يعرف هذين المترين المربعين منذ عشرين سنة، وبدأ في السنوات الاخيرة يستعين بجذع الشجرة التي راقبها تكبر صيفاً بعد صيف مذ كانت غرسة صغيرة. وبعد اشتياقه لها في الشتاء يعود اليها كل صيف فينصب خيمته قربها ويرتب حول جذعها سلاّت كبيرة صار عددها يزداد مع اتساع دائرة الظل البارد... من دون ان يعرف انه يجلب الى دمشق ثمار شجرة يعود تاريخها الى 3500 سنة قبل الميلاد. علي بكور واحد من عشرة اشخاص نصبوا بسطاتهم على الطريق بين مصايف الربوة وساحة الامويين في وسط دمشق. ومع مرور السنوات صار هذا الشارع اشهر المناطق لبيع الفستق الحلبي. يعرفه الدمشقيون منذ عقود، كما انهم يعرفون هؤلاء الباعة الحلبيين مدة ثلاثة اشهر في كل سنة، هي شهور موسم الفستق الحلبي بين منتصف شهر تموز يوليو وتشرين الاول اكتوبر. يقول علي :"اعرف هذه المنطقة قبل ان يوسّع هذا الطريق، وعندما كانت البيوت بسيطة وقبل انشاء حديقة تشرين الكبيرة" في بداية الثمانينات. ويأتي علي 42 سنة مع عدد من اطفاله الثمانية، ويعسكرون في هذه المنطقة. يحضرون شراشف ووسادات وغازاً للطبخ وادوات الشاي والطعام البسيط، اضافة الى "لوكس" يعلق في احد اغصان الشجرة خلال الليل. وقال: "لا ننام سوى ساعات قليلة في اليوم وفي شكل متقطع. يجب ان نكون جاهزين في اي لحظة يأتي الزبون. بعضهم يأتي لشراء الفستق الحلبي بعد خروجه من السهرة في الربوة، وبعضهم الاخر يأتي من بيته في المزة او المهاجرين او المالكي لشراء كمية لضيوفه في المنزل، في حين يفضل اخرون ان يأتوا في آخر الليل كي يأخذوه لسهراتهم الحمراء". لكنه قال:"كلهم اغنياء قادرون على سداد سعره الغالي". ويبلغ سعر الكيلو نحو دولارين ونصف الدولار. وعلي يذهب ثلاث مرات في الاسبوع الى بلدة مورك في حماة وسط البلاد للتبضع من الفستق، مفضلاً هذا المكان عن الذهاب الى حلب. وقال :"افضل ان اقطع 250 كيلومتراً بدلا 400 كيلومتر، طالما انني احصل على نوعية جيدة". ويعني بالنوعية الجيدة تلك الحبات المفتوحة بشكل طبيعي فلا تتطلب جهداً، ويتميز بذلك فستق منطقتي شمال ووسط سورية التي تنتج اشجارها 3 ملايين اكثر من 25 الف طن سنوياً من هذه المادة الدسمة جداً والمقوية للذاكرة. وقال :"اهالي الشام يعرفون الجيد من السيء لذلك هم لا يتعاملون مع حاملي السلال الذين يحضرون الفستق الحلبي من منطقة الزبداني، لان نصفه ليس مفتوحاً". وزاد :"هؤلاء البائعون يعملون على مبدأ: اضرب واهرب". لكن المشكلة الاساسية التي يعاني منها هي عدم حصوله على رخصة رسمية للعمل في طريق الربوة، ذلك ان محافظ دمشق لم يعد منذ العام 1994 يسمح لاي شخص بفرش بسطته من دون الحصول على موافقة رسمية. ومع مرور السنوات وتغيير المحافظين بدأ عدد الرخص في التناقص من مئات الى عشرات وصولاً الى اقل من عشرين رخصة في كل دمشق، يقوم معظمها في طريق الربوة. ويقول علي :"حصلت على رخصة للعمل في منطقة الشاغور، لكنني اعمل هنا بشكل غير رسمي لان العمل غير مربح هناك، كما ان الناس اعتادوا علينا منذ سنوات ويثقون بنا وببضاعتنا". ونتيجة لذلك انتقلت الرخص الى السوق السوداء، اذ ان بعضهم باع رخصته بالف دولار مع ان قيمتها لاتتجاوز ال 150 دولاراً في طريق الربوة و90 دولاراً في اي منطقة اخرى. واشار الى ان "متعاملين جدداً خربّوا علينا الشغل. دخلوا على المصلحة بقوة ونفوذ، وحصلوا على رخص واشتكوا علينا لاننا لانملك رخصاً رسمية مثلهم". واستدرك :"لماذا لايتركوننا بحالنا. نريد ان نطعم اولادنا وأن نطبخ ونعيش وننام في العراء كي نكسب بعض النقود التي تعيلنا في الشتاء. وخلال ثلاثة شهور لانرى العائلة سوى ثلاث مرات". ويبيع علي سنوياً اكثر من 2.1 طن من الفستق، ويصل معدل بيعه اليومي احياناً الى نحو خمسين كيلو بنسبة ربح صاف قدرها 15 في المئة، لكنه يضطر الى تقاسم الربح مع ابن عمه واخيه لانهما لم يحصلا على رخصة بعدما صار محافظ دمشق السابق محمد زهير تغلبي "متشدداً في ذلك".