شجرة الأنساب التي تحافظ عليها بعض القبائل العربية الأصيلة تساوي ملايين الدولارات. الراغبون في الشراء هم شركات الأدوية العالمية والمؤسسات الطبية، التي تعتبر شجرة أنساب المجموعات البشرية الأصيلة مختبرا فريدا لبحوث العلاج الجيني. فالشجرة تضم خريطة "الجينوم" البشري الذي يتوقف على دراسته مستقبل الطب والصيدلة في القرن المقبل. وترسم الشجرة مسار الجينات المرضية عبر أجيال عدة وتحدد مواقع وآليات ظهورات الأمراض المختلفة. وتشكل قاعدة المعطيات التي تصنعها الشجرة داخل الكومبيوتر مختبراً فريداً للأبحاث الجديدة في علوم الصيدلة والطب العلاجي. وتعتبر المجلة العلمية البريطانية "نيوساينتست" شجرة الأنساب ثروة وطنية تعادل في الأهمية ثروات النفط بالنسبة للشعوب النفطية. جاء ذلك في افتتاحية المجلة تعليقاً على الصراع الدائر حول صفقة عقدتها شركة صناعات الأدوية السويسرية "روشيه" Roche للحصول على شجرة أنساب سكان آيسلندا مقابل 200 مليون دولار. ويدّعي سكان هذه الجزيرة المعزولة قرب القطب الشمالي للكرة الأرضية أنهم يحتفظون بأشجارهم العائلية التي تمتد الى أول النازحين من الدول الاسكندنافية قبل ألف سنة. لكن جهات عدة في ايسلنده وخارجها تعارض المشروع وتعتبر التجارة بشجرة الأنساب ينتهك الحرية الفردية ويفضح الأسرار العائلية. تكشف شجرة الأنساب عن مسار حركة الجينات المسؤولة عن أمراض رئيسية بدنية ونفسية، كأمراض القلب والسرطان والسكري والشيزوفرينيا. وتمثل شجرة الأنساب منجماً للباحثين في علوم الطب والصيدلة. ويضع تحويلها الى قاعدة معطيات داخل الكومبيوتر دليلاً للكشف عن مسار الأمراض المتوارثة وظهورها لدى الأفراد من أجيال مختلفة. ويمكن للباحث أو الطبيب المعالج أن يعرض بخفقة أنامل على الكومبيوتر التاريخ الشخصي للمريض وتعرضيه للأمراض المختلفة. ويحدد الدليل الوصفات العلاجية التي تناسب المريض. وتشكل شجرة الأنساب قاعدة معطيات لوضع نظام الانذار المبكر بالأمراض وتطوير طرق للوقاية منها وتجنبها. فالفحص الجيني يكشف عن تعرض عوائل معينة لخطر الاصابة بأمراض القلب أو سرطان الثدي. ويمكن استخدام نتائج هذه الفحوص لوضع أساليب وطراز حياة ووسائل للوقاية من هذه الأمراض وتجنب الاصابة بها. وتساعد دراسة مسار الجينات عبر الأجيال على صنع أدوية جديدة تزيل الأسباب الحقيقية للأمراض قبل ظهورها وليس أعراضها فقط. وتعتبر شجرة الأنساب عنصراً أساسياً في انجاز "مشروع الجينوم البشري" الذي انفق عليه أكثر من بليون دولار. يعمل في المشروع علماء من مختلف البلدان منذ أكثر من عشر سنوات والهدف منه درس مجموع الجينات التي يتكون منها الانسان. لكن مسح الجينات وتشخيص الاضطرابات الجينية المنفردة غير كاف لتحديد الجينات المسؤولة عن أمراض تعود الى عوامل جينية متعددة. ولا تكشف دراسة الجينوم عن علاقة الأمراض بعوامل البيئة. هذا النقص تسده شجرة الأنساب الجينية التي تسعى المؤسسات الطبية الى الحصول عليها. وتتنافس شركات عدة في الحصول على هذه المختبرات الحية للأبحاث الصيدلانية والطبية. وتبذل شركة الأدوية السويسرية "روشيه" Roche جهوداً كبيرة لتنفيد صفقة ال 200 مليون دولار التي عقدتها مع احدى الشركات الآيسلندية مقابل الحصول على الشجرة الجينية لسكان آيسلنده. ويُعتقد أن أصل سكان آيسلنده يعود الى مجموعة من محاربي الفايكنغ، الذين نزحوا قبل نحو ألف سنة من البلدان الاسكندنافية. وقد حافظ الآيسلنديون على صفاتهم الوراثية المتجانسة بسبب وجودهم في هذه الجزيرة النائية قرب القطب الشمالي للكرة الأرضية. واحتفظ سكان آيسلنده، الذين يبلغ عددهم 270 ألف نسمة بسجلاتهم الطبية منذ القرن الماضي. كما تحتفظ المستشفيات ومراكز الأبحاث الطبية في آيسلنده بعيّنات من الأنسجة الحية للسكان يعود تاريخها الى أكثر من نصف قرن. ويحتفظ معظم السكان بأشجار عوائلهم التي تعود الى أول النازحين الى آيسلنده. وتم على أساس هذه القاعدة تتبع صلات القرابة لنحو ثلاثة أرباع الأشخاص الذين عاشوا على امتداد تاريخ هذه البلاد ويبلغ مجموعهم نحو 750 ألف نسمه. ويتوقع أن يكشف الجرد الجيني للسكان عن مواقع الصبغيات الكروموسومات المسؤولة عن عدد من الأمراض الوراثية. والمشروع الآيسلندي ثمرة أبحاث شركة متخصصة بالتكنولوجيا الحيوية بايوتكنولوجي تدعى "ديكود جينيتيك" deCode Genetics. ويحظى المشروع بدعم قوي من رئيس وزراء آيسلنده ديفيد أودسين الذي يعتقد أنه مفيد ليس لصحة سكان بلاده فحسب، بل لاقتصادها أيضاً. وأصدر برلمان آيسلنده قراراً بالموافقة على تجميع المعلومات الجينية للسكان في قاعدة معطيات واحدة. ينشئ هذا القرار بنك معلومات مركزي لصحة السكان ويحول آيسلنده الى مختبر عالمي فريد لأبحاث الجينات. وتعتبر الحكومة الايسلندية المشروع جزءاً أساسياً من نظام الرعاية الصحية العامة للسكان. لكن المشروع أثار احتجاجات من جانب جماعات حقوق الانسان، التي تعتقد أن شجرة الأنساب ملك شخصي، وتعتبر معرفة تفاصيلها انتهاكاً لامور ذاتية. وحذرت هذه الجماعات من أن الشجرة الجينية تتضمن أسرار الأفراد والعوائل التي لا يجوز الاطلاع عليها واستغلالها تجارياً. وتشارك في حملة الاحتجاج الواسعة قطاعات من سكان آيسلنده. وفي افتتاحية خاصة بالموضوع ذكرت المجلة العلمية البريطانية "نيوساينتست" أن المتاجرة بشجرة الأنساب لا يحطّ من قدر الجهة التي تتعاطى ذلك. إلاّ أن معارضة المشروع تدفع الشركات الى البحث عن أشجار أنساب في أماكن اخرى من العالم، خاصة بين قبائل ومجموعات بشرية تعيش في مناطق منعزلة في الغابات والصحارى البعيدة أو الجبال المنيعة. موقع مشروع آيسلنده على الشبكة العالمية: http://www.decodegenetics.com/