة وايران تميزها كوزيرة للخارجية. فهي، حتى الآن، فشلت في تصحيح مسيرة عملية السلام في الشرق الأوسط على رغم محاولاتها العديدة. واولبرايت تريد انجازاً لها يجعلها مؤهلة للتنافس على مناصب مهمة في ادارة ديموقراطية لاحقة. ملف العراق في الاممالمتحدة يستحق المراقبة لأنه ابرز الملفات الحية في المنظمة الدولية. بيل ريتشاردسون استهل ورقة تسجيل انجازاته اثناء خدمته كسفير لدى الاممالمتحدة بالإشارة الى انه تمكن من تقديم ستة قرارات وبيانات في مجلس الأمن تدين "رفض" العراق تنفيذ قرارات الاممالمتحدة. واولبرايت معروفة، كسفيرة على الأقل في حزمها مع العراق ورفضها الاعتراف العلني بما تم انجازه بالنسبة الى تعاون عراقي في نزع السلاح المحظور. هولبروك يتسلم مهمات منصبه لدى الاممالمتحدة في اجواء مختلفة نحو ملف العراق تفيد ببعض الانفتاح وربما بعناصر سياسية جديدة من جانب مجلس الأمن بما فيه الولاياتالمتحدة. وكيفية تناوله هذه التلميحات ستكون محط مراقبة شديدة، دولياً ومحلياً، فهو لن يكون حصراً منفذ السياسة الاميركية وانما أيضاً مساهماً في صنعها. أو هكذا ينوي ويتمنى. فالمعروف عن هولبروك انه قوي الشخصية ومعجب بنفسه الى درجة اتهامه بالغرور المميز، الا ان هذه مرحلة في حياته يعتبرها محطة ضرورية اذا أراد الوصول الى ما يتمناه.. وقد تؤثر في سمعته المكتسبة وتترك أثراً في شخصيته. ثم ان هولبروك استقر منذ سنتين مع زوجته الجديدة، كاتي، ما جعله يبدو أقل عجرفة وأقل انصباباً على نفسه. ولهذا تأثير أيضاً. سفراء الدول الأخرى في الاممالمتحدة يهتمون دائماً بشخصية السفير الاميركي الجديد على رغم ان السياسة الاميركية العامة مستمرة بغض النظر عن الأسلوب. لكن للشخصية بعداً مهماً في مشاعر الديبلوماسيين الآخرين، اذ تثير غضبهم من الترفع والاملاء على نسق اسلوب اولبرايت، أو تتركهم في حال ود اجتماعي حتى عند الخلاف السياسي كما كانت الحال مع ريتشاردسون