ظهرت مؤشرات إلى "تصدع" في العلاقات بين الكرملين والمؤسسة العسكرية بعد الهزائم التي منيت بها القوات الروسية في جنوب شرقي غروزني. وتكبد الروس أمس خسائر كبيرة في مكمن نصب لطابور مدرع في المناطق الجبلية. وواصلت القيادات السياسية والعسكرية الروسية تقديم بيانات متناقضة من الجمهورية الشيشانية، حيث شن المجاهدون هجوماً مضاداً استعادوا بنتيجته السيطرة على عدد من المدن والقرى التي كانت موسكو أعلنت "تحريرها". وذكرت وزارة الدفاع الروسية أنها تمكنت من "ازاحة" المهاجمين، إلا أن قيادة قوات القوقاز اعترفت أمس بأن المعارك استمرت في منطقة ارغون مع مقاتلين بإمرة القائد الميداني المعروف شامل باسايف الذي كان الروس أعلنوا مرة أنه في غروزني، ثم ذكروا أنه "هرب" إلى المناطق الجبلية. ولم تقدم المصادر الشيشانية من جانبها، معلومات وافية. إلا أن خبيراً عسكرياً قال ل"الحياة" إن المقاتلين ابقوا أعداداً تراوح بين العشرات والمئات لمشاغلة القوات الروسية، فيما سحبوا قطعاتهم الأساسية من المدن التي احتلوها. ودمرت 13 عربة مدرعة وقتل 60 جندياً روسياً لدى مهاجمة طابور متجه إلى مدينة ارغون، كما وقع طابور مدرع آخر في مكمن قرب بلدة شاتوي الجبلية. وذكر ناطق باسم القوات الروسية ان هناك "خسائر من الجانبين"، وهو تعبير يستخدم عادة للحديث عن خسائر فادحة يتكبدها الجانب الروسي. وأدت الهزائم الأخيرة إلى خلافات داخل المؤسسة العسكرية، وبين الأخيرة والكرملين. فقائد قوات القوقاز فيكتور كارانتسيف، ذكر ان الجيش قام بدوره وارغم المقاتلين على الانسحاب من المدن قبل حلول رأس السنة. إلا أن وحدات الأمن الداخلي التي أوكل إليها "تطهير" المراكز المأهولة، لم تؤد وظيفتها. وذكرت صحيفة "تيزافيسيمايا غازيتان" أمس ان قادة الجيش أبدوا استغرابهم، لأن رجال الشرطة والأمن الروس لم يعثروا على أكثر من بندقية واحدة عند "تمشيط" مدينة شالي التي اتضح انها كانت مليئة بأسلحة، استخدمها المقاتلون الذين تسللوا إلى هناك أخيراً. ومن جهة أخرى، كان قادة الجيش أعربوا عن استيائهم لموافقة القيادة السياسية على "هدنة" غامضة لمدة ثلاثة أيام. واعتبروا أن ذلك اعطى فرصة للشيشانيين لإعادة ترتيب صفوفهم وشن هجوم مضاد. ومن الواضح ان الرئيس بالوكالة فلاديمير بوتين الذي كان يعتبر الجيش حليفاً له، حاول ترضية قادته بإعادة الجنرالين فلاديمير شامانوف وغينادي تروشيف بعد اقصائهما في ظروف وملابسات غامضة. ويتوقع أن تشن القوى المناوئة للقيادة العسكرية "هجوماً إعلامياً مضاداً" مستثمرة الفضيحة التي اثيرت في جورجيا بعرض فيلم وثائقي صورته أجهزة الأمن يصور عملية نقل أسلحة من قاعدة روسية قرب العاصمة تبليسي، ذكر أنها بيعت إلى الشيشانيين. ونفى وزير الدفاع ايغور سيرغييف بشدة هذه الاتهامات واعتبر الفيلم "ملفقاً" وطالب بالتحقيق فيه. وأشار المراقبون إلى أن تزايد الخسائر الميدانية والإعلامية سيكون ناقوس خطر للكرملين ويضع علامات استفهام على نتائج الانتخابات الرئاسية المبكرة التي كان متوقعاً ان يفوز فيها بوتين بامتياز. وإضافة إلى المضاعفات الداخلية، فإن التطورات الأخيرة قد تزيد من الضغوط الخارجية على روسيا لحملها على وقف القتال. وطلب رئيس الوزراء الايطالي ماسيمو داليما من بوتين في مكالمة هاتفية مساء الثلثاء ان ينهي الحرب بسرعة ويحترم حقوق الإنسان في الشيشان. ولوحظ ان البيان الذي أصدره الكرملين عن المكالمة أهمل الاشارة إلى مطالبة داليما. وذكر ان بوتين أكد "التزامه الحل السياسي" للمشكلة الشيشانية.