أعلن في الشهر الأخير من القرن العشرين عن المسح الجيني الكامل لخريطة الكروموسوم 22 في جسم الانسان. وكروموسوم 22 واحد من 23 زوجاً من الكروموسومات في كل خلية تقريباً من خلايا جسم الانسان وهي التي تحمل الشيفرة الخاصة بالوراثة والمخطط الأساسي للانسان. ويعتبر الحدث أول ثمار مشروع "الجينوم البشري" Human Genome Project الذي يساهم فيه علماء من بلدان عدة. هدف المشروع الكشف عن مجموع الجينات التي يتكون منها الانسان ومعرفة العوامل الجينية التي تسبب مختلف الأمراض من أمراض القلب والسرطان وحتى الأمراض العقلية. وقد يكشف المسح الجيني الكامل للانسان أسرار تطوره والأحداث الكبرى التي مرت على البشرية. ويتوقع العلماء الانتهاء من وضع "الجينوم البشري" بالكامل عام 2003. عصر علمي جديد ذكر الدكتور فرانسيس كولنز مدير مشروع الجينوم في المعهد القومي للصحة في بيثيسيدا، ولاية ميريلاند في الولاياتالمتحدة أن المسح الجيني لكروموسوم 22 ينجز فصلاً من المخطط الأساسي للانسان. واعتبر العالم الأميركي هذا الحدث أهم انجاز علمي في التاريخ بما في ذلك الانشطار النووي والنزول على سطح القمر. ويفتتح الحدث عصراً جديداً في البحث العلمي، إذ لم يسبق أن ساهم علماء من مختلف البلدان في عرض النتائج النهائية لتجاربهم بشكل مفتوح للجمهور عبر شبكة الانترنت. وأثار الحدث ردود أفعال مختلفة بين القطاعين العام والخاص على الصعيد الدولي. فمشروع "الجينوم البشري" الذي تدعمه الدول ومؤسسات البحوث العالمية يواجه منافسات حادة من جانب شركات الصناعات الطبية. وتحاول شركات عالمية مثل "سيليرا جينوميكس" Celera Genomics Corp. تحقيق السبق في مسح الجينات البشرية وتسجيل حقوق ملكية بها. وتثير هذه الخطوات احتجاجات قوية من جانب الأوساط العلمية التي تعارض الملكية الخاصة على اجراء البحوث على الجينات البشرية. كروموسوم الأمراض ساهم في مسح خريطة كروموسوم 22 علماء من اليابانوالولاياتالمتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا. ويحتوي هذا الكرموسوم على أقل من اثنين في المئة من مجموع الجينات البشرية. لكن يُعتقد بأن الكروموسوم غني بالجينات التي تلعب دوراً أساسياً في ما لا يقل عن 35 مرضاً، بما في ذلك أمراض القلب والشيزوفرينيا والتخلف العقلي وسرطان الدم لوكيميا، والمرض الذي يحمل اسم "متلازمة كروموسوم22" المسؤول عن معظم حوادث الاجهاض. وكشف مسح كروموسوم 22 عن 679 جيناً، نصفها تقريباً غير معروف من قبل. ويُعتقد بأن المسح اللاحق قد يرفع عدد الجينات الى الألف. والعلاج الطبي أول المستفيدين من مشروع "الجينوم البشري" الذي تبلغ كلفته 3 بلايين دولار. وتتوفر الآن أدوات لتشخيص أمراض محددة طورها الباحثون على ضوء المعلومات التي كشفها المسح الجيني، وتجرى التجارب على طرق علاجية بيولوجية لتغيير واصلاح الجينات المغلوطة التي تسبب المرض من دون الأعراض الجانبية للأدوية التقليدية. ويتوقع الدكتور إيان دنهام الذي يساهم في مشروع "الجينوم البشري" أن يستغرق التأكد من العلاج الجيني بضع سنوات،إلاّ أن باحثين آخرين يعتقدون أن معرفة الأسباب الجينية للأمراض تساعد الأطباء منذ الآن في توصيف العلاج الطبي تبعاً للمواصفات الجينية للمريض. لكن الكشف عن الأسرار الجينية للأمراض يثير مشاكل أخلاقية وقانونية لا عهد للمجتمعات بها. من بين المشاكل المطروحة الموقف من شركات التأمين التي تسعى الى معرفة الوضع الجيني للأشخاص طالبي التأمين. وذكر ريتشارد غالاهر، رئيس تحرير المجلة العلمية الدولية "نيتشر" الطبيعة Nature التي نشرت تقرير الاكتشاف أنه يثير تساؤلات حول كيفية تعامل المجتمع مع هذه المعلومات. ومن جانب آخر غير معروف لحد الآن تأثير ذلك على العلاقة بين الحكومات ومؤسسات البحوث الدولية العامة وشركات صناعات الأدوية. وظهرت أول ردود الأفعال في اعلان الدكتور مايك دكستر مدير مؤسسة البحوث "ويلكوم ترست" التي تساهم في دعم "الجينوم البشري" أنهم سيلجأون الى القضاء في حال تسجيل براءة اختراع بالجينات البشرية. وكانت شركة "سيليرا" الأميركية قد سجلت براءات اختراع بنحو 6500 سلسلة جينية. وتدّعي "سيليرا" أنها تستخدم تقنية مختلفة في مسح خريطة الجينات. تقوم هذه الطريقة التي يطلق عليها اسم "إطلاقة البندقية" Shotgun بتمزيق المادة الجينية لأي عضو الى نتف صغيرة، ثم تحاول تجميع الكل بمعونة الكومبيوتر الفائق سوبر كومبيوتر. وأحدثت الشركة الأميركية ضجة اعلانية كبيرة عند الانتهاء قبل شهرين من مسح الجينوم الكامل لحشرة ذبابة الفاكهة "دروسوفيلا"، لكن طرحت تساؤلات عدة من جانب العلماء حول جدوى هذه الطريقة في الكشف عن "الجينوم البشري" الأكثر غنى بما لا يقارن. ففي حين يحتوي "الجينوم البشري" على 3 بلايين ونصف البليون زوج من القواعد الكيماوية لا يتجاوز عدد هذه القواعد في جينوم حشرة الفاكهة 180 مليوناً.